حالة من المراوحة الحادة يعيشها لبنان في الآونة الأخيرة منذ تزايد الحديث عن مواعيد مؤجلة لإصدار القرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، ودخول ملف التحقيق الدولي ساحة التجاذبات على وقع أنباء عن تسوية باتت بنودها أسيرة التصريحات السياسية لكل طرف؛ وهو واقع عكسته الى حد بعيد التسريبات التي تتناقلها الصحف اللبنانية عن “مصادر” مقربة من رئيس الحكومة سعد الحريري عن عدم قدرته على تقديم “تنازلات” في حين تتقاطع مواقف مصادر المعارضة على التمسك بمواقف من شأنها افراغ القرار الظني حال صدوره من جميع المفاعيل السلبية.
الحريري خرق أخيرا اجواء السلبية التي طغت على مواقف مقربين منه ومن فريق الرابع عشر من آذار، فكشف، في حديث لصحيفة الحياة، ان التفاهم السعودي-السوري “أنجز منذ فترة طويلة، وقبل انتقال الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الى نيويورك للعلاج”، مع تكراره المطالبة بـ”تنفيذ ما التزم به الفريق الآخر”.
ولئن كانت المساعي السورية-السعودية المستمرة قد انتقلت من مرحلة الاتفاق على التهدئة الى الخوض في تفاصيل التركيبة الجدية للحكم وتوزيع موازين القوى، فإن مؤشرات عديدة اقليمية ودولية (واكبتها التغطية الاسرائيلية أيضا للأحداث على الساحة اللبنانية) عكست ما يشبه الحرج المحلي في التراجع عن سقف المواقف التي أطلقها كل فريق خلال الآونة الأخيرة.
أضف الى ذلك، بات الحديث عن الضمانات والتنازلات اللازمة لسير الأفرقاء اللبنانيين بالتسوية علنيا، بعد أن كشف مسؤول العلاقات الدولية في “حزب الله” النائب السابق عمار الموسوي أن “الفريق الاخر طرح مقايضة تقضي بإحالة ملف شهود الزور الى المجلس العدلي اذا تم التغاضي عن 11 مليار وقطع الحساب”؛ الأمر الذي لم يلقَ موافقة قيادات المعارضة.
بدوره، سارع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى رسم ملامح المرحلة المقبلة بقوله، خلال لقائه مجلس إدارة جمعية “تجار بيروت”، إنه “لن يقرأ الفاتحة” على الحكومة الحالية اذا ما رحلت، مع تمسكه بالحريري رئيسا لأي حكومة جديدة، مشيرا الى أن ملف الشهود الزور “قد يُطوى ضمن المتفق عليه إذا نجحت التسوية السورية- السعودية”.
اما على مسار المحكمة، استمر القيمون عليها في خوض “معركة العدالة” حتى وإن على حساب المصداقية والمهنية. وفي هذا الإطار، ردّ المدعي العام الدولي دانيال بلمار على مسألة “عودة المدير العام السابق للأمن العام اللواء الركن جميل السيد عن طلب تحديد جلسة لسماع مرافعات الفريقين في مسألة طلب السيد الحصول على مستندات في ملف التحقيق لتقديم شكوى جزائية في موضوع شهود الزور”.
وذكر بلمار في جوابه الى قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، عبر موقع المحكمة على شبكة الانترنت، أن قرار فرانسين الصادر في 16 تشرين الثاني الماضي نص على جدول زمني محدد لتقديم الطلبات، لافتا الى أن القضايا الواقعية والقانونية المزعومة من مقدم الطلب (أي اللواء السيد) تناولها فعلا المدعي العام ومقدم الطلب، طبقا للجدول الزمني الواسع النطاق المحدد في 16 تشرين الثاني 2010. وبالتالي، فأن الادعاء العام يدلي بأنه ينبغي رفض طلب (السيد) تقديم جواب.
وكان اللواء السيد طلب من القاضي فرانسين الرد على الجواب الاخير لبلمار وعقد جلسة للمرافعات ثم عاد عن طلب عقد الجلسة.
مشروع قانون حرب
ورسالة سياسية الى كرامي
بعيدا عن ملف المحكمة والتسوية، برزت الخطوة المثيرة للجدل لوزير العمل بطرس حرب باقتراحه مشروع قانون يمنع بيع وشراء الأراضي بين المسيحيين والمسلمين.
الإقتراح، الذي جاء في لحظة انقسام سياسي حاد، لاقى ردود فعل عنيفة ما بين مؤيد ومعارض، وفتح الباب مجددا امام سجال بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر بشخصي زعيميهما، فاعتبر النائب العماد ميشال عون أن قانون وزير العمل “مخالف للدستور وحق الملكية والتصرف بها” مشددا على أن هذا القانون “ليس شرعيًّا ولا دخل له بالثوابت الوطنية”.
