الشارع اللبناني يشتعل: احتجاجات وقطع طرقات والدولار يحلّق عالياً
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بعد تسعة أشهر من التكليف والزيارات المتكررة للقصر الجمهوري واقتراح عدد من التشكيلات الحكومية المرفوضة وبعد سلة من المبادرات المحلية والدولية… رمى سعد الحريري كلمته ومشى… «الله يعين البلد»!
هكذا وبكل بساطة اعتذر رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري.
الأمر كان متوقعاً، لكن بعض التفاؤل لاح في الأجواء يوم الأربعاء الماضي، إثر لقاء الحريري بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكنه سرعان ما تلاشى.
سياق الأمور كان واضحاً منذ البداية: أولياء الأمر في الرياض لن يسمحوا للحريري بترؤس حكومة لا تؤاتيهم. والكل بات يعلم أن ما تريده السعودية ليس إقصاء «حزب الله» عن السلطة، أما باقي ما تبقى، مثل الحديث عن إصلاحات وغير ذلك، فليس سوى ذرّ للرماد في العيون.
ليل الخميس وبعد ساعات من اعتذاره أطل الحريري على إحدى الشاشات اللبنانية، بدا متجهماً وحاول أن يبدو مقنعاً لكنه كعادته لم ينجح… أطلق مواقف حادة تجاه «حزب الله» وصلت إلى حد تحميله مسؤلية الانهيار الاقتصادي الحاصل.
وفي محاولة منه لإرضاء أولياء الأمر في السعودية، حرص الحريري على تأكيد عدم وجود أي تواصل بينه وبين «حزب الله» تاركاً للناس الحكم إذا كان الحزب قد سهل أو ساعد في تأليف الحكومة.
ورغم اعتذاره، شدد على أنه سيستمر في بذل كل الجهود الممكنة لمساعدة البلد على النهوض من أزمته، مشيراً إلى أنه رفض تأليف «حكومة ميشال عون» لكنه سيرد في صندوق الانتخابات.
كما نفى الحريري عزمة المشاركة في الاستشارات النيابية التي سيدعو إليها عون لتكليف شخصية سنية جديدة بتأليف الحكومة، لافتاً إلى عميق شكره لرئيس مجلس النواب نبيه بري على وقوفه معه طيلة هذه المرحلة.
وفي ما يتعلق بعلاقته مع عون، قال الحريري خلال المقابلة نفسها إنه ذهب إلى بعبدا بكل انفتاح وقدم له تشكيلته لدراستها، نافياً فرض أي شرط عليه، بل قال له إنه مستعد للانتظار 24 ساعة للرد على تشكيلته الوزارية!
من جانبها، أكدت رئاسة الجمهورية أن الرئيس المكلف لم يكن مستعداً للبحث في أي تعديل، مشيرة إلى أن المهلة التي منحها لا لزوم لها أصلاً إذا كان باب البحث مقفلاً، وعند هذا الحد انتهى اللقاء وغادر الحريري معلناً اعتذاره.
وأشار مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية إلى أنه بعد اعتذار الرئيس المكلف سيحدد رئيس الجمهورية موعداً للاستشارات النيابية الملزمة «في أسرع وقت ممكن». وقد طُرح اسم كل من جواد عدرا ورئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، كمرشحين محتملين لترؤس حكومة جديدة للإشراف على الانتخابات النيابية في العام القادم.
ولكن هل ستمنح «دار الفتوى» الغطاء لأحد هذه الأسماء، ولا سيما بعد إعلان الحريري عدم مشاركته في الاستشارات.
التشكيلة الحكومية المفترضة
وكان الحريري قد تقدم للرئيس عون بتشكيلة من 24 وزيراً جاء على الشكل التالي:
من الطائفة السنية: رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وليد عبود للداخلية، فراس الأبيض للصحة، لبنى مسقاوي للعدل وناصر ياسين للبيئة.
من الطائفة الشيعية: يوسف خليل لوزارة المال، إبراهيم شحرور لوزارة الأشغال العامة والنقل، مايا كنعان للعمل، عبدالله ناصر الدين للتنمية الإدارية وجهاد مرتضى للثقافة.
وكانت حصة الدروز وزيرين، هما فؤاد حسن لوزارة المهجرين، وعباس حلبي للتربية والتعليم.
أما المسيحيون فقد حصلوا على 12 حقيبة 5 منها للموارنة: فاديا كيوان في الخارجية، فراس أبي ناصيف في الاتصالات، لارا حنا في الزراعة، سليم هاني في الشؤون الاجتماعية. أما طائفة الروم فقد سمى منها الحريري جو صدي نائباً لرئيس الحكومة، وللدفاع أنطوان شديد وسعادة الشامي في الاقتصاد. وللكاثوليك حقيبة وزارة الطاقة لكارول عياط وفادي سماحة للصناعة، وأخيراً مقعد واحد للأرمن وهو وزارة الشباب والرياضة باسم كارابيت سليخانيان وجو ميلا لوزارة الإعلام عن الأقليات.
فورة غضب
بعد اعتذار الحريري بوقت قصير نزل مناصروه إلى الشارع وقطعوا الطرقات في مختلف المناطق اللبنانية، من طرابلس حتى بيروت، ووصل الأمر في بعض الأحياء مثل طريق الجديدة والمدينة الرياضية إلى إطلاق الجيش الرصاص المطاطي على بعض مثيري الشغب الذين رشقوا عناصر الجيش بالحجارة واعتدوا عليهم.
أما على الطريق الساحلي الذي يربط الجنوب ببيروت فقد عمد المحتجون إلى إقفال الطريق بالسواتر الترابية في أكثر من نقطة ليعود الجيش ويفتحها لاحقاً.
