العودة الى قانون انتخابات 1960 شكلت له صدمة
رمى قنبلة سياسية وقال كلمته ومشى من مجلس النواب
ليست المرة الاولى التي ينكفئ فيها الرئيس حسين الحسيني عن العمل النيابي، ولكنها المرة الاولى التي يقدم فيها استقالته من مجلس النواب، وعلى مسافة قريبة من الانتخابات النيابية، التي يفصل اللبنانيين عنها حوالي العشرة اشهر، ويفرض القانون ان تجرى انتخابات لملء المركز الشاغر في دائرة بعلبك-الهرمل عن المقعد الشيعي، لو اعتبرت الاستقالة مقبولة من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ذهب الى سلفه يتمنى عليه العودة عنها، لكن الحسيني مصر عليها وارسلها في كتاب خطي، وهو يعتبر ايضاً انها اصبحت قائمة بمجرد ابلاغ الهيئة العامة للمجلس بها، لكن هناك تفسيرات قانونية ودستورية عدة حول هذا الموضوع، لكن الاستقالة لن تقبل من بري، وانتخابات نيابية فرعية لن تحصل، والموقف الذي عبر عنه الحسيني هو موقف وطني، نتيجة الاداء على مستوى مؤسسات الدولة وسلطاتها، والانحراف عن تطبيق بنود اتفاق الطائف الذي يعتبر هو «ابوه» ويحتفظ بمحاضره، كمن يخبئ شيئاً ثميناً، لانه مؤتمن عليها وعلى مضمون المناقشات التي جرت، ولا يريد ان يفتح جروحات ما قبل هذا الاتفاق الذي ارسى السلم الاهلي، ووضع مبادئ بناء الدولة.
فالرئيس الحسيني الذي اعتكف عن ممارسة دوره كنائب بعد دورة انتخابات 1992، وكان ينتظر ان يبقى في رئاسة مجلس النواب، ليقوم بدور تشريعي لتنفيذ بنود اتفاق الطائف، ويسهر على حسن تطبيقه، الا انه فوجئ بانتخاب نبيه بري الذي تمكن من ان يرثه في رئاسة حركة «امل» كما في رئاسة مجلس النواب.
لم يؤثر انزواء الحسيني في منزله على الحركة السياسية، لان عجلة الدولة سارت وبناء المؤسسات اعاد اليها دورها، وان قراراً عربياً واقليمياً ودولياً صدر بابعاد لبنان عن الصراعات الخارجية، وضرورة ان ينعم بالاستقرار والسلم الداخلي، فسقطت نتائج المقاطعة للانتخابات التي رفعها بعض المسيحيين تحت سقف بكركي، ولم تفعل فعلها، واعترفت دول العالم بمجلس النواب، وقبله بانتخاب الرئيس الياس الهراوي رئيساً للجمهورية، لذلك رأى الرئيس السابق لمجلس النواب، ان موقفه السلبي لن يغير في المعادلات ولن يحدث ردات فعل تعيد له اعتباره، فقرر ان يكون نائباً معارضاً لسياسات رفيق الحريري في رئاسة الحكومة، وقرر خوض معركة استكمال تطبيق اتفاق الطائف، واقامة المؤسسات القانونية التي تحدث عنها.
لكن محاولاته باءت بالفشل، او عدم الاهتمام من راعي تطبيق اتفاق الطائف اي سوريا، التي ووجهت بالتركيبة الطائفية في النظام السياسي، ولان المسؤولين السوريين المكلفين «الملف اللبناني»، لم يبذلوا جهداً لوضع الاصلاحات السياسية المتعلقة بتطوير البنية السياسية للنظام موضع التنفيذ، بدءاً من قانون الانتخاب الذي جرى القفز فوقه في اول انتخابات بعد الطائف في العام 1992، حيث تم استثناء جبل لبنان من ان يكون دائرة واحدة، كما باقي المحافظات، وفقاً لاتفاق الطائف، مسايرة لوليد جنبلاط ولهواجسه من ان الصوت المسيحي هو الاقوى في محافظة جبل لبنان، وقد يسقطه في الانتخابات النيابية، واخذ المسؤولون السوريون بقلق جنبلاط، وتركوا جبل لبنان على اساس الدائرة فيه القضاء، وبدأت انتكاسة التراجع عن تطبيق الطائف منذ تلك التجربة، وكرت السبحة حتى جاء اتفاق الدوحة ليكرس قانون 1960 واعتماد القضاء، وهو ما اثار غضب الرئيس الحسيني الذي رأى الطائف ينهار امامه، والبلاد تدخل من جديد في مرحلة حرب اهلية،فلم يعد باستطاعته السكوت وتحمل الواقع الذي وصل اليه لبنان من انحدار نحو المذهبية، واحتمال ان ينهار الى التفتيت والتقسيم، بعد ان اكدت مقدمة الدستور على رفض التقسيم والتوطين واعتباره وطناً نهائياً، وهو ما اعاد التذكير فيه والتاكيد عليه السيد الحسيني في كلمته امام مجلس النواب، حيث اشار الى اننا نشاهد وطنناً يسقط امامنا، وقد استعان بمواقف للإمام السيد موسى الصدر وبوثائق للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، كما الثوابت الاسلامية، وكلها تؤكد هلى نهائية لبنان ككيان.
