لا يزال الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري يحاول التهرب من دفع «الرسم الوزاري» المترتب على فوز 10 نواب سنة من خارج «تيار المستقبل» في الانتخابات النيابية الأخيرة، برغم أن هؤلاء يمثلون عملياً نحو 40 بالمئة من الناخبين السنّة الذين أدلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع.
يحاول الحريري جاهداً الإفلات من «ضريبة» منح مقعد وزاري أو اثنين لمنافسيه في الطائفة، على حساب حصته التقليدية في الحكومة. وما يساعده في التملص من تسديد فاتورة الانتخابات النيابية على المستوى السني هو أن النواب العشرة المتمايزين عن تياره يتوزعون على العديد من الكتل النيابية ولا يشكلون تكتلا بحد ذاته. صحيح أن ستة منهم جمعتهم «الضرورة» في لقاء مشترك للمطالبة باحترام حق تمثيلهم في الحكومة، لكن هذا التلاقي لا يرقى إلى مستوى إطار أو تجمع سياسي ثابت ومنظم، إضافة إلى أن هناك أربع شخصيات لم تكن مشاركة فيه وهي الرئيس السابق نجيب ميقاتي والنواب أسامة سعد وفؤاد مخزومي وبلال عبدالله.
تبعثر المنافسين
من الواضح أن الحريري يستخدم ورقة تبعثر منافسيه لتبرير عدم إعطائهم من كيسه مقعداً أو اثنين، مستفيداً في الوقت ذاته من حرص العهد وحزبه، أي «التيار الوطني الحر»، على عدم الضغط عليه في هذا الجانب، بفعل حاجة كل من الطرفين إلى الآخر تحت سقف التسوية التي جمعتهما، إلى جانب قناعة الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل بأنه ليس من المفيد في هذا التوقيت الاصطدام بصاحب التمثيل الأوسع في الطائفة السنية، لاسيما أنه يبدي من جهته كل استعداد للتعاون معهما، برغم بعض التباينات الظرفية.
وعليه، لم يبق أمام الفريق السني المتموضع خارج «المستقبل» سوى الرهان على موقف صلب لـ«حزب الله» و«حركة أمل»، بالدفاع عن حق حلفائهما السنّة في تمثيل وزاري، يحاكي نتائج الانتخابات النيابية. لكن ليس معلوماً، ما إذا كان الثنائي الشيعي مستعداً للذهاب بعيداً في هذا الاتجاه، إلى درجة وضع «فيتو» على تشكيل الحكومة بحال لم تضم المكوّن السني المتمايز أم أنه قد يكتفي فقط بالمحاولة وتسجيل الموقف من دون اعتماد خيارات تصعيدية.
أما النواب السنّة الذين أفلتوا من «محدلة» الحريري الانتخابية، فيعتبرون أن تمثيلهم في الحكومة بوزيرين هو مطلب مشروع، بمعزل عن عواطف الحريري المعروفة حيالهم وحساباته السياسية والشخصية.
دعوة للانفتاح
تشير أوساط هؤلاء النواب إلى أن النسبية أنصفتهم وأثبتت أنهم يملكون حيثية شعبية واسعة لا يجوز الاستمرار في تجاهلها، كما كان يحصل أيام القانون الاكثري الذي ضرب صحة التمثيل واختصره بعدد من المحادل والبوسطات.
ويشدد هؤلاء على أن هواجس الحريري ليست في محلها، «لأن أغلب النواب السنّة الذين عُرفوا بمعارضتهم له قبل انتخابهم، تجاوزوا بعد فوزهم ملاحظاتهم واعتراضاتهم السابقة عليه، وقرروا إعطاءَه فرصة أو فترة سماح وبالتالي بادروا إلى تسميته في استشارات التكليف، ما يستوجب منه ملاقاة هذه الإيجابية».
وتعتبر تلك الأوساط أن الحريري الذي أعلن بعد تكليفه عن مدّ يده إلى الجميع مُطالب بترجمة هذا الموقف إلى سلوك عملي، على قاعدة أن النواب السنة غير المنتمين إلى «المستقبل» هم جزء من «الجميع»، ومن المفترض به الانفتاح عليهم والاعتراف بحيثياتهم التمثيلية من دون مكابرة.
وترى هذه الأوساط أن الحريري معني بحماية ظهره وتأمين أوسع احتضان له في طائفته أولاً، قبل أن يبحث عن التفاهم مع الطوائف الأخرى سواء على الحصص الوزارية أو السياسات العامة، وهو كلما كان محصنا في بيئته ازدادت أوراق القوة لديه وارتفعت أسهم نجاحه في مهمته، «علماً أن الحريري سيكتشف أننا سنكون حلفاء له في معركة مكافحة الفساد وبناء الدولة إذا كان جاداً وصادقاً في خوض تلك المعركة».
الاستبعاد استهداف؟
وتنبه الأوساط إلى أن «عدم تمثيلنا في الحكومة سيكون بمثابة استهداف غير مبرر لنا من قبل الحريري، وعندها سيُبنى على الشيء مقتضاه»، مؤكدة أنه «ليست هناك من حكمة ولا مصلحة في أن يستعدينا الحريري مجاناً».
وتلفت الأوساط ذاتها، الانتباه إلى أن الانتخابات خلطت الأوراق ولا يوجد حالياً خط فاصل واضح بين المعارضة والموالاة، «وبالتالي لا يصح تصنيفنا في الوقت الحاضر بأننا معارضة سنية، خصوصاً بعدما سمّى بعضنا الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة، ولذا لا مبرر لديه لوضع فيتو علينا»، مشددة على ضرورة أن يؤخذ بالاعتبار خلال تأليف الحكومة أن مكونات جديدة دخلت إلى مجلس النواب وينبغي أن تُراعى حيثيتها التمثيلية.
Leave a Reply