«الصدريون» و«علماء المسلمين» يعتبرونها وصمة عار.. والمالكي ينتقد معارضيها
بغداد – خطت الاتفاقية الأمنية الأميركية-العراقية الأسبوع الماضي أولى خطواتها نحو إبصار النور لكنها دخلت نفقا مظلما مجهولة الجهة التي سيودي إليها. فبعد إقرار حكومة المالكي لها تم تحويل الاتفاقية الأمنية الى البرلمان العراقي الذي يشهد انقساما حادا حيالها وسط تفاوت ردود الفعل الإقليمية على مضمونها.السؤال الذي يطرح نفسه الآن على الساحة العراقية: هل يقرّ البرلمان الاتفاقية أم يرفضها؟ لا شك أن الإجابة ستتبلور خلال الأسبوع المقبل مع استكمال البرلمان جلسات المناقشة والتي ستختتم بجلسة تصويت ستعتبر نقطة تحول أساسية في تاريخ بلاد الرافدين. ولكن خريطة مواقف القوى المحلية والإقليمية منها، شهدت إعادة خلط للأوراق؛ فطهران لم تبد معارضة واضحة، في مقابل معارضة يبدو أنها ستكون شرسة من التيار الصدري وهيئة علماء المسلمين السُّنّة، الذين قد لا يجدون إلى جانبهم سوى سوريا التي وضعت نفسها في موقع الرافض لها.أما في الجانب الأميركي فتواجه الاتفاقية امتحاناً صعباً أمام الكونغرس الأميركي رغم أن مصادقة واشنطن عليها لا تحتاج إلى موافقة الكونغرس. وقد دافعت الإدارة الأميركية عن الاتفاقية وقدم وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس الأربعاء الماضي فحوى تلك الاتفاقية في جلسة مغلقة أمام أعضاء من مجلسي النواب والشيوخ لتبديد مخاوف البعض بشأن مضامينها.وأمام هذه التطورات برز موقف لرئيس هيئة الأركان الأميركية الأدميرال مايك مولن الذي قال إن انسحاب قوات بلاده من العراق سيظل أمرا مرهونا بالظروف الميدانية التي تمنى أن تكون مواتية بحيث تسمح به في حينه.وأبدى مولن الذي يعد أرفع ضابط عسكري في القوات الأميركية ترحيبا حذرا بالاتفاقية الأمنية التي تنص على رحيل القوات الأميركية بعد ثلاث سنوات، لكنه حذر من أن الأوضاع الأمنية قد تتغير خلال هذه الفترة.انقسام حادومع صدور هذا العدد من «صدى الوطن» واصل البرلمان العراقي جلسات قراءة الاتفاقية التي من المرجح ان تختتم بالتصويت على الاتفاقية يوم الإثنين المقبل، وقد التئم البرلمان في الخميس الماضي بعد أن رفعت الجلسة الأولى بعد شجار حصل أثناء محاولة نائب عن التيار الصدري منع أحد نواب الائتلاف العراقي الموحد من قراءة نص الاتفاقية.وقد شهدت الجلسة الأولى العديد من الاعتراضات على آلية النقاش وعلى الاتفاقية التي صادق عليها مجلس الوزراء ووقع عليها لاحقا وزير الخارجية هوشيار زيباري والسفير الأميركي ببغداد رايان كروكر.وقد حضر زيباري الجلسة ودعا النواب العراقيين لتسريع مناقشاتهم للاتفاقية التي وصفها بالمصيرية، مشيرا إلى أنه لا داعي للشعور بأي قلق حيالها لعدم وجود أي بنود سرية فيها. لكن تلك الجلسة تعطلت بعد أن اقترب النائب في التيار الصدري أحمد المسعودي من النائب في الائتلاف العراقي الموحد حسن السنيد أثناء قراءة الاتفاقية محاولا سحب النص من يده. كما حاول النواب الصدريون منع مواصلة القراءة من خلال الضرب على طاولاتهم.ويعكس ذلك المشهد جزءا من الانقسام الحاد في صفوف الكتل السياسية العراقية إزاء الاتفاقية، حيث حذر حزب الفضيلة من خطورة التصويت لصالحها. وتوقع حسن الشمري أحد نواب الحزب ألا تمر الاتفاقية بسهولة في ظل تقارب الكفة بين الكتل الرافضة لها والمؤيدة.كما استبق عدد من قياديي الكتل البرلمانية العراقية مناقشات البرلمان بخصوص الاتفاقية بإعلان تحفظهم عليها مرجحين عدم إقرارها، وبالتالي احتمال التوجه للحصول على تمديد تفويض مجلس الأمن الخاص بوجود القوات الأجنبية في البلاد لعام آخر. ويشكل الصدريون أبرز المعارضين بعد موقف للسيد مقتدى الصدر، عبّر عنه في بيان وصف فيه تصويت حكومة بغداد على الاتفاقية بأنه «أول وصمات الذل والعار» وحثّ البرلمان على رفضها «بلا أدنى تردد». ورأى المتحدث باسم الكتلة الصدرية، أحمد المسعودي، أن الاكتفاء بالغالبية العادية للتصويت على موضوع مصيري كهذه الاتفاقية «مخالف للدستور ولتعليمات السيد علي السيستاني الذي أمر بالتوافق عليها» شرطاً لإقرارها.ومن جانبها، استنكرت هيئة علماء المسلمين في العراق إقرار الاتفاقية الأميركية-العراقية وعدّتها «وصمة خيانة»، داعية البرلمان إلى عدم إمرارها. وقالت الهيئة، في بيان، إنها «إذ تدين وصمة الخيانة هذه، تنبه أعضاء البرلمان الحالي إلى خطورة مشاركة سكنة المنطقة الخضراء في غيهم، ومتابعتهم في الإمضاء على اتفاقية الإذعان هذه، التي ستزول بزوال الاحتلال، ويبقى إثمها وعارها على الفاعلين إلى يوم الدين».