واراد الرئيس الحسيني من خلال عرضه التاريخي لمواقف الامام الصدر، الرد على من يزعم ان الشيعة ليسوا لبنانيين بل جالية في لبنان، ولا يعني ان انتماءهم الديني او وجود مراجعهم الروحية من خارج لبنان، انهم يقدمون الانتماء الديني او الفقهي او السياسي على الولاء للبنان.
لكن ما استفز الرئيس الحسيني ودفعه الى الاستقالة هو مسألة تكوين السلطة التي ما زالت قوانين الانتخاب تمنع تشكلها على اسس وطنية، بل ما زالت تتحكم فيها المسائل الطائفية والمذهبية، واذا لم تعالج هذه القضية وفق ما نص الطائف، فإن كل البنود الاخرى فيه لا معنى لها، والانطلاق يجب ان يبدأ من قانون الانتخاب على اساس المحافظات، القائمة اي المحافظات الخمس، وعلى ان تجري الانتخابات على مرحلتين التاهيل في القضاء للمرشحين والفوز فيها، ومن ثم الانتقال الى المحافظة حيث تذوب العصبيات الطائفية والمذهبية والمناطقية، ويتقدم الخطاب الوطني، حيث يرى الحسيني في ان هذه التجربة نجحت في الاربعينات بعد الاستقلال، وانقسم اللبنانيون سياسياً بين الكتلة الوطنية برئاسة اميل اده والكتلة الدستورية برئاسة بشارة الخوري، وكان الخطاب الوطني هو السائد، اما اليوم ومع الانقسام الحاصل بين اللبنانيين مذهبياً، فان قانون 1960 يزيدهم تعصباً مذهبياً وطائفياً، وهو القانون الذي وضع عهد الرئيس فؤاد شهاب واعتبره علة العلل في لبنان، في الكلمة التي وجهها الى اللبنانيين واعلن فيها انه لن يرشح لرئاسة الجمهورية.
ولان اتفاق الطائف لم يطبق، ولم يتم التوصل الى قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، ولان هيئة الحوار الوطني لإلغاء الطائفية لم تتشكل، ولان القوانين التطبيقية لم توضع للمؤسسات، لا سيما في دوائر رئاسة الجمهورية، وتنظيم اعمال مجلس الوزراء كونه السلطة التنفيذية، وقانون تنظيم دوائر رئاسة مجلس الوزراء وعملها، وقانون تحقيق السلطة القضائية المستقلة تأميناً لمبدأ الفصل بين السلطات وخضوع المسؤولين والمواطنين لسيادة القانون، وقانون الجيش، وقانون التنظيم الاداري للدولة، الوزارات والادارات، قانون اللامركزية الادارية وتحديد التقسيمات الادارية، اطلاق خطة التنمية الشاملة للبلاد، وقانون اعادة تنظيم وسائل الاعلام، وكلها قوانين لم تصدر حتى الان بحسب الحسيني، الذي قال، اننا لم نعمل لبنانء المؤسسات وبالتالي، فنحن لا نساعد على بقاء الوطن.
لقد رمى الحسيني قنبلته السياسية في مجلس النواب، التي تركت صدى فقط، ولم تفعل فعلها سوى الاتصالات به لحثه على العودة عن الاستقالة التي لن يتراجع عنها، ويبدو انه يتجه ايضاً لعدم خوض الانتخابات النيابية المقبلة، او خوضها منفرداً على اساس ما اورده في كلمته، ولكن السيد ليس في وارد البقاء في العمل السياسي بل في العمل الوطني، كما فعل حليفه الرئيس سليم الحص بعد خسارته في الانتخابات النيابية وهو رئيس حكومة عام 2000، والرئيس الحسيني قد لا يريد ان يخرج خاسراً من الانتخابات، مع كثرة الحديث انه لن يكون من بين المرشحين على لائحة تحالف «امل» و«حزب الله» في بعلبك-الهرمل، لان السيد الحسيني، كان في موقع انه لم يقبل ان يكون في الموالاة او المعارضة.
لقد قال الحسيني كلمته ومشى ولن يعود الى مجلس النواب..
Leave a Reply