كمال ذبيان – «صدى الوطن»
يتقدّم وباء كورونا على كل الأخبار في لبنان، كما في العالم، ليحتل صدارة الاهتمام في كل الدول، بينما يواصل عداد الإصابات والموتى ارتفاعه يومياً منذ ظهور الفيروس في الصين أواخر العام الماضي، ومواصلة انتشار في كل الأرض ليصبح «عدو البشرية الأول».
وبما أن فيروس «كوفيد–19» لا يفتك سوى بالإنسان، تتكاثر هذه الأيام وجهات النظر حيال ما يجري، إذ ينسبها البعض إلى غضب من الله ينذر به عباده ويدعوهم إلى العودة إلى تعاليمه التي أرسلها عبر الأنبياء والرسل، في حين أن العلماء ينسبون الوباء إلى فيروس تاجي متحور قد يفتك بالإنسان. وإذ نجح العلم في إيجاد لقاحات وأدوية لأوبئة وأمراض تفشّت في العالم، إلا أن بعض المحللين في السياسة أو الأمن، يربطون ما يحصل بحروب جرثومية أو بيولوجية ضمن حرب المصالح بين الأمم، ولو أُزهقت أرواح ملايين البشر، مثل جائحة «الإنفلونزا الإسبانية»، التي أودت بحياة خمسين إلى مئة مليون إنسان في نهاية الحرب العالمية الأولى.
أوبئة مزمنة في لبنان
وإذا كان العالم أصيب بوباء خبيث، فإن لبنان مصاب بأوبئة مزمنة، كانت أكثر فتكاً بالإنسان، وعلى رأسها وباء الطائفية الذي أزهق أرواح نحو مئتي ألف مواطن في الحرب الأهلية المشؤومة التي اندلعت قبل 45 عاماً، وتصادف ذكراها في 13 نيسان.
تلك الحرب التي أسفرت أيضاً عن مئات آلاف الجرحى والمعوقين، وعشرات آلاف المفقودين، ناهيك عن تدمير مدن وقرى وعمليات تهجير قسري ومجازر دموية… ولا يزال الوباء المزمن نفسه ينخر في الجسم اللبناني دون أن يتمكن من اجتثاثه أحد.
هذا الوباء، تفرّعت منه أوبئة مستعصية، على رأسها المحاصصة الطائفية في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية… متسببةً بحروب صلاحيات ومحسوبيات لا تنتهي، ومانعة قيام دولة القانون والمؤسسات والمواطنة، حتى أصبح لبنان دولة فاشلة ومتخلفة.
الحكومة والتحدّيات
ما أن باشرت حكومة حسان دياب مهمتها الإنقاذية لانتشال لبنان من أزمته المالية والاقتصادية الخانقة، جاء وباء كورونا ليطغى على كل الأحداث ويفرض حالة طوارئ عامة، حيث فرضت الحكومة –في إطار مواجهة الفيروس– إجراءات غير اعتيادية أسوة بمعظم الدول حول العالم، إذ دعت السكان إلى التزام منازلهم وعدم الاختلاط والتجمع، إضافة إلى إقفال الحدود البرية والمطار والمرافئ، في محاولة لإنقاذ لبنان من مصير مماثل للنموذج الإيطالي، وقد شددت الحكومة، الإجراءات بفرض حظر التجوّل ليلاً، رداً على تجاهل البعض للتوجيهات الحكومية، مما أدى إلى زيادة نسبة الإغلاق للمطاعم والمقاهي والملاهي والمسارح…
كذلك قررت الحكومة مبكراً إغلاق الجامعات والمدارس، وكذلك الدوائر والمؤسسات الرسمية التي تخضع لإغلاق جزئي مع تسيير العمل إلكترونياً، وهي خطوة مطلوبة شعبياً لتخفيف الفساد وتسهيل الخدمات للمواطنين دون عناء التنقّل وإضاعة الوقت.
في المجمل، تعتبر إجراءات الحكومة اللبنانية جيدة، قياساً إلى دول أخرى متقدّمة، ولو عملت الحكومات السابقة على تجهيز المستشفيات الحكومية، والاعتناء بها باختيار مجالس إدارة كفوءة لها، دون محسوبيات، لكان لبنان اليوم متقدماً صحياً.
وقد قامت وزارة الصحة بعد ظهور الوباء، بالتجهيزات المتاحة بما توفّر من المال العام، وهو ما خفف من انتشار الوباء ومكن من إيواء أكبر عدد ممكن من المصابين داخل المستشفيات والحجر الصحي.
وشكل الإسراع في إنقاذ المستشفيات الحكومية، وتحفيز المستشفيات الخاصة، خطة أمان للبنان، الذي توجّه شعبه بالشكر للأطباء والممرضين على الجهود التي يبذلونها لاحتواء الوباء وإنقاذ المصابين.
عودة المغتربين
وبينما تنشغل الحكومة في مواجهة وباء الكورونا، برزت قضية عودة اللبنانين العالقين في الخارج إلى لبنان، لاسيما المغتربين في القارة الإفريقية التي وصلها الفيروس خلال الأسبوعين الماضيين، حيث طالب المغتبرون بفتح مطار بيروت الدولي كي يتمكنوا من العودة، وذلك بعدما قررت الحكومة إغلاق المطار أمام كل الرحلات من جميع أنحاء العالم، مانحة مهلة أسبوع للراغبين بالعودة.
