مَن عاد إلى مَن؟
مَن عاد إلى مَن، السعودية إلى لبنان، أم سعد الحريري إلى المملكة؟
هذا السؤال طُرح مع مجيء الموفد الملكي السعودي نزار العلولا، إلى بيروت قبل أسبوعين، في زيارة دامت ليومين، وهي الأولى لمسؤول سعودي بعد أزمة استقالة رئيس الحكومة في الرياض في 4 تشرين الثاني الماضي، والتي أدّت إلى اتصالات دولية وإقليمية لفك احتجازه وعودته إلى لبنان حيث تراجع عن استقالته.
دعوة الحريري
حمل الموفد السعودي، دعوة للرئيس الحريري لزيارة المملكة ولقاء عاهلها سلمان بن عبدالعزيز، حيث كانت لافتة بتوقيتها وأسلوبها الذي جاء بعكس الاستدعاء الذي طلب فيه من الحريري الحضور على عجل إلى الرياض قبل أشهر بالتزامن مع حملة اعتقالات شنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضد أمراء من العائلة الحاكمة وكبار المسؤولين في الدولة، بينهم موظفون وضباط، وكان من أبرز المعتقلين رئيس الحرس الوطني السعودي الأمير متعب بن عبدالله والملياردير الأمير الوليد بن طلال وآخرون، إذ تمكّن ولي العهد من إجبار الأمراء والمسؤولين المعتقلين على نقل أموالهم وممتلكاتهم لحساب الدولة، والتي قُدّرت بمليارات الدولارات.
البحصة التي لم يبقّها
ومنذ استقالة الحريري وعودته إلى بيروت، لم يتوجّه رئيس الوزراء اللبناني إلى الرياض حيث تقيم عائلته، بل وعد الحريري مناصريه الذين أتوا إلى بيت الوسط لتهنئته بالعودة سالماً، أنه «سيبق البحصة»، ويكشف عن كل ما تعرض له في السعودية، وقد تسرّبت بعض تفاصيل ما جرى مع له لوسائل إعلام محلية وعالمية، لجهة استقباله من قبل الأمن، ثم انتظاره موعداً مع ولي العهد الذي استدعاه ولم يستقبله، ثمّ ظهوره التلفزيوني في مقابلة مع الإعلامية بولا يعقوبيان على شاشة «المستقبل»، ورغم تلويحه مراراً بأنه سيبق البحصة إلا أن الحريري لم يبقها قط.
سقوط المرحلة «السبهانية»
لم يجرؤ الحريري على «بق البحصة»، وأبقى على شعرة معاوية مع الرياض التي كانت قد عتبت عليه، لأنه لم يقطع علاقاته مع قطر، وهو مازال على اتصال معها رغم الخلافات الخليجية معها واتهامها بنسج المؤامرات على السعودية، بحسب ما أُبلغ به رئيس «تيار المستقبل» من قبل مسؤوليين سعوديين كبار سألوه عن تلقيه أموالاً من الدوحة وتعزيز علاقاته مع تركيا، وهما الدولتان اللتان ترعيان جماعة «الإخوان المسلمين».
وقد حاول الحريري نفي ذلك، متحدثاً عن وضعه المالي الصعب، إلا أن المملكة لم تأخذ بتبريراته وأرسلت موفداً لها إلى لبنان، هو تامر السبهان الذي بدأ يرسم لمرحلة ما بعد الحريري، الذي برأي السعودية، قدّم تنازلات لـ«حزب الله» وحلفائه مكنته من الإمساك بمفاصل الدولة، وبات القرار بيده، بوصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. وتمّ تحميل الحريري مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في لبنان الذي وصف بأنه واحد من البلدان العربية الأربعة الخاضعة لنفوذ طهران.
وعلى ضوء ذلك، قرّر السبهان أن يعيد تجميع قوى «14 آذار»، وإقامة توازن بمواجهة «حزب الله» في الداخل، والوصول إلى مرحلة عزله إلا أن ما رسمه السبهان لم يتمكّن من تنفيذه، لأن «14 آذار» انتهت عملياً كهيكل سياسي، ولم تعد شعاراتها تجذب المواطنين، لاسيما في موضوع «حزب الله» وسلاحه وقتاله في سوريا، لأن الوقائع الميدانية أكّدت صحة ما أقدم عليه «حزب الله» في قتاله الاستباقي في سوريا لمنع تمدّد الجماعات الإرهابية باتجاه لبنان، فقاتلها عند الحدود وفي الداخل السوري، محقّقاً هدف إبعاد الخطر الإرهابي عن لبنان وطرده منه في الصيف الماضي، وتحديداً من جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان، وهو ما أمّن للحزب له احتضاناً سياسياً وشعبياً على خلفية النصر الذي حقّقه بالتعاون مع الجيش اللبناني في جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع.
الوكيل وليس الحصري
ومع طي الصفحة السبهانية التي اتّصفت بالتطرف والفشل على خلفية الاستقالة المهينة للحريري من الرياض، وفشل جرّ لبنان إلى مواجهة داخلية تحت عنوان ضرب نفوذ إيران فيه، وهو الشعار الذي تبنّاه متطرفو «14 آذار» كـ«القوات اللبنانية» وفارس سعيد وأشرف ريفي وآخرين، بالتحريض على الحريري في السعودية والعمل على إقصائه من رئاسة الحكومة والحياة السياسية.
