مواقف بعض أطرافها من المقاومة لا يعكس عنوانها الوفاقي
الحكومة اللبنانية عبرت الآليات الدستورية ويبقى عليها تطبيق بيانها الوزاري
بيروت –
عبرت الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري باب مجلس النواب الذي مثلت أمامه لنيل الثقة على بيانها الوزاري، الذي لم يختلف كثيراً عن بيانات حكومات سابقة، حيث تضمن وعوداً بتحقيق إصلاحات إدارية، وتخفيض الدين العام وكلفته، وخصخصة بعض القطاع توافقاً مع مقررات مؤتمر “باريس-3” الى معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وإعطائها الأولوية.
إلا ان المناقشات التي رافقت إقرار البيان الوزاري سواء في لجنة الصياغة الوزارية، أو في مجلس الوزراء، تركزت على موضوع المقاومة وسلاحها، الذي تمسك مسيحيو “14 آذار” بمحاولة إخراجه من النص، وحصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية، وتضمينه عبارة ان الحكومة اللبنانية هي المعنية بالدفاع عن لبنان، أو ان تكون الصيغة مشمولة فقط بالجيش والشعب في الدفاع عن السيادة اللبنانية، دون ذكر المقاومة، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل لان ثمة متغيرات حصلت على المستوى الداخلي، بعد ترنح قوى “14 آذار”، وخروج الحزب التقدمي الاشتراكي منها، وتأكيد رئيس “تيار المستقبل” ان المقاومة وسلاحها هما خارج التداول، وبتم البحث فيهما على طاولة الحوار، وهذا ما اخفق به وزراء “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وبطرس حرب، في ان يمنعوا تكرار الفقرة عن المقاومة التي وردت في الحكومة السابقة برئاسة فؤاد السنيورة، والتي أكدت على حق لبنان جيشاً وشعباً ومقاومة، في تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر واسترجاعها، والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء والتمسك بحقه في مياهه، وذلك بالوسائل المشروعة والمتاحة كلها.
هذه الفقرة من البند السادس من البيان الوزاري اعترض عليها الوزير حرب وتحفظ عنها وزراء القوات والكتائب، وهو الموقف الذي اتخذه نوابهم أيضا في جلسات الثقة، وقد اظهر الحكومة غير متضامنة، ولا تمثل الوحدة الوطنية، وهي تعكس خلافاً اساسياً حول المقاومة وسلاحها، كاد في السنوات الأربع الماضية، ان يفجر حرباً أهلية، تنبه لها النائب وليد جنبلاط الذي أعاد التأكيد على ان المقاومة وسلاحها ضرورة للبنان في الدفاع عنه، ويجب بحث وضعها من ضمن الإستراتيجية الدفاعية.
فسلاح المقاومة الذي يتم التركيز عليه من قبل البطريرك الماروني نصرالله صفير، وكل القوى السياسية المسيحية التي تدور في فلكه، تؤشر الى ان هذا الموضوع يريدون منه ان يبقى نقطة سجال خلافي داخلي، يتم الاستفادة منه، من قبل العدو الاسرائيلي، إذ يصب في خانة نزع هذا السلاح، تحت ذريعة مرجعية السلاح بيد الدولة، ورفض تشريع المقاومة وقوننة سلاحها.
