لم تعد مواعيد الأعياد تناسب تشكيل الحكومة في لبنان، إذ إنقضى عيد الفطر في حزيران (يونيو) الماضي، ثم عيد الجيش في أول آب (أغسطس)، وعيد السيدة في 15 منه، ثم عيد الأضحى في 21، ولم تصدر مراسيم الحكومة التي يسعى رئيسها المكلّف سعد الحريري إلى حلّ عقدها دون توفيق، مرجعاً الأسباب إلى «داخلية فقط»، وسط تنازع الكتل النيابية على تعزيز أحجامها وفق نتائج الانتخابات النيابية، و«فيتوات» يضعها كل طرف سياسي وحزبي على الآخر.
العقد على حالها
خلال ثلاثة أشهر لم ينجح الرئيس الحريري في حل عقدتين ظاهرتين هما، العقدة المسيحية بين «التيار الوطني الحر»، و«القوات اللبنانية»، والعقدة الدرزية المتمثلة برفض «الحزب التقدمي الاشتراكي» التنازل عن أيٍ من المقاعد الدرزية الثلاث في الحكومة، بتضامن من الحريري، مقابل إصرار من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون برفض احتكار التمثيل الطائفي من قبل أي حزب أو تيار سياسي، مطالباً بتوزير النائب طلال إرسلان الذي يؤيّد العهد ويتحالف سياسياً مع «التيار الوطني الحر» بعد خوض الانتخابات النيابية معه في الجبل (عاليه–الشوف وبعبدا)، وفي دائرة مرجعيون–حاصبيا، في وقت يشن النائب السابق وليد جنبلاط هجوماً على رئيس الجمهورية ويصف عهده بالفاشل، منذراً باندلاع حرب داخلية خلاله.
تفاهم معراب
مع الموقف الجنبلاطي المتشدّد برفض المشاركة في المقاعد الدرزية، فإن «تفاهم معراب» بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» سقط وبات من الماضي، وقد نعاه طرفاه، مع تبادل الاتهامات حول مَن يتحمّل المسؤولية في ذلك، وادعاء كل منهما الحرص عليه. إذ لا يريد أي من الطرفين أن يظهر بأنه كان وراء إنهائه بعد أن شكّل فسحة تفاؤل لدى المسيحيين على طيّ صفحة الحرب بينهما. إلا أن «حرب الإلغاء» قد تنفجر في أية لحظة ليس بالسلاح، إنما سياسياً، بإظهار الحجم التمثيلي للمسيحيين، وهو ما ظهر في الانتخابات التي سعى كل من «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» إلى تكبير حجم كتلته النيابية، وقد نجحت «القوات» بزيادة كتلتها من 8 نواب إلى 15 نائباً، أما «التيار الوطني الحر» فوصل بعدد النواب المحازبين إلى 19 والحلفاء إلى عشرة، لتصبح كتلته من 29 نائباً.
وتطالب «القوات» بخمسة مقاعد وزارية أو أربعة مع حقيبة سيادية، مع إصرارها على الحقيبة السيادية بعد أن تنازلت عنها في الحكومة الحالية مقابل منصب نائب رئيس الحكومة الذي لا صلاحيات له. أما رئيس الجمهورية فيصرّ على أن يكون نائب رئيس الحكومة إلى جانب حقيبة سيادية، وهو ما تعتبره «القوات اللبنانية» تراجعاً عن «تفاهم معراب» وخيانة له، بعد أن ساهم في وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية. ويقول القواتيون إنهم كانوا يأملون بتحويل تفاهمهما مع التيار إلى تحالف يشبه تحالف «الثنائي الشيعي» القائم بين «حزب الله» وحركة «أمل» اللذين تقاسما المقاعد النيابية والوزارية، وهو ما دعا إليه رئيس «القوات» سمير جعجع كي يكون نموذجاً مسيحياً، إلا أن «التيار الوطني الحر» رفض ذلك لأنه سيكون لمصلحة «القوات» التي استفادت من التفاهم لتجميل صورتها مسيحياً.
عقدة لا يعترف بها الحريري
إلى جانب العقدتين المسيحية والدرزية، فإن عقدة تغيب عن التداول في بعض الأحيان، وهي التمثيل السنّي في الحكومة من خارج «تيار المستقبل»، حيث يتجاهلها الحريري ولا يعترف بوجودها، كونه يمثل 17 نائباً سنّيّاً في «كتلة المستقبل» وأن العشرة خارج كتلته مفككون وكل منهم منضم إلى كتلة كالرئيس نجيب ميقاتي الذي أسس «كتلة العزم» الذي تضمه مع النواب جان عبيد ونقولا نحاس و(مسيحيان) وعلي درويش (علوي)، إضافة إلى وجود النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد مع نواب «تيار المردة» والنائبين فريد هيكل الخازن ومصطفى الحسيني في «التكتل الوطني»، والنائب قاسم هاشم في «كتلة التحرير والتنمية»، والنائب وليد سكرية في «كتلة الوفاء والمقاومة»، والنائب بلال عبدالله في «اللقاء الديمقراطي» والنائب فؤاد مخزومي مستقل، والنائب أسامة سعد لم ينضم إلى النواب السّنّة الذين اجتمعوا وشكّلوا تكتلاً من ستة نواب، لم يأخذ به الحريري، لأنه برأيه موزع على كتل أخرى. كما يطالب النائب عبدالرحيم مراد أن لا يكون التمثيل السّنّي حكراً على الحريري الذي يسعى إلى مقايضة مقعد سنّي من حصته مع رئيس الجمهورية ليحصل على وزير ماروني، كما هو الحال في الحكومة الحالية، وهي صيغة لا يقبل بها النواب السنّة المعارضون للحريري.