ومن جهته، انتقد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الاطراف السياسية العراقية التي تناهض الاتفاقية. ونفى وجود أي ملاحق سرية في اتفاقية سحب القوات الاميركية من العراق، كما نفى اي نص يشير الى وجود قواعد عسكرية دائمة فوق الاراضي العراقية او ان يكون العراق ممراً او منطلقاً لشن هجوم على اي دولة اخرى. وأبدى المالكي أسفه لمعارضة البعض للاتفاقية دون أن يطلع على محاورها «فيما يمارس البعض ازدواجية سياسية في مواقفه من الاتفاقية ويعمل على تضليل الرأي العام من خلال الادعاء بوجود بنود في الاتفاقية تتحكم من خلالها الولايات المتحدة بوزراتي الدفاع والداخلية والسيطرة على نفط العراق وثرواته». وقال «بالأمس كانت بعض القوى السياسية تطالب بجدولة انسحاب القوات الاجنبية حتى وان كان ذلك على المدى البعيد، ومع شديد الأسف فقد تراجعت هذه القوى عن هذا المطلب الوطني الذي أصبح حقيقة واقعة في نص الاتفاقية، انهم في واقع الحال يريدون بقاء القوات الاجنبية في العراق فوجودها تحول لديهم بوعي او بدون وعي الى مناورة سياسية لتنفيذ أهداف ومصالح غير وطنية».ومن ناحيته، نفى أية الله علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى في العراق أن يكون قد أعطى الحكومة موافقته على الاتفاقية، مؤكدا رفضه لأي اتفاق يمس بالسيادة العراقية. وقال بيان صدر عن مكتبه في مدينة النجف بجنوب بغداد إن ما أبلغه المرجع الشيعي لمختلف القيادات السياسية العراقية خلال الأيام والأسابيع الماضية ينحصر في «ضرورة أن يبنى أيّ اتفاق.. على أساس أمرين، أولاً: رعاية المصالح العليا للشعب العراقي في حاضره ومستقبله، وتتمثل بالدرجة الأساس في استعادة سيادته الكاملة وتحقيق أمنه واستقراره، وثانياً: حصول التوافق الوطني عليه، بأن ينال تأييد مختلف مكونات الشعب العراقي وقواه السياسية الرئيسية».الاتفاقيةوقع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري مطلع الأسبوع الماضي اتفاقا «مبدئيا» مع السفير الاميركي في بغداد راين كروكر بشأن الاتفاقية الامنية حول تنظيم الوجود الاميركي في البلاد التي اقرتها الحكومة.وقال زيباري بعد مراسم التوقيع في مقر وزارة الخارجية في بغداد «هذا يوم تاريخي للعلاقات الاميركية العراقية». واضاف «بعد المفاوضات المضنية، صادق مجلس الوزراء على الاتفاقية وذهبت للنواب للمصادقة عليها والكلمة النهائية ستكون لمجلس النواب لكن هناك اجواء ايجابية بين الكتل السياسية». واضاف زيباري «هي اتفاقية تشمل آفاقا علمية ثقافية اقتصادية بين البلدين وهذا ما تطمح اليه كل دولة بالعالم للتوصل الى هكذا فرصة مع الولايات المتحدة».وقال ان «الاتفاقية الامنية التي تنص على انسحاب القوات اخذت وقتا طويلا لكن ارادة الخيرين هي التي انتصرت والحكومة بكافة مكوناتها أيدت الاتفاقية والبرلمان سيناقش الاتفاقية ويعطي الرأي حولها». وقال كروكر من جهته «اشكر واهنئ المفاوضين العراقيين والاميركيين لأن المفاوضات كانت معقدة وشاقة ويجب ان يفخر كل العراقيين بهذه الاتفاقية».وتنص الاتفاقية ان على القوات الأميركية الانسحاب من شوارع بلدات وقرى العراق بحلول منتصف العام المقبل والانسحاب من العراق كله بنهاية عام 2011. واضاف كروكر ان الاتفاق سيحدد العلاقات بين البلدين لسنوات قادمة «اقتصاديا وثقافيا وعلميا وتكنولوجيا وصحيا وتجاريا من بين مجالات أخرى كثيرة». وأضاف كروكر «هذا سيذكرنا جميعا.. بينما تواصل القوات الاميركية الانسحاب من العراق اعترافا بالمكاسب الامنية الكبيرة التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية.. بأن علاقتنا ستتطور بطرق عديدة هامة».وقال الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ إن القوات الأميركية ستسلم قواعدها للعراق خلال عام 9002 وستفقد سلطاتها بمداهمة منازل عراقية دون أمر من قاض عراقي وتصريح من الحكومة.ويرجح مراقبون ان تتم طباعة تصاريح مسبقة لجميع المداهمات التي تقوم بها القوات الأميركية. فيما ينص الاتفاق على حماية الجنود الاميركيين من أي اتهامات بارتكاب جرائم طالما انها ارتكبت «أثناء الواجب». ويعطي الاتفاق المحاكم العراقية سلطة إسمية لمحاكمة جنود اميركيين «في حالة ارتكابهم جرائم خطيرة خارج ساعات الخدمة». ومع ذلك، فقد وضعت الاتفاقية شروطا معقدة للغاية تجعل من المستحيل عمليا محاكمة أي جندي فعلا.
Leave a Reply