كمال ذبيان – «صدى الوطن»
كُلّف تمام سلام بترؤس حكومة، غابت عن آل سلام حوالي أكثر من أربعة عقود، وكاد بيتهم السياسي فـي المصيطبة أن يُقفل، والذي صُنع فـيه العلم اللبناني خلال مرحلة النضال لإستقلال لبنان عن الإنتداب الفرنسي فـي تشرين الثاني من العام 1943، وترأس والده صائب سلام رئاسة الحكومة لمرات عدة، لكن الحرب الأهلية، وضعتهم جانباً، لتتقدم تنظيمات كانت ترفع شعارات الرئيس جمال عبدالناصر، مدعومة من حركة «فتح» برئاسة ياسر عرفات، وبرزت منها حركة الناصريين المستقلين (المرابطون) برئاسة إبراهيم قليلات، الى تنظيم ناصري آخر بإسم إتحاد قوى الشعب العامل وترأسه كمال شاتيلا، وخلت الساحة السّنّية فـي بيروت من رموز سياسية، كآل الصلح، ومنهم الرؤساء رياض وسامي ورشيد وتقي الدين الصلح، وعبدالله اليافـي.
ولمع إسم الرئيس سليم الحص فـي عهد الرئيس إلياس سركيس الذي أنهاه بترؤس شفـيق الوزان للحكومة التي شهدت الإجتياح الإسرائيلي صيف 1982، حيث ترأس الوزان الحكومة الأولى فـي عهد الرئيس أمين الجميل، وسقط هو وحكومته التي قبلت بـ«إتفاق 17 أيار» مع العدو الإسرائيلي، وأقصي عن الحياة السياسية، ليأتي بعد إتفاق الطائف الرئيس رفـيق الحريري الذي ترأس أكثر الحكومات ما بين 1992 و2005 تاريخ اغتياله فـي 14 شباط (فبراير) من ذلك العام، الذي خلفه إبنه سعد الحريري وريثاً سياسياً لآل الحريري، مع إبتعاد أشقائه، لكنه لم يترأس الحكومة بعد إستقالة حكومة عمر كرامي، التي أطاحها إغتيال الحريري، ليكون نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، بقرار دولي-إقليمي، لتشرف حكومته على الإنتخابات النيابية التي حصدت فـيها «14 آذار» الأكثرية النيابية، ليترأس الحكومة فؤاد السنيورة لمرتين لا سعد الحريري، الذي كان القرار السعودي، إنه من المبكر أن يتولى هذا المنصب، ليصل إليه بعد المصالحة السورية-السعودية، لكنه لم يدم فـيه سوى حوالي عام ونصف العام، فتمّ إسقاطه من داخل حكومته باستقالة 11 وزيراً هم من «8 آذار»، ليخلفه نجيب ميقاتي للمرة الثانية فـي رئاسة الحكومة، إستمر فـيها حوالي أكثر من عامين قبل أن يستقيل.
وتدور السنوات، لتعود رئاسة الحكومة الى آل سلام، عبر النجل الأكبر للرئيس صائب سلام، تمام، الذي فوجىء باختياره هو، لكنه أُعلم، أنه سيكون رئيساً للحكومة لفترة إنتقالية تشرف على الإنتخابات النيابية، التي كانت ستجري فـي أيار من العام 2013، لكن التمديد لمجلس النواب ألغاها، كما أن سلام تعثّر فـي تشكيل الحكومة لمدة عشرة أشهر، لتبصر النور قبل أشهر من إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وعشية إنتخابات رئاسة الجمهورية التي إفتتح موعدها الدستوري فـي 25 آذار (مارس) من العام 2014، لتنتهي ولاية الرئيس سليمان، دون أن تجري الإنتخابات الرئاسية التي وصل عدد جلساتها الى 36 واقترب الشغور الرئاسي من عامه الثاني.
وبذلك تولت حكومة سلام، صلاحيات رئيس الجمهورية، لكنها إختلفت على تفسيرها، كما على آلية عملها والتصويت داخلها، وتوقيع المراسيم، إضافة الى جدول الأعمال، والتعيينات، وقد تخبطت الحكومة فـي ادائها، بسبب الخلافات داخلها، مما شلّ دورها ومهامها، وعُلّقت جلسات مجلس الوزراء مرات عدة، وهدد الرئيس سلام أكثر من مرة بالإستقالة، لكنه كان يصطدم بأنه لمَن سيقدمها فـي ظل عدم وجود رئيس للجمهورية، كما أنه واجه ضغوطاً سياسية لثنيه عن الاستقالة، لانها ستؤدي بلبنان الى المجهول، مع تعثر إنعقاد مجلس النواب ليمارس مهامه، فمُنع عن ذلك، لأن الأولوية هي لإنتخاب رئيس للجمهورية، فتمّ الإتفاق السياسي، على ما سُمي «تشريع الضرورة»، فإنعقد مجلس النواب منذ حوالي عامين لمرتين للتشريع، كان منها إقرار قوانين مالية، كانت مطلوبة منه أميركياً تتعلق بمحاربة الإرهاب، وبمراقبة تمويله وتجفـيفه.