العامل السوري
ومع وجود العقد الداخلية، برز العامل السوري في تشكيل الحكومة، والذي أججه الرئيس المكلّف –بتوقيت ليس من مصلحته– قبل أن يحلّ الإشكالات الداخلية، مفتعلاً أزمة حول التطبيع مع النظام السوري، ليزيد من تعقيد ولادة الحكومة، ورغم أن رئيس الجمهورية نصحه بأن يؤجل إثارة موضوع العلاقة مع سوريا إلى ما بعد تشكيل الحكومة. كما جاءه الجواب أيضاً من الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي دعاه إلى أن يتمهل في إطلاق المواقف حول العلاقة مع سوريا، لأن التطورات الميدانية ليست لصالح المحور الذي يعمل معه الحريري، وتقوده السعودية في المنطقة، لاسيما بعد أن تعرضت للنكسات والهزائم من اليمن إلى العراق فسوريا وقبل ذلك في لبنان، حيث أن السعودية وحلفاءها تكبّدوا خسارة واضحة في سوريا التي تستعد لإنهاء الحرب خلال أسابيع أو أشهر، بعد تحرير إدلب من الإرهابيين، وعندها ستتغيّر الجغرافيا السياسية، ولا يمكن للبنان الذي تمّ تحييده عن الصراع في سوريا وحُفظ استقراره، لا يمكن له مع اقتراب نهاية الحرب، رفع شروط من قبل الحريري وحلفاء السعودية الآخرين كـ«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الإشتراكي» برفض العودة إلى مرحلة ما قبل العام 2005، إذ كان السيد نصرالله صريحاً، بالإشارة إلى أن في مرحلة سابقة بلغ التصعيد السياسي والإعلامي من قبل قوى «14 آذار»، سقفاً عالياً، ثمّ جرى تخفيض الشروط والمواقف، ليذهب الحريري إلى سوريا واللقاء مع رئيسها بشار الأسد، وتبعه وليد جنبلاط، بعد أن حصل اللقاء بين العاهل السعودي الملك عبدالله والرئيس الأسد عام 2009، وهو ما قد يحصل فيما بعد، مع بقاء الرئيس السوري في منصبه، وبدء الإعداد لإعمار سوريا.
لا مبالاة سورية
شروط الحريري بعدم التطبيع مع سوريا وإعادة العلاقات معها، ليس إلا من قبيل الموقف الشعبوي، واسترضاءً للسعودية، فهو موقف لا يعوّل عليه، لأنه غير قابل للاستثمار السياسي في لبنان، وفق ما يؤكّده معارضو الرئيس المكلّف الذي يشهد بنفسه على زيارات وزراء حكومته الحالية إلى دمشق حيث يلتقون نظراءَهم السوريين، بموافقته، وكذلك بالنسبة للمهمات التي يقوم بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي ينسّق أمنياً مع النظام السوري، في ملفات أمنية عدة من ضمنها تحرير المخطوفين وعودة النازحين.
أضف إلى ذلك، تعيين الحكومة برئاسة الحريري نفسه سفيراً للبنان في سوريا هو سعد زخيا، واستمرار عمل المجلس الأعلى اللبناني–السوري برئاسة نصري خوري، والنشاط الذي يقوم به السفير السوري في لبنان علي عبدالكريم علي وحضوره في المناسبات الرسمية.. كل ذلك كان يفترض من الحريري أن لا يستعجل إطلاق موقفه السلبي من سوريا، في ظل تعقيدات تشكيل الحكومة وحاجة لبنان الاقتصادية إلى سوريا لاسيما عبور الصادرات اللبنانية إلى الدول العربية بعد فتح معبر نصيب البري عند الحدود السورية–الأردنية.
ورغم تصريحات الحريري المعادية لسوريا برئيسها وقيادتها، فإن دمشق تبدو غير مبالية بما يصدر عنه أو عن غيره من الخصوم اللبنانيين، لأن المسؤولين فيها يؤكّدون أن سوريا خرجت من لبنان، ولها فيه حلفاء تثق بهم، ولا حاجة للتدخل فيه.
Leave a Reply