واستغلت إسرائيل هذا الخلاف، لتدخل عليه من باب، ان الجيش الفعلي في لبنان هو المقاومة، حيث هدد رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بضرب كل لبنان، بمناطقه ومؤسساته المدنية والعسكرية، وهو دعم للمطالبين من بعض اللبنانيين بشطب عبارة المقاومة من البيان الوزاري، لتجنيب لبنان أي اعتداء إسرائيلي عليه، في حين ان داخل الكيان الصهيوني من يحسب ألف حساب للمقاومة وسلاحها، ويعتبر ان امتلاكها لسلاح الصواريخ البعيدة المدى التي تصل الى حوالي 360 كلم يهدد عمق الأمن الاسرائيلي، بات يشكل قوة ردع بمواجهة الاعتداءات، يرى الكثير من اللبنانيين ضرورة الاستفادة منه، ليكون قوة احتياط للجيش اللبناني، ويتزاوج مع المقاومة، كما ورد في عناوين البحث في الاستراتيجية الدفاعية، ولتضع الحزب في إطاره اللبناني الوطني، وتزيل كل ما قيل وأشيع، على انه امتداد للحرس الثوري الإيراني، ويتلقى تعليماته من مرشد الثورة الإيرانية آية الله السيد علي خامنئي، ويدين بالولاء لـ”ولاية الفقيه”، حيث ردت الوثيقة على كل هذه الطروحات، وحسم الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، هوية الحزب اللبنانية بان لبنان هو “وطن الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد والأجيال القادمة”، وقد اخذ عليه البعض، انه لم يذكر نهائية الكيان اللبناني كوطن، فكان الرد، ان الاعتراف باتفاق الطائف ووثيقته الوفاقية، تأكيد على ان الحزب يرى في لبنان وطناً له ولجميع أبنائه.
وهكذا مرّ قطوع المقاومة في البيان الوزاري، كما في جلسات الثقة بالحكومة، ولو ان البعض حاول تسجيل مواقف، لاكتساب شعبية ولإرضاء جمهور، وإثارة غريزة ما، إلا ان الوقائع أكدت حاجة لبنان الى هذه المقاومة التي لم تستأذن أحدا في التصدي للاحتلال الاسرائيلي، وهي بالتأكيد ليست فقط مقاومة “حزب الله” بل كل الاحزاب والتيارات والشخصيات والفعاليات وهيئات المجتمع المدني التي مارست المقاومة، سواء بالسلاح أو بالموقف او باطلاق ثقافة المقاومة او يتحصين المجتمع في الالتفاف حولها، بحيث أصبحت ملازمة للبنان، طالما هناك احتلال إسرائيلي وخطر صهيوني لابتلاع الأرض وقضمها، أو سرقة المياه والاستيلاء عليها، كما باتت بعد سنوات من التنسيق والتعاون مع الجيش والتكامل معه، في تزاوج بينهما، وهي العبارة التي جاءت في الوثيقة السياسية لـ”حزب الله” كتعبير عن مدى التلاحم والتفاعل الميداني وليس النظري بينهما، والتي تقوم فلسفة الإستراتيجية الدفاعية على ذلك، إذ لا فصل بين الجيش والمقاومة، والتفاف الشعب حولهما.
عبرت الحكومة الآليات الدستورية، من تشكيلها الى صياغة بيانها الوزاري الذي هو برنامج عملها، ثم نيلها الثقة لتحكم بإرادة الشعب اللبناني الذي يعبر عنه مجلس النواب، والذي تألفت الحكومة من كتلة النيابية، مما يعطيها دفعاً قوياً لتعمل إذ لا يهددها سحب الثقة منها، طالما هي ترفع وتعمل بشعار حكومة الوفاق الوطني، الذي يجب ان يتكرس عملياً على الأرض، بإزالة كل الحواجز النفسية التي نشأت بين اللبنانيين مع الانقسام الذي حصل بين قوى 8 و 14 آذار والتي اختلطت داخل الحكومة، وستظهر تحالفات جديدة مع التطورات السياسية السريعة التي تشهدها الساحة اللبنانية.
فالحكومة أمام اختبار ترجمة بيانها الوزاري الى أفعال، إذ كانت كل البيانات السابقة تتضمن أفكارا جميلة، ومشاريع مميزة، ورؤى جديدة، لكنها كانت تقف عند تنفيذها، وهذه كانت نقاط ضعف اغلب الحكومات، وهو ما تنبه له رئيس الحكومة الجديدة، الذي أكد على ضرورة ان تكون الأهداف محدودة، ومعالجة الأولويات من حاجات الناس، كي يلمسوا تغييراً حصل، لجهة إنهاء ملفات ساخنة وخدماتية ومعيشية وباتت مزمنة، كالكهرباء والمياه والضمان الاجتماعي وأزمة السكن الى مشاكل السير، وتحسين أوضاع الإدارة، ومكافحة الفساد ومحاربة الرشوة، ورفع مستوى الخدمات التربوية والاجتماعية والصحية، وإيجاد حلول للبطالة وهجرة الشباب لاسيما منهم خريجي الجامعات.