ومع انقضاء المهلة، يتخوف المغتربون في الدول الإفريقية من تدهور الأوضاع الأمنية في بلدان إقامتهم في حال انتشار الوباء، لكن الحكومة ردّت بأنها لن تعيد فتح المطار مجدداً، لأن لبنان لا يستطيع استيعاب عشرات آلاف المغتربين، حيث أن عدد الأسرّة في المستشفيات لا يستوعب هذه الأعداد، إضافة إلى كلفة النقل، والفحوص الطبية التي يجب أن يتلقاها العائدون، للكشف عليهم، ومعرفة ما إذا كانوا مصابين بالوباء، لاسيما وأن الإصابات التي وصلت إلى لبنان جاءت من أفراد قادمين من الخارج التقطوا الفيروس ونقلوه إلى محيطهم.
غير أن الحكومة توصّلت إلى آلية صحية للعودة الطوعية والآمنة للمغتربين، الذين سجّلوا أسماءهم وغالبيتهم من دول إفريقية، التي تحتضن نحو 500 ألف لبناني، إذ أشارت المعلومات الإغترابية إلى أن ما بين 1 و2 بالمئة سيعودون، وهم من العائلات والأطفال والكبار في السن وبعض المرضى، وسيخضعون جميعاً للفحص الطبي قبل صعودهم إلى الطائرة وفي داخلها وبعد وصولهم، وسينقل المصابون فوراً إلى محاجر صحية في المستشفيات، بينما يخضع غير المصابين للحجر الصحي في فنادق ومنازل معزولة.
وقد تمكنت الحكومة من اجتياز هذا القطوع، بعد أن توتّرت العلاقة بين الرئيس نبيه برّي ورئيس الحكومة حسان دياب، بسبب الخلاف حول آليات وظروف عودة المغتربين، والتي أقرتها الحكومة في اجتماعها الاخير.
التعيينات
وتزامن السجال المتوتّر حول عودة مغتربين من الخارج، وتهديد الرئيس برّي تعليق مشاركته في الحكومة، مع مطب آخر داخل الحكومة حول تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان، الذين انتهت ولايتهم منذ أكثر من 6 أشهر، إضافة إلى لجنة الرقابة على المصارف والمجلس المركزي ومفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان.
وقد تجلت في معركة التعيينات هذه، المحاصصة داخل حكومة دياب، إذ أن رئيس الحكومة حاول طرح أسماء من خارج التوافق الحكومي، ومن دون المرور عبر المرجعيات السياسية، فخلق أزمة داخل الحكومة وخارجها، فظهر الرئيس برّي في موقف سلبي من تسمية شخص شيعي لمنصب نائب أول لحاكم مصرف لبنان، وأن له رأياً في ذلك، واجتمع مع رئيس الحكومة وحذّره من هذا التجاهل، مثله فعل رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي اعترض على احتكار رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل للتعيينات في المراكز المسيحية، مطالباً بحصة وفق حجمه، وأن له في الحكومة وزيرين سيسحبهما منها اذا لم يؤخذ بمطلبه، وقد تطابق فرنجية في موقفه مع الرئيس برّي الذي هدّد أيضاً بالانسحاب من الحكومة ووضعها في موقف حرج، وهو ما لم يقبل به «حزب الله» الذي يهمّه الاستقرار الحكومي، مثلما كان يهمه ذلك في عهد الحكومة السابقة المستقيلة برئاسة سعد الحريري.
«حزب الله» تدخّل لدى حليفيه برّي وفرنجية وأقنعهما بالتراجع عن موقفهما السلبي، وحلّ الإشكال بالتفاهم، فقبل الرئيس دياب موافقاً على أن تحظى التعيينات المالية بغطاء سياسي من مكونات الحكومة.
من جانبه، انتقد الرئيس سعد الحريري مع رؤساء حكومات سابقين، هم: نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، التعيينات التي تقصي شخصيات مدعومة من تيار «المستقبل» مثل محمد بعاصيري، وتستبدلها بشخصيات مقربة من دياب، وهو ما جعل الحريري يتخوف من أن يفقد نفوذه في الدولة مع خروجه من السلطة، ومثله وليد جنبلاط الذي يحتكر منذ عقود، التمثيل الدرزي في وظائف الفئة الأولى، وقد استبعد مرشّحه فادي فليحان لمنصب نائب حاكم مصرف، ليحل محله فؤاد أبو حسن المحسوب على النائب طلال إرسلان.
الحكومة تهتزّ ولا تسقط
وللمرة الأولى منذ تشكيلها قبل حوالي شهرين تهتزّ الحكومة من الداخل ولا تسقط، إذ حماها «حزب الله» الذي يدرك خطورة ودقة المرحلة، لاسيما مع انتشار الوباء القاتل الذي تصغر أمام مخاطر سائر التحديات، وعلى رأسها الأزمة المالية والاقتصادية المتفاقمة بعد أن أوقفت المصارف الدفع وتمارس –على هواها– «الكابيتال كونترول» على أموال المودعين، فيما تعمل الحكومة إلى قوننته لتحديد معيار موحد يسري على جميع اللبنانيين.
Leave a Reply