كمال ذبيان – «صدى الوطن»
لم يتحقق أي تقدم في عودة الحكومة اللبنانية إلى عقد جلساتها، بعد تعليقها منذ حوالي شهر ونصف الشهر، ولم يكن قد مضى على ولادتها سوى شهر واحد. وبينما يحاول رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، إطلاق مواقف تفاؤلية بشأن عودة المجلس للانعقاد قريباً، تبرز عقد سياسية مستعصية تحول دون إمكانية تحقيق ذلك في المدى المنظور، وفي مقدمتها أزمة تنحية القاضي طارق البيطار عن ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بسبب اعتراض وزراء حركة «أمل» و«حزب الله» و«تيار المردة» على أدائه ورفضهم لحضور الجلسات قبل تنحيته بتهمة الاستنسابية وتسييس التحقيق، كما تبرز أزمة استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، بضغط سعودي بسبب مواقف أطلقها حول حرب اليمن قبل توليه الوزارة، فيما ترفض قوى لبنانية عديدة هذه الاستقالة، وفي مقدمتها «تيار المردة» و«حزب الله» الذين اعتبروا المسألة قضية كرامة وسيادة وطنية.
مكانك راوح
في الملفين الشائكين، لم تظهر في الأفق بعد، أية حلول قريبة، رغم أنه على مسار ملف التحقيق بانفجار المرفأ، تستمر الجهود لإيجاد مخرج لهذه الأزمة عبر فصل التحقيق مع الرؤساء والوزراء والنواب عن التحقيق مع آخرين، عملاً بمادة دستورية تنصّ على تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب.
ومن شأن هذه المقاربة القضائية للأزمة، ألا تقصي القاضي البيطار عن التحقيق فيحافظ القضاء على استقلاليته، وفق مبادرة تقدم بها البطريرك الماروني بشارة الراعي عقب أحداث مجزرة الطيونة التي أدت إلى استدعاء رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى التحقيق. لكن هذه التسوية التي طرحها الراعي خلال زيارته لرئيس مجلس النواب نبيه بري، لم تجد طريقها للتنفيذ بعد، بينما لا يزال البحث جارياً لإيجاد صيغة مناسبة، وسط انقسام مجلس القضاء الأعلى حول المسألة، واتّخاذ الخلاف فيه طابعاً طائفياً، في الوقت الذي يؤكّد فيه ميقاتي، على أن حل قضية البيطار يجب أن يكون عبر القضاء، وليس السياسة.
أما في قضية استقالة واعتذار الوزير قرداحي، فترفض مكونات أساسية في الحكومة هذا التوجه الذي يريده ميقاتي إرضاء للسعودية، بينما تؤكد تلك القوى أن المسألة لا تتعلق بشخص قرداحي وإنما بملف العلاقات اللبنانية–السعودية والخليجية عموماً، وتحديداً بمسألة دور «حزب الله» في لبنان واتهامه من قبل الرياض بالسيطرة على مفاصل الدولة. وبالتالي فإن الأزمة مع السعودية لن تجد طريقها إلى الحل قريباً، لاسيما وأن المملكة لم تطرح تقديم أي مقابل لقاء استقالة قرداحي.
مزيد من التدهور
ومع استمرار الأزمتين القضائية والدبلوماسية، فإن الحكومة لن تعود إلى الاجتماع قبل حل مقنع لكل الأطراف، التي يتواصل معها الرئيس ميقاتي، دون أن يتوصل معها بعد، إلى مخارج مقبولة، وهو ما جعله يلوّح بالدعوة لانعقاد مجلس الوزراء بمن حضر، ولو قاطع الجلسة وزراء «أمل» و«حزب الله» و«المردة» و«السوري القومي الاجتماعي».