لكن ما روّج له هؤلاء كانت نتيجته الفشل الذريع، بحصول الحريري على احتضان لبناني واسع، ووقوف دول كبرى إلى جانبه، فقرّرت السعودية أن تخطو خطوة إلى الوراء لإزالة تداعيات ما حصل مع رئيس الحكومة، فذهب الأخير إلى الرياض، وجرى التعامل معه باحترام، فاستقبله الملك سلمان، ثمّ ولي عهده الأمير محمد ولو بتأخير لمدة يومين، إلا أن «الصورة–السيلفي» التي جمعت الحريري مع محمد بن سلمان وشقيقه الأمير خالد، أعطت تفسيراً على عودة العلاقة إلى طبيعتها والود إلى سابق عهده بين الحريري وولي العهد السعودي، غير أن ذلك لا يعني أن الحريري سيستعيد حصرية تمثيل الطائفة السّنّية، وأنه سيعود الوكيل السياسي الوحيد للمملكة، إذ يبدو أن آخرين سيشاركونه هذا النفوذ، ممن قرّرت السعودية أن تنفتح عليهم، ولو أن بعضهم ليس دائماً معها في السياسة.
وبناء على ذلك، بات الحريري اليوم قطباً من أقطاب سنّة، وليس الوحيد، وهو ما ظهر في الزيارات التي قام بها العلولا إلى كل من الرؤساء فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي، وإن كانت زيارته إلى رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع قد بدت مميزة، فذلك لأن السعودية باتت تنظر إلى جعجع كأحد ركائزها في لبنان ورأس حربة تستعين به لمواجهة «حزب الله».
بماذا عاد الحريري؟
لقد عاد الحريري من الرياض مرتاحاً، وأول ما فعله زيارته للرئيس السنيورة الذي عزف عن الترشح للانتخابات النيابية، بعد أن تمنى عليه الحريري الاستمرار، لكن ما أقدم عليه رئيس الحكومة الأسبق، هو توجيه رسالة بأنه ليس راضياً عن الأداء السياسي للحريري الذي مازال يقدم التحالف مع رئيس الجمهورية وتياره السياسي، على أي تحالف آخر، وهذا ما يرفضه السنيورة ومجموعة كبيرة داخل «تيار المستقبل» وهم من صقوره، وأنشأوا ما سُمي «تجمع العشرين» أو «مجموعة العشرين» التي تعارض سياسة ونهج الحريري، ومن هؤلاء رضوان السيد الذي أسّس مع فارس سعيد ما يسمى «المبادرة الوطنية» التي تقف ضد «حزب الله» كذراع إيرانية في لبنان، إلا أن الحريري يقدم استقرار لبنان على مساعي هزّ الأمن فيه، وهو أبلغ المسؤولين السعوديين، أن ما يمكن فعله مع «حزب الله» في الوقت الحاضر ووفق الظروف الموضوعية، هو الحفاظ على «ربط النزاع» معه، وهذا ما وافقت عليه المملكة وقرّرت أن تخفف من خسائرها في لبنان، مع الانتخابات النيابية التي سيتقرر فيها مَن يحصل على الأكثرية في المجلس النيابي المقبل، حيث عاد الحريري من الرياض بتوصية أن يعزز علاقاته مع «القوات اللبنانية» ولا يبتعد عن جنبلاط، ويستميل «التيار الوطني الحرّ».
الانتخابات وأقل الخسائر
لذلك فإن أمام الحريري مسألة الانتخابات النيابية، وكيف سيخوضها ليحصد أكبر عدد من المقاعد، إذ أمامه مواجهة منافسين داخل الساحة السّنّية، لاسيما في الشمال، وأن الخرق للوائحه سيكون في المقاعد السنية في الشمال وبيروت وصيدا والبقاع الغربي، كما سيخسر مقاعد مسيحية، إضافة إلى أنه يدخل إلى الانتخابات من دون مال، وأكّد على أنه مفلس، إلا إذا كانت زيارة السعودية، قد أعادت فتح أبواب الدعم المالي، والذي سيظهر بعد وقت ليس ببعيد، ولكن المملكة تريد أن تكون النتائج لصالحها، وتعزّز وجودها السياسي والشعبي في لبنان، أو أقله الحد من الخسائر فيه، وإقامة توازن يسمح لها، بأن تبقي لها حليفاً في رئاسة الحكومة، بعد أن خسرت رئاسة الجمهورية، فهل تتحمّل خسارة الانتخابات النيابية؟
976 مرشّحاً للانتخابات النيابية
أقفل باب الترشيحات الرسمية في وزارة الداخلية عند الرقم 976 مرشّحاً للانتخابات النيابية المقررة في السادس من أيار المقبل، وهو رقم قياسي للمرشحين منذ الاستقلال، أذ إن آخر رقم قياسي كان في انتخابات عام 2009 وبلغ 702. وقبله، بلغ الرقم 484 مرشحاً في انتخابات عام 2005، و545 مرشحاً عام 2000، و599 مرشحاً عام 1996، و408 مرشحين عام 1992.
وسيتنافس المرشحون على 128 مقعداً في 15 دائرة انتخابية، عملاً بالقانون الانتخابي الجديد الذي يعتمِد النسبية للمرة الأولى. وهو عدد يُعّد لافتاً قياساً بالاستحقاقات السابقة، لاسيما مشاركة العنصر النسائي (أكثر من ١٠٠ مرشحة). وتستمر المفاوضات المكثّفة لإنجاز اللوائح التي يفرض القانون حسمها قبل يوم 26 آذار (مارس) الجاري.
Leave a Reply