فالحكومة ومنذ عامين، ورئيسها يلوّح بالإستقالة، وأحياناً يهدد بها بشكل جدي، لكن الضغوط الداخلية من القوى السياسية المكوّنة منها، كانت تتمنى على الرئيس سلام، أن يمارس صبره الذي إتصف به، لأن الظروف السياسية والإقتصادية والأمنية، والأوضاع المتفجرة والمشتعلة المحيطة بلبنان، لا تسمح بأن يستكمل الفراغ فـي المؤسسات الدستورية، باستقالة الحكومة، فكان يقنع ويعود عنها، مشترطاً على مكوناتها أن يحيدوا الحكومة عن خلافاتهم السياسية، وإبعادها عن مصالحهم الخاصة، كي تقوم بمهامها، ولو بالحد الأدنى، فـي تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين من كهرباء ومياه وسير، ودفع عجلة الإقتصاد بما يرفع النمو، ويحقق فرص عمل، ويخفض من البطالة، إلا أن الحكومة لم تستطع أن تنتج، ولم تتمكن من حل أزمة النفايات مع مرور حوالي تسعة أشهر على إقفال مطمر الناعمة، رغم كل الخطط التي وُضعت، والدراسات التي تقدم بها خبراء، ووقعت الحكومة فـي فشل ترحيل النفايات، بعد أن سُدت بوجهها الطرقات الى المطامر، حيث تلكأت القوى السياسية عن المساعدة فـي حل هذه الأزمة، وهم مفتعلوها وجزء منها، لأن النفايات بالنسبة لهم، هي نفط لبنان، حيث درّت مئات الملايين على الطبقة السياسية الحاكمة والفاسدة منها، كما هي الحال مع الهاتف الخلوي، والأملاك البحرية، وغير ذلك من صفقات مكشوفة بأصحابها وأسمائهم، وجلّهم من أركان الحكم وأتباعهم.
فالرئيس سلام الذي إستبشر خيراً بعودة رئاسة الحكومة الى عائلته، ونفض الغبار عن بيت أبو علي سلام جده، والذي لعب دوراً فـي عقد المؤتمر السوري الأول، الرافض لتقسيم المشرق العربي، والدعوة الى وحدة كياناته، إلا أن ما واجهه الحفـيد من أزمات فـي هذه الحكومة، تركته ينتظر الوقت الذي ينتهي فـيه الإستحقاق الرئاسي، حتى ينسحب الى منزله، محبطاً من الواقع السياسي الذي وبحسب سلام هو فـي حالة إنحدار، وينذر بكوارث على لبنان الذي يقلق عليه رئيس الحكومة، الذي أعطى فرصة للقوى السياسية لتصحيح المسار، لإنقاذ الوضع المتأزم، إذ أن الشارع يغلي ويتحرك ضد الفساد الذي استشرى فـي كل مؤسسات الدولة التي تحولت الى محميات سياسية، إذ تمّ توزيعها على زعماء الطوائف، حيث يكشف ما دار بين رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عواد والمفتش المالي معه فـي هيئة التفتيش صلاح الدنف، وإتهام كل منهما للآخر بالفساد، وهي المرجع لمحاربة ومحاسبة الفاسدين فـي إدارات الدولة وأجهزتها، ليتبيّن كم أن الوضع أصبح على حافة الإنهيار.
وليس التفتيش المركزي هو الوحيد بين المؤسسات الذي ظهرت فـيه الإرتكابات ومخالفة القوانين، ممن مفترض بهم أن يكونوا مراقبين لمنع ذلك، إذ أن ما يجري داخل جهاز أمن الدولة بين رئيسه اللواء جورج قرعة ونائبه العميد محمد الطفـيلي، والفضائح التي تتسرب من داخل المديرية العامة لأمن الدولة، يثبت ما هو واقع الدولة اللبنانية، التي تصنف بالفاشلة، والتي أظهرتها تقارير دولية، لاسيما منها البنك الدولي، عن أن لبنان هو أكثر الدول فساداً.
والرئيس سلام لم يتحرك لمحاسبة ما سمعه اللبنانيون من إتهامات بالفساد داخل هيئة التفتيش المركزي، التابعة له إدارياً بل كلّف وزير الصحة وائل أبو فاعور، ليحل المشكلة بين عواد والدنف حبياً، لأن الأخير ينتمي سياسياً الى الحزب والطائفة اللتين يتحصن وراءهما الدنف، وهو ما صدم المواطنين عن حالة دولتهم، التي ضربها الإهتراء، وقد لعب الحراك الشعبي دوره فـي فضح ما يجري داخلها، لكن دون أن يتحقق الإصلاح، لا بل أمعن المسؤولون فـي الهدر وسرقة المال العام والصفقات، وكان آخرها ما حصل مع تلزيم شحن النفايات، حيث تبيّن أن إحدى الشركات «شينوك» قد زوّرت مستندات تابعة لوزارة البيئة الروسية، بالسماح بنقل النفايات من لبنان الى روسيا، فألغيت صفقة الترحيل، دون أن يتحرك القضاء اللبناني، للتحقيق فـي هذه الفضيحة التي مرّت دون محاسبة.
فالحكومة تترنح، ورئيسها شاهد زور على ما يحصل، فـيهدد بالإستقالة ولا ينفذها أو يمنع عنها لاسباب داخلية أو نصائح دولية وإقليمية، وهذا يدل على أن لبنان المستظل أمنياً غطاءً دولياً، للحفاظ على الإستقرار، فإنه داخلياً يمر من أزمة الى أخرى، دون حل لأي منها، إذ أن النفايات السياسية، التي تحدث عنها رئيس الحكومة، هي أخطر على اللبنانيين من النفايات المنزلية وغيرها، لأنه من دون حصول توافق سياسي بين القوى اللبنانية، على وضع خارطة طريق لحلول للأزمات التي تعصف بالبلد، وكلها تنبئ بإنفجار كبير، تعمل الدول الكبرى على منع حصوله، فأن إستقالة الرئيس سلام قد تنقذه هو، ولكنها لا تنقذ لبنان، لذلك هو لا يقدمها، بل يهدد بها، لأنه يعلم أنها ستضيف أزمة جديدة على الأزمات القائمة.
Leave a Reply