عماد مرمل – «صدى الوطن»
يواجه تيار المستقبل منذ فترة، أزمات سياسية ومالية وتنظيمية وشعبية، شكلت في مجموعها فاتورة الغياب الطويل للرئيس سعد الحريري عن لبنان، قبل أن يعود مؤخرا ويكتشف أن ثمن ابتعاده كان باهظا، وأن هناك من اقتطع أجزاء من المساحات الفارغة في الشارع السني، وملأها على طريقته، بدءا من «الزعيم المستجد» في طرابلس أشرف ريفي وانتهاء ببعض الظواهر المتطرفة كالنائب خالد الضاهر في عكار، مرورا بمجموعة «بيروت مدينتي» التي تمثل المجتمع المدني (تضم فنانين ومثقفين ومهنيين وأكاديميين) وكان لها الجرأة على منافسة اللائحة المدعومة من الحريري بمعقله الأساسي في بيروت، خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، حيث سجلت أرقاما مرتفعة في صناديق الاقتراع، فاجأت الجميع.
ومن أهم «الآثار الجانبية» التي ترتبت على «نزوح» الحريري عن لبنان لسنوات عدة، كان صعود دور الرئيس فؤاد السينورة الذي بدا في بعض المراحل السابقة وكأنه هو الذي يقود تيار المستقبل ويتكلم باسمه، فارضا إيقاعه على اجتماعات كتلة «المستقبل» النيابية التي يترأسها أسبوعيا، بحيث أصبحت بيانات الكتلة تعكس نَفَسه السياسي الى حد كبير.
كما أن السنيورة هو الذي يمثل «المستقبل» على طاولة الحوار الوطني في عين التينة، ويضع بصماته على السياسات والخيارات المعتمدة من قبل التيار الأزرق حيال الملفات المالية والاقتصادية.
لكن، وبعد رجوع الحريري إلى بيروت، عاد الرجل ليستقطب الأضواء وينتزع المبادرة من السنيورة الذي، وبرغم ذلك، لم يفقد القدرة على «المشاغبة» وحماية حضوره سواء في «التركيبة المستقبلية» أو في الشأن العام.
وما يلفت الانتباه أن العلاقة بين الحريري والسنيورة انتقلت مع مرور الوقت من مرحلة توزيع الأدوار إلى طور التمايز الذي يلامس حد الاختلاف في المقاربات، ما دفع بعض خصوم تيار المستقبل الى الكلام حول تبعثره وتعدد مراكز القوى فيه، في انتظار ما سيؤول إليه مؤتمره التنظيمي العام في الخريف المقبل والذي يُفترض أن يحمل معه ربيع التيار، كما يتمنى المتحمسون من أنصار الحريري.
وحتى ذلك الحين، تتراكم التباينات بين الحريري والسنيورة، في انعكاس لتضارب آرائهما وخياراتهما حول العديد من المسائل الجوهرية، كما يتضح من الأمثلة الآتية:
– رشح الحريري النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، فيما يبدو السنيورة غير مقتنع بهذا الترشيح من الأساس، بل هو لا يخفي في مجالسه الخاصة اعتراضه عليه معتبرا أن اعتماده كان خطأ وليس مخرجا.
– يعترض السنيورة على مبدأ حصر الترشيح الى رئاسة الجمهورية بالقيادات المارونية الأربع (ميشال عون، سليمان فرنجية، أمين الجميل، وسمير جعجع)، في وقت يعتبر الحريري أن تجاوز هذا السقف ليس ممكنا، باعتبار أنه مرسوم من المكونات المسيحية المحورية ويحظى برعاية بكركي.
– يرفض السنيورة بشدة الموافقة على دعم ترشيح العماد عون في إطار اتفاق سياسي يأتي برئيس «المستقبل» الى السرايا الحكومية، فيما ينفتح الحريري على النقاش حول الأمر، وسط مفاوضات سرية تدور على خط بيت الوسط- الرابية يتولاها صهر الجنرال وزير الخارجية جبران باسيل ومدير مكتب رئيس «المستقبل» نادر الحريري.
– لا يتحمس السنيورة لمشروع قانون الانتخاب المقترح من الرئيس نبيه بري على أساس توزيع المقاعد بين 64 أكثري و64 نسبي، بينما يبدي الحريري مرونة حياله.
– تسود العلاقة بين السنيورة وبري حساسية شديدة تتخذ أشكالا عدة، كان آخرها طرح السنيورة بأن يحل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد مكان بري في رئاسة المجلس النيابي( قبل أن يعود وايسحب موقفه) في وقت تتسم فيه العلاقة بين الحريري وبري بالإيجابية والود (مع خبز وملح) إلى حد أن رئيس المجلس لم يتردد في القول قبل أيام أنه أصبح مع الحريري ظالما أم مظلوما منذ أن رشح فرنجية الى الرئاسة.
– يستشرس السنيورة في الدفاع عن مدير عام هيئة أوجيرو في وزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف في مواجهة محاولة إزاحته عن موقعه تحت وطأة الاتهامات الموجهة اليه بالفساد من جهات عدة، بينما أعطى الحريري إشارات الى استعداده للتخلي عنه واستبداله بموظف آخر.
– يضمر السنيورة حنينا وطموحا الى تولي رئاسة الحكومة مجددا، الامر الذي يضعه في منافسة صامتة مع الحريري الذي هو مرشح دائم الى هذا الموقع.
لكن.. وبرغم هذا الهامش الواسع الذي يتحرك ضمنه السنيورة، إلا أن مصادر بارزة في تيار المستقبل تؤكد أنه ومهما تعددت الاجتهادات يبقى الحريري هو صاحب القرار النهائي والحاسم عندما تحين لحظة الحقيقة، لافتة الانتباه الى أن الاستحقاقات المقبلة ستكون كفيلة بإثبات ذلك.
Leave a Reply