إستخدم رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي الإبن تعابير مريعة لوصف الفيضانات التي عصفت بمنطقة «مترو ديترويت» في ١١ آٓب (أغسطس) الماضي، تراوحت بين «غير عادية» و«ظاهرة استثنائية» و«غير مسبوقة» و «خارجة عن المألوف».
لكن غير المألوف والخارق للعادة أكثر هو أنَّ الآلاف من سكان ميشيغن المنكوبين بفيضانات القرن تُركوا لوحدهم «يغرقون» في طوفان الترقب والانتظار وعدم مد يد العون لهم لمواجهة هذه الكارثة الساحقة. فحكومة الولاية والبلديات المحلية محدودة القدرات والتمويل والموارد. أما شركات التأمين فحدِّث ولا حرج، فهي غير متوفرة وخارج الخدمة تماماً حيث أن معظم بوالص التأمين تبيَّن أنها لا تغطي كوارث الفيضانات والمخلفات الضارة الناتجة عن تراجع مياه الصرف الصحي إلى المنازل. وبالتالي فالحقيقة المرَّة هي أنَّ مواطني «مترو ديترويت»، خصوصاً سكان الديربونَيْن، يقفون لوحدهم في هذه المعمعة المائية المضرة والإدارية البائسة!
لذلك، حان الوقت للحكومة الفيدرالية لكي تتدخل وتساعد وتعوِّض عما أصاب الضحايا من العائلات فوراً عن الأذى الآتي والمستقبلي ومن دون تأخير.
لقد عانى السكان بما فيه الكفاية من جراء هطول الأمطار الغزيرة التي غزت البيوت من دون استئذان مختلطةً بمياه الصرف الصحي التي حولتْ ثمانية آلاف من الأقبية في ديربورن وحدها، إلى مستنقعات من المياه المُلوَّثة مخلِّفةً خسائر بملايين الدولارات وخاصة الطوابق السفلى التي كانت معظمها غرفاً مفروشة ومؤثَّثة للسكن والمعيشة. وفي يومٍ واحد إنتقلَتْ هذه الفرش والكنبات والأرائك والأجهزة الإلكترونية والملابس وأغراض المطبخ والأكل من قلب هذه الغرف إلى قارعة الطرق وأرصفة الشوارع، وما زالت قيد الانتظار لجمعها في الوقت الذي تجهَد فيه البلدية لإزالة الفوضى وتنظيف المدينة.
لكن مهمة البلدية، التي يتوجَّب عليها أنْ تكون مهيّأة للكوارث مهما برَّر رئيس البلدية التأخير ودعا الى الصبر، لا تُقارَن بحجم الصعوبة التي يواجهها السكان في مهمة التنظيف حيث ينمو العفن على جدرانهم ويزداد الخوف عندهم من المحاذير الصحية. فالناس لا يتلقُّون أي نوع من أنواع المساعدة لمواجهة هذه المشكلة مما قد يؤثر على الصحة البدنية لأطفالهم. كما ان ليست كل الأسر قادرة مادياً على استئجار خدمة شركات مختصة بالتنظيف لتطهير الطبقات السفلى في منازلها.
ومما زاد الطين بلة أنَّ أجهزة المنزل الأساسية مثل سخانات المياه والغسالات والنشافات وأفران الغاز تعطَّلتْ من جراء تسرُّب المياه اليها والعديد من أصحاب البيوت لا يستطيعون شراء غيرها واستبدالها.
وعلى الرغم من هذه المحنة القاسية والحاجة الماسة لتدخل الحكومة، فوفقاً لأورايلي ليس من المتوقع لوكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية «فيما» أنْ تصدر حكمها المُنتَظَر فيما إذا كانت ستقرِّر مساعدة السكان أم لا، حتى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل أي على أبواب الشتاء. لمَ العجلة، فلا شيء طاريء هنا؟! والظاهر أنَّ لدى الادارة الاميركية أولويات تصب في مكان آخر ليست إحداها مصلحة الشعب الأميركي المنكوب، بل مصلحة..المستوطنين الصهاينة في إسرائيل! وإلا فما سبب هذا التباطؤ «بأخذ قرار» المساعدة، وليست المساعدة نفسها التي قد تكون غير مؤكَّدة، في حين تسارع الإدارة الاميركية إلى الموافقة، على عجل، في رصد مبلغ إضافي وقدره ٢٢٥ مليون دولارٍ لتحصين القبة الحديدية في إسرائيل في أول آٓب (أغسطس) الماضي؟
فقد تم تمرير مشروع القانون العاجل المكرَّر لمساعدة إسرائيل بسرعة الضوء في مجلسي الكونغرس ووقَّع عليه الرئيس خلال أيام بعد أن طلبت إسرائيل ذلك. والكل يعلم أنَّ طلبات إسرائيل عند الكونغرس كما لو كانت أوامر.
لكن مبلغ ٢٢٥ مليون دولار هو جزء بسيط من المليارات التي نرسلها سنوياً للبلدان ذات السجلات المشينة فيما يتعلَّق بحقوق الإنسان مثل إسرائيل ومصر. ففي العام الماضي لوحده، خصصت الحكومة الفيدرالية ٦٦٦ ملياراً إلى وزارة الدفاع في حين لا تجد غضاضةً في ترك مواطنيها العزل هنا في «مترو ديترويت» لوحدهم في مواجهة غضب الطبيعة.
يجب على الحكومة الفيدرالية أنْ تعوِّض المواطنين عن الأضرار التي لحقت بهم من أجل تفادي نكسة في إقتصاد ولاية ميشيغن المترنِّح وتلافي أضرار الأسر فيها التي تواجه لتوها صعوبات، ولكي لا تفاقم في مشاكلها المعيشية. ولاية ميشيغن هي إحدى الولايات المانِحة والمساهِمة في الإقتصاد الأميركي ككل. نحن ندفع حصتنا من الضرائب الفيدرالية أكثر مما نستقبل من الأموال التي تأتي من واشنطن وقد حان الوقت لكي نجني ثمار وفوائد مساهمتنا.
لقد كانت الأمطار التي هطلت قبل حدوث هذه الفيضانات غير مسبوقة ولكن كمية الأمطار التي هطلت في الماضي القريب والتي لم تكن بحجم الأمطار الاخيرة كانت تتسبَّبْت هي الاخرى بوقوع فيضانات وإغلاق طرق والسبب أنَّ بنيتنا التحتية مهترئة. وبينما نحن منشغلون في «بناء البلدان» من العراق إلى أفغانستان، الأحرى بنا والأجدى بناء الطرق وشبكات الصرف الصحي والجسور في بلدنا لانها تتداعى وأصبحت تشبه بنى العالم الثالث التحتية. ويجب أنْ يكون تجديد بنيتنا التحتية مسألة ملحة تتعلق بالأمن القومي، عدا عن أنها تخلق فرص عمل وتجعلنا أفضل استعداداً وجهوزية للتعامل مع الكوارث الطبيعية.
أخيراً يجب أن يكون البؤس والإحباط الذي حل بديترويت والضواحي المحيطة بها في أعقاب الفيضانات دعوة ليقظة الادارة الاميركية لتحويل انتباهها إلى الداخل، الى أراضيها، لا إلى الخارج وحده. ومساعدة ضحايا كارثة ١١ أغسطس الطبيعية هو المكان «الطبيعي» والجيد لبدء واشنطن باعادة تأكيد التزامها تجاه مواطنيها.
Leave a Reply