حكم قاضي المحكمة الفدرالية في ديترويت جورج كرم سطيح، الخميس 7 نيسان (أبريل) الماضي، بالسجن خمس سنوات على العربي الأميركي خليل أبو ريان بعد إسقاط التهم الفدرالية المتعلقة بالإرهاب عنه، وذلك لإقراره بالذنب في تهمتيْ الكذب من أجل شراء السلاح وحيازته بشكل غير قانوني.
وكان أبو ريان، وهو من سكان ديربورن هايتس، قد أقرّ في أيلول (سبتمبر) 2016 بأنه اشترى مسدساً من عيار 22 ملم وأنه كذب على البائع بشأن تعاطيه للماريوانا، مما استجر التهم الفدرالية ضده. كما واجه أيضاً شبهات الإرهاب بالتخطيط لمهاجمة كنيسة في مدينة ديترويت، حيث نال مخططه المزعوم تغطية إعلامية واسعة لتتصدر قضيته عناوين الصحف الأميركية والعالمية، قبل أن يتبين أنه قد اُستدرج لإطلاق ادعاءات من هذا النوع إرضاءً لعميلة سرية كانت تتودد له وتتواصل معه عبر الانترنت وتحضه على ارتكاب أعمال إرهابية تأييداً لتنظيم «داعش»، بحسب ما أظهرت المراسلات الإلكترونية بينهما.
وقد استقطبت قضية أبو ريان (22 عاماً) اهتماماً على المستوى الوطني إثر اعتقاله في شباط (فبراير) ٢٠١٥ على خلفية تنامي قلق السلطات الأمنية الأميركية من قدرة تنظيم «داعش» الإرهابي على تجنيد مواطنين أميركيين.
وخلال جلسة النطق بالحكم، التي حضرتها أسرة المحكوم عليه، كرر الادعاء الفدرالي اتهام أبو ريان بتأييد «داعش» عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك خلال محادثاته مع عميلين فدراليين سريين، مطالباً بسجن المتهم 8 سنوات، وهي عقوبة اعتبرها محامي المتهم تود شانكر مجحفة وطالب بعقوبة مخففة لمدة 15 شهراً فقط.
وتجدر الإشارة إلى أن أحد العميلين كانت عميلة سرية تظاهرت بأنها مسلمة عراقية وأنها مهتمة عاطفياً بالشاب العربي، وراحت تحضه على تأييد «داعش» وارتكاب أعمال عنفية مدعية أنها على استعداد لأن تمنح حياتها من أجل التنظيم الإرهابي.
واستجابة لاغراءاتها أشار أبو ريان في إحدى المحادثات بينهما إلى أنه اشترى بندقية وقناعاً تحضيراً لشن هجوم على كنيسة «غريتر غرايس تمبل» (معبد البرَكة الكبرى) بديترويت، ولكن لدى مداهمة منزله والقبض عليه في شباط ٢٠١٥ لم تعثر السلطات على البندقية أو القناع المزعومين.
وأكد أبو ريان، وهو أردني من أصول فلسطينية بحسب ما كتب على صفحته على موقع «فيسبوك»، أنه لم يكن يتعاطى أية مخدرات غير مشروعة عندما قام في 2015 بملء الطلب الخاص بشراء السلاح، لكنه في الواقع كان يدخن المارايونا بكثافة.
استدراج أم تعاطف؟
القاضي سطيح من ناحيته، أبدى عدداً من الملاحظات خلال شرحه لحثيثيات الحكم، مشيراً إلى أن المتهم كان يضع صورة إرهابي من «داعش» وهو يحمل رأساً مقطوعة لامرأة، كخلفية على شاشة هاتفه الخليوي. وأضاف أن أبو ريان اعتمد طرقاً عديدة تعبر عن تأييده لـ«داعش»، قائلاً «هذا لم يكن مجرد تصفح لمواقع داعش على الشبكة العنبكوتية»، كما أشار القاضي إلى أن أبو ريان كان يتدرب على إطلاق النار من أسلحة حربية، إضافة إلى حديثه عن مهاجمة كنيسة وقتل شرطي.
وقد اعتبر محامي المتهم تود شانكر عقوبة السجن بـ8 سنوات التي طالب بها الادعاء العام عقوبة كبيرة، وطالب بعقوبة مخففة وهي السجن لمدة 15 شهراً، وقال إن شراء موكله للسلاح لم يكن تهديداً (لأحد) وإنما كان «بسبب حاجته له لحماية نفسه خلال عمله في مطعم البيتزا الذي تعود ملكيته لوالده»، مضيفاً أنه «غالباً ما يتعرض موظفو المطاعم في ديترويت للسرقة».