عون بعد الاجتماع الاسبوعي لـ”تكتل التغيير والاصلاح”، علق على كلام رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمر جعجع، بالقول: “يجب أن يكون الانسان فاقد للذاكرة ويجهل التاريخ والجغرافيا ليتكلم بهذه الطريقة، مشكلتي مع سوريا كانت وجودها في لبنان واليوم رحلت ومن يريد أن يعادي جاره يكون من كوكب آخر”.
وحول كلام جعجع عن أنه يخاف على المسيحيين من المسيحيين وبأن عون خطر عليهم، تساءل: “ألأنني أقوم بسياسة الحوار والانفتاح وفتح الحدود أمامهم أصبح خطراً عليهم”، مشيراً إلى أن “الخيارات الخاطئة في السياسة التي تتناقض مع المحيط هي التي تشكل خطرا على المسيحيين”، معتبراً أن “ما حصل في 5 شباط 2006، كان مقدمة لشيء مشابه في الاسكندرية والعراق”، في إشارة الى المسيرة التي نظمتها تيار المستقبل بمشاركة سلفيين احتجاجا على الرسوم المسيئة للرسول (ًص) ثم ما لبثت ان تحولت الى أعمال عنف في شوارع الأشرفية.
أمنيا، انشغل الشارع الطرابلسي تحديدا بخبر القاء قنبلة في ساعات الصباح الأولى من العام الجديد على منزل رئيس المجلس التنفيذي في حزب “التحرر العربي” فيصل عمر كرامي، في حادثة تم تحويلها الى القضاء العسكري “كونها تمس بأمن الدولة” بحسب كرامي نفسه.
وبدا واضحا أن الهدف من الحادثة توجيه رسالة سياسية في منطقة طرابلس تحديدا، في سياق لعبة التجاذبات المحلية.
مؤشرات لكارثة كهربائية صيفا
في خضّم الأزمات السياسية اللبنانية، يبقى الإقتصاد ومعه هموم المواطنين المعيشية ضحية التقصير الحكومي. في هذا الإطار، أطلق وزير الطاقة والمياه جبران باسيل
تحذيرا من وقوع “كارثة كهربائية كبيرة، وسنشهد فصولها كل يوم الى حين الوصول الى فترة الذروة في الصيف المقبل وتنفجر من جديد”.
وأشار باسيل، في مؤتمر صحفي في الوزارة، الى أن “هناك مجموعة ملفات أدت الى زيادة المداخيل ومعالجة الكثير من حالات السرقة والهدر، منها ملف السياسيين والفعاليات”.
في هذه الأثناء، استمر ملف النفط والغاز المكتشف قبالة السواحل اللبنانية-الفلسطينية محل اخذ ورد ما بين الدبلوماسية اللبنانية العاجزة عن تأمين حقوق لبنان في المحافل الدولية والضغوط الاسرائيلية الجارية على قدم وساق لاستثمار هذا القطاع الحيوي، علما ان الدراسات تقدّر ان حقل الغاز المكتشف في هذه النقطة من العالم يُعدّ الأكبر من نوعه خلال السنوات العشر الأخيرة عالميا.
وزير الخارجية والمغتربين علي الشامي وجّه رسالة الى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بخصوص الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان، على اثر المعلومات الواردة عن قيام اسرائيل بالتعاقد مع عدد من الشركات الخاصة للتنقيب عن النفط والغاز في البحر الابيض المتوسط، والتي يقع بعض ابارها المكتشفة ضمن الاحواض البحرية المشتركة ما بين لبنان وشمال فلسطين.
وشدد الشامي في رسالته على “حق لبنان باستغلال كامل الثروة النفطية التي تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة له استنادا الى حقوقه المشروعة التي تقرها القواعد والاعراف الدولية”، معتبرا أن “اي استغلال من قبل اسرائيل لهذه الثروة يعد انتهاكا صارخا لهذه القوانين والاعراف واعتداء على السيادة اللبنانية”.
وفي حين لا يُتوقع أن تلقى جهود الدبلوماسية اللبنانية آذانا صاغية في أروقة الأمم المتحدة ازاء هذا الملف، يبقى المشهد اللبناني مفتوحا على كافة الإحتمالات، على أمل صدور الدخان الأبيض من قصر بعبدا، حيث من المُتوقع الإعلان عن “اي تفاهم سوري– سعودي مهما كان مضمونه” بحسب وزير الدولة الدكتور عدنان السيد حسين.
Leave a Reply