ختم سماحة المرجع الشيخ عبد اللطيف برِّي، إعلاناً مطولاً نشره الأسبوع الماضي «أنَّ حزن المؤمن وبكاءه على أحبابه وكذلك عاطفته ينبغي أن تبدأ بأهل البيت وفاءً لله تعالى ولرسوله ولهم».
والذي قرأ الإعلان، يدرك أنَّ سماحة العلَّامة برِّي يشجِّع أتباعه على البكاء والحزن على الإمام الحسين وعلى أهل بيت الرسول في هذه الأيام، حيث نعيش أيام عاشوراء، وأنا بكل احترام أتجرّأ وأكتب هذه الكلمات لسماحته ولكل الشيوخ والسادة في المراكز الدينيّة العديدة في ديربورن وأقول، إنّ هذا الخطاب وسرد المقولات التاريخية التي تشجِّع وتدعو وتختزل ثورة الحسين (ع) وإباء وإيمان آل بيت رسول الله (ص)، إلى طقوس وبكاء وحزن، قد تنفع هناك في البلاد التي هجرناها أو تركناها.
وأسأل: ماذا نفع البكاء والحزن طوال القرون السابقة؟ أين المستشفيات والجامعات والأبحاث باسم الحسين؟ أين الخدمات الاجتماعية التي تسد عوز الفقراء والتعساء؟ أين الحرية التي استشهد من أجلها الحسين؟
صار لي في هذا البلد 17 سنة. زادت المراكز الدينيّة وقلَّ التدين. في عاشوراء، وفي كل المناسبات الدينيّة، نعظّم أهل بيت الرسول الأعظم، ونعظّم الحسين ونؤجج في نفوسنا ناراً من البغض والحقد لفئة باغية قتلته وسلبت الخلافة من أبيه الإمام علي عليه السلام. نحن نزرع في أبنائنا كره الآخر. مجالس عاشورائية منذ قرون عديدة ليست أكثر من نسخ والصق (Copy and Paste) فمتى سنتحرر من ثقل الكراهية والضغينة، متى سننتفض على أغلال الكره والحقد؟ كيف لنا أن نخرج من دوامة البكاء إلى نور الحياة بثقة كما أراد الحسين.
إن أكثر عظماء الإنسانية الحقيقيين، إن لم يكن جميعهم، لقوا من الظلم والإضطهاد ما يستعصي على التصور. والتاريخ كله سلسلة جرائم تعرَّض لها عظماء العقل والقلب والدين والروح. ثورة الحسين كانت ضد الذل، ضد الظلم، ضد البكاء والخنوع. اختار عليه السلام الموت عطشاً دون استجداء نقطة ماء. لا يريد الإمام الحسين أتباعاً محنطين منغمسين في ممارسة الطقوس، يفكّرون بالغيب وليس بالواقع، يحلمون ولا يعملون. كان العزاء الحسيني عشرة أيام، صار شهرين ومسيرات وأعلام ترفع على أبواب وشبابيك البيوت وحول بعض المراكز. هل كل ذلك يزيد الحسين شرفاً وعلواً؟ أم هي مباراة في البذخ والإسراف في الأطعمة والأشربة وطقوس بالية ودلالة على الجهل والتخلف؟
استغلّ اليهود الهولوكوست لجمع التبرعات لبناء وطن. قدموا مآسيهم في أفلام وبرامج تقنع الآخر بما تعرضوا له، وتعاطف الجميع معهم. اليهود في مناسباتهم الدينية يدخلون بهدوء وسكينة إلى معابدهم، يصلون ويصومون ويدعون ربَّهم دون ضجيج ومسيرات وبدون مكبِّرات صوت تزعج الآخرين. كانت غولدا مائير تسكن في «كيبوتس» إيجاره مئة دولار في الشهر وقادت دولة.
محبو الحسين، من سادة ومشايخ وزعماء – إلا من رحم ربك – يعيشون في القصور الفخمة حول العالم. انظر إلى الجامعات الإسرائيلية وأبحاثها. انظر وإلى جامعاتنا وابكِ!
الحسين يريد أتباعه أحراراً من الخرافات والخزعبلات، أحراراً في اختيار العلم الذي ينفع، أحراراً بصدق وأمانة ومسؤولية وليس البكاء والاستجداء للحصول على المساعدات الاجتماعية والفودستامب كذباً واحتيالاً.
لنقف حداداً على أنفسنا. على ضياع الكثير من أولادنا وتفكك العديد من عائلاتنا. لنلتفت إلى مصائبنا وإسرافنا ولندع أهل بيت رسول الله والإمام الحسين، عليهم السلام جميعاً، يرتاحون من بكائنا وظلمنا لهم بأن نكون عباداً لله، لله وحده.
Leave a Reply