وفي مدينة صور أظهرت مشاهد تداولها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي إقدام شبان غاضبين على تكسير بعض المحال والمطاعم وطرد الزبائن منها وكذلك فعل آخرون في محلة الطريق الجديدة.
وتزامنت الأحداث الأمنية، مع استمرار انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي كما بات معتاداً مع كل خضة سياسية تشهدها الساحة اللبنانية، لكن هذه المرة وعلى خلفية اعتذار الحريري، تجاوز الدولار الأميركي عتبة العشرين ألفاً ولامس 22 ألفاً، ما أثار حالة من الهلع لدى المواطنين الذين تهافتوا إلى محال البقالة والسوبر ماركت للحصول على حاجاتهم اليومية قبل أن تتغير أسعارها وتتوافق مع سعر الدولار الجديد، وخلال ساعات قليلة كانت رفوف هذه المحال قد فرغت من موجوداتها باستثناء البعض منها الذي أقفل أبوابه لتبديل الأسعار.
ردود فعل دولية
رغم أن اعتذار الحريري لم يكن مفاجئاً إلا أنه استدرج ردود أفعال دولية عديدة.
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أسف لاعتذار الحريري واعتبره فصلاً مأسوياً إضافياً في عجز اللبنانيين عن إيجاد حل للأزمة، لكن في الوقت عينه لفت إلى أن الفرصة ما تزال متاحة للنهوض مجدداً.
المتحدثة باسم الأمم المتحدة كررت دعوتها للقادة السياسيين اللبنانيين إلى التفاهم سريعاً على تأليف حكومة جديدة تستطيع مواجهة التحديات الكثيرة.
أما المتحدث باسم الصندوق الدولي، جيري رايس، فقد أسف أيضاً لاعتذار الحريري وقال إن الصندوق يتطلع إلى إنشاء حكومة تستطيع تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
بدوره، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، عبّر عن خيبة أمله الكبيرة، مناشداً المجتمع الدولي الاستمرار في مساعدة الشعب اللبناني، معتبراً أن الإنصاف يقتضي تحميل جميع السياسيين اللبنانيين مسؤولية إيصال البلاد إلى هذا الوضع المتدهور.
الفيتو السعودي
الفيتو السعودي على ترؤس الحريري للحكومة أفضى إلى دفع الرئيس المكلف إلى الاعتذار بعد أن فشلت كل الوساطات في تغيير رأي الرياض، سواء من الفرنسيين أو الأميركيين أو المصريين أو الإماراتيين…
والكل يحذر من الفوضى التي سيغرق فيها الشارع اللبناني، فالأزمة المعيشية وصلت إلى حد يفوق قدرة تحمل الأغلبية الساحقة من اللبنانيين الذين بات 80 بالمئة منهم تحت خط الفقر، وهو أمر لا بد أن ينعكس انفجاراً اجتماعياً مفاعيله ستمتد قطعاً إلى الوضع الأمني.
فلبنان لطالما كان بيئة خصبة لاضطرابات مماثلة بسبب عوامل عديدة، لعل أبرزها التنوع الطائفي الذي تحول إلى نقمة بحيث تلجأ كل طائفة إلى مرجعية خارجية تحوطها بالرعاية وحتى التمويل.
وأمام المشهد المتأزم لا يخفى على أحد أن لبنان ذاهب إلى توترات كبيرة وفوضى عارمة ومرحلة قاتمة سوداوية ملؤها الإرباك، بانتظار جلاء الصورة في الانتخابات النيابية المقبلة بعد نحو تسعة أشهر والتي ستحدد من جديد موازين القوى وصولاً إلى الأغلبية النيابية التي ستأتي برئيس الجمهورية الجديد. وخلال هذه المرحلة قد يسعى المجتمع الدولي وبعض العرب إلى منح لبنان بعض المسكنات، مع إبقائه في غرفة العناية الفائقة إلى حين بلوغ موعد الانتخابات التي يعول البعض على نتائجها في رهان على انقلاب الصورة لمصلحته.
المواجهة مع «حزب الله» في لبنان ستأخذ في المقبل من الأيام منحى تصاعدياً بغية خنق اللبنانيين ووضعهم في دائرة لا فكاك منها، وهنا تحضر في الأذهان الرسائل التي وجهها الحزب عبر بعض المقربين منه، والتي مفادها أننا لن نسمح لكم بتجويع شعبنا وخنقه وسنفعل كل ما في وسعنا لمنعكم من ذلك وإن واصلتم حصاركم وتضييقكم على شعبنا فنحن سنذهب باتجاه خيار الحرب أي فتح الجبهة الشمالية مع إسرائيل! فهل يكون هذا التلويح التهديد عامل ردع كافياً لمن يسوقون لبنان وشعبه إلى التجويع بهدف إخضاعه وتبديل خياراته الاستراتيجية والتي تقع في صلبها القضية الفلسطينية؟
ربما هي رسالة من الحزب لتلك الجهات الخارجية لإعادة النظر في مخططها الجهنمي للبنان، لا حباً بهذا البلد الصغير، بل خوفاً على مدللة واشنطن وبعض العرب، إسرائيل، لتجنيبها حرباً هي ليست جاهزة لها حتى هذه اللحظة وقد تكون «بداية زوالها» كما يتوعدها «حزب الله» في كل مناسبة.
الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله سيطل يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد) في كلمة متلفزة كانت محددة التوقيت قبل اعتذار الحريري ولكن بعد ما حصل لا بد وأن يأخذ موضوع الاعتذار عن عدم التكليف حيزاً كبيراً من الكلمة مع تناول تفاصيل داخلية معيشية ملحة وحلولها على رأسها أزمتا الدواء والمحروقات والتعاون مع روسيا والصين، وذلك قبل 15 شهراً على انتهاء العهد الرئاسي.
Leave a Reply