هذه الأولويات يضعها الرئيس الحريري في أولى برنامجه، وهو يريد ان يخلق صدمة ايجابية لدى المواطنين، وقد بدأ عمله من خلال عقد اجتماعات للبدء بالتنفيذ، وباشر البحث في وضع أزمة السير، وهي قضية ساخنة تؤثر على الدورة الاقتصادية، كما على قدوم المسافرين والسياح وتخفف من الأعباء المادية على المواطنين.
ويضع الحريري جدولاً زمنياً لمعالجة هذه الملفات، ويؤكد أمام زواره وعلى مسمع من المسؤولين، ان دخوله الى السراي الكبير، يريد ان يتوجه بانجازات ويترك بصمات كما فعل والده الرئيس رفيق الحريري، بملازمة اسمه مع الإنماء والأعمار ومنع تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، وهو سيحقق عدداً من النجاحات في حل أزمة الكهرباء التي هي على تماس مع حياة المواطنين، إضافة الى وقف العجز فيها، والذي يكلف الخزينة نحو أكثر من مليار دولار سنوياً، وان جزءاً من الديون مترتب من الكهرباء، كما لن ينفك عن البحث لحل أزمة العجز في بعض فروع الضمان الاجتماعي لاسيما الصحي منه، الذي تتم الاستدانة له من صندوق تعويضات نهاية الخدمة، مما يؤئر على تعويضات المضمونين.
ومع هذه الأولويات، تبرز زيارة الحريري الى سوريا، والتي أكد هو انه سيقوم بها، كما فعل الرئيس فؤاد السنيورة الذي بدأ أولى جولاته الخارجية من دمشق التي زارها في 31 تموز 2005، وبعد نيل حكومته الثقة مباشرة، وهذا ما ينتظر ان يفعله خلفه، إذ قطعت الاتصالات شوطاً متقدماً، لتكون الزيارة ناجحة، أولا بإعادة الثقة بين الحريري والقيادة السورية، والتي اهتزت على خلفية الاتهام السياسي لها، بأنها تقف وراء اغتيال الرئيس الحريري، وبينت التحقيقات عدم وجود أدلة حول ذلك، مما فتح الباب لعودة العلاقات بعد اربع سنوات وأكثر من القطيعة، والتي توقعت لا بل تنبأت النائب بهية الحريري أنها ستعود يوماً، فأعلنت بعد أربعين يوماً من استشهاد شقيقها، الى “اللقاء سوريا” الذي أراده الحريري الابن، ان يكون اخوياً، فرفض ان يتضمن البيان الوزاري عبارة الندية في العلاقات اللبنانية-السورية بل الأخوية، كما حذفت من البيان عبارة استعادة الجثامين من سوريا للبنانيين قيل أنهم فقدوا فيها، أو خطفوا على يد جنودها في لبنان، أثناء وجودهم فيه، وهو أمر غير مؤكد وقد شكلت لجنة لبنانية-سورية، من كافة الأجهزة والإدارات لمتابعة هذا الملف الدقيق والحساس.
فحكومة الحريري الابن، أمام امتحان تطبيق بيانها الوزاري، كما هي أمام اختبار تعزيز الوحدة الوطنية، بحيث تخرج كل المواقف المناهضة للمقاومة من التداول بعد ان نالت الحكومة الثقة، لان لا تبرير لها، سوى تمزيق الحكومة وإظهارها بمظهر المنقسم، وان شعارها الوفاقي فارغ من الداخل، وقد يؤدي الى انفجار مجلس الوزراء من الداخل، وتستعاد تجربة الحكومتين السابقتين للسنيورة اللتين لم تتمكنا من ان تحكما فعلياً بسبب التناقض السياسي بين اعضائها، وقد فرضت وجودهما ظروف إقليمية ودولية، وهو ما ينطبق على الحكومة الحالية، التي عليها ان تحصّن نفسها من الداخل أولا، وهي مهمة رئيسها الذي عليه ان يلجم حلفاءه المسيحيين، وان لا يذهبوا في تصعيدهم السياسي ضد المقاومة، ربما لا يخدم الوفاق والوحدة والاستقرار.
Leave a Reply