كما أشار شانكر إلى كمين الإيقاع بأبو ريان قائلاً إن موكله وقع «في كمين نصبه له عميلان سريان من مكتب التحقيقات الفدرالي وقد أوهمته عميلة منهما بحبها مما دفعه لإصدار بيانات متطرفة»، مؤكداً أن ذلك «كان مثالاً صارخاً على تنامي استخدام مكتب التحقيقات الفدرالي للمخبرين السريين والموظفين المتخفين للتجسس على الجالية الإسلامية الأميركية.. وهذا ما يسبب القلق لدى بعض نشطاء الحقوق المدنية الذين يصفون ذلك التصرف بأنه يقصد إلى الإيقاع بالأفراد».
وأضاف إن موكله كان مدمناً على تدخين الماريوانا وكان يعاني من الاكتئاب لذلك فقد تم التلاعب بمشاعره من قبل عميليْ الـ«أف بي آي»، مشيراً إلى أن أبو ريان اعتقد أن العميلة السرية قد ترغب بالزواج به، ولذلك كان يتبجح بالقوة والعنف (خلال المحادثة بينهما) في بعض الأحيان.
وقد رفض القاضي سطيح بعض الحجج التي ساقها محامي المتهم وقال إن أبو ريان كان يتفوه ببيانات متطرفة على الأقل لمدة عام كامل، قبل أن تقوم عميلة الـ«أف بي آي» بالتواصل معه والادعاء بأنها واقعة في غرامه.
كما لفت إلى تغريدة أطلقها أبو ريان على حسابه على موقع «تويتر» وكانت عبارة عن صورة له يظهر فيها وهو يطلق النار من بندقية كلاشينكوف «أي كي 47» في نادٍ للتدريب على إطلاق النار بالذخيرة الحية، مع عبارة تقول «صيد الحشد العراقي الشعبي المناوئ لداعش».
متأثر بالمتطرفين
من ناحيته، صوّر الادعاء الفدرالي أبو ريان بأنه يشكل خطراً، مطالباً بإنزال عقوبة متشددة بحقه، وقال المدعون العامون «إن العقوبة المتشددة مهمة لردعه وأمثاله من القيام بأعمال مشابهة»، وأظهرت مذكرة الحكم وغيرها من وثائق المحكمة أن المتهم أفصح في كثير من الأحيان عن آراء متطرفة كما تحدث عن (نيته) القيام بـ«عملية استشهادية».
وأظهروا رسائل نصية قال أبو ريان فيها إنه استمع لبعض رجال الدين المتشددين مثل أحمد جبريل من ديربورن، الذي أصدر بيانات متطرفة بحسب قول الادعاء الفدرالي، إضافة إلى الداعية اليمني الأميركي المتطرف أنور العولقي.
وتجدر الإشارة إلى أن جبريل –الذين يتمتع بشعبية في أوساط مقاتلي داعش في الغرب، وفقاً لمركز أبحاث في لندن– يقبع في السجن على خلفية قضية منفصلة تتعلق بالتزوير، أما العولقي الذي اغتيل في اليمن فقد كان وراء محاولة تفجير طائرة أثناء هبوطها في مطار مترو ديترويت، عشية عيد الميلاد 2009.
ووافق القاضي سطيح على العديد من الادعاءات الحكومية مشيراً إلى أن أبو ريان أراد «أن يموت في سبيل الله»، وأنه قال في إحدى المرات «إن حلمي هو الجهاد». ووصف القاضي في حكمه أبو ريان بأنه كان «مفتوناً بالقتل.. والأعمال الإرهابية الوحشية».
وقال مساعد الادعاء الفدرالي رونالد واترستريت أن أبو ريان بعث برسالة نصية يجيب فيها على سؤال العميلة السرية فيما إذا كان سيقوم بقتل النساء والأطفال في الكنيسة، فأجاب «سأقتلهم عن آخرهم.. النساء والأطفال.. لن أظهر أية رحمة.. سيكون حمّام دم».
وعبّر أبو ريان عن اعتذاره لأفراد أسرته برسالة قرئت في قاعة المحكمة، حيث أبدى الندم على أفعاله وإيذائه لعائلته وتشويه صورة الإسلام.
وظهر المتهم خلال المحكمة مقيداً بالأصفاد ومرتدياً زي سجن مقاطعة وين الأحمر، واقتيد بعد انتهاء المحاكمة مخفوراً، مكتفياً بتوديع أسرته التي حضر أفرادها الجلسة بكثافة، قائلاً باللغة العربية: «السلام عليكم».
Leave a Reply