وفي حال حدوث ذلك، يكون ميقاتي قد استعاد تجربة حصلت في العام 2006، عندما استقال الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إلى جانب الوزير يعقوب الصراف الذي كان يمثل الرئيس إميل لحود. ورغم ذلك استمرّ الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك بعقد جلسات الحكومة التي سماها الرئيس برّي بـ«البتراء» و«المخالفة للدستور»، لأنها لا تعبّر عن صيغة العيش المشترك بسبب خلوّها من المكون الشيعي، مما يفقدها شرعيتها وفق «الميثاق الوطني». غير أن السنيورة ومعه فريق «14 آذار»، ضربوا بذلك عرض الحائط، ولم يكترثوا للموضوع إلى أن انتقل الصراع إلى الشارع، عبر أحداث 7 أيار 2008، التي مكنت «حزب الله» وحلفاءه من قلب المعادلة الداخلية عبر عملية عسكرية–أمنية خاطفة امتدت من بيروت إلى الجبل، ورسخت مبدأ «الثلث الضامن» في الحكومات التالية بموجب «اتفاق الدوحة».
لكن هذا السيناريو، لن يُقدم عليه ميقاتي، لأنه يعرف مخاطره الداخلية، وهو الذي قطع وعداً للدول التي ساندته بتشكيل الحكومة، بأنه سيعمل على استمرارها لإجراء الاستحقاق الانتخابي المنتظر في الربيع القادم.
وعلى هذا الأساس سيستمر ميقاتي في لعبة الرقص على الحبال لعله يُقنع الأطراف الداخلية بتقديم تنازلات ترضي السعودية عبر استقالة قرداحي، كما ويقنع «حزب الله» وحركة «أمل» بتحييد مسألة القاضي البيطار عن العمل الحكومي.
غير أن هذه الصيغة الميقاتية، لم تلق قبولاً بعد، وقد ظهر ذلك بعد اللقاء الذي جمعه بالرئيسين ميشال عون وبرّي، عقب الاحتفال الرمزي بعيد الاستقلال الأسبوع الماضي، والذي لم يسفر عن أي جديد، سواء في ملف العلاقة مع السعودية أو تفجير المرفأ.
الخناق المعيشي
وفي ظل تعطل الحكومة المستمر، تزداد الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية تدهوراً في لبنان، وسط ارتفاع جنوني لسعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة اللبنانية، ورفع الدعم الكلّي عن المواد الأساسية.
وكان آخر القرارات هو رفع الدعم عن الدواء، مما زاد من الخناق المعيشي على الموظف اللبناني الذي بات راتبه بالعملة الوطنية لا يكفي لتوفير أبسط احتياجاته الأساسية مثل الغذاء والنقل.
وفي حين تواصل أسعار السلع صعودها الصاروخي، لا تزال الحكومة المعطلة عاجزة عن إطلاق البطاقة التمويلية للفقراء، لأن مصادر تمويلها لم تحدّد بعد، باستثناء قرض من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار، لا يكفي سوى لفترة محدودة.
كما لا تزال الحكومة عاجزة عن فتح مفاوضات جدية مع صندوق النقد الدولي، الذي لم يقرّر بعد، ما هي خطّته للبنان، وما هو البرنامج الاصلاحي الذي ستقدّمه الحكومة لوقف الانهيار وترشيد الإنفاق.
وأمام كل هذه الأزمات والاستحقاقات من غير المستبعد أن تواصل الحكومة سياسة اللعب في الوقت الضائع عبر تعليق جلساتها إلى حين حصول الانتخابات النيابية، وصدور النتائج. فإذا كانت الأكثرية النيابية متناغمة مع السياسة الأميركية–الخليجية، فإن صندوق النقد الدولي وغيره سيقدّمون المساعدة للبنان، أما إذا كانت الأكثرية لصالح «حزب الله» وحلفائه، فلا داعي أصلاً للمفاوضات مع الصندوق لأن مصيرها سيكون معروفاً سلفاً.
تأجيل الأزمات
الأزمات مؤجلة، ومعها الحلول، إلى ما بعد الانتخابات النيابية، التي تشدّد الدول المؤثرة في لبنان على حصولها في موعدها، لاسيما أميركا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية والعربية، التي تراهن على إحداث تغيير في البنية السياسية اللبنانية عبر صناديق الاقتراع، من خلال تحالف قوى سياسية مع «المجتمع المدني» والمنظمات غير الحكومية، كما جرى مؤخراً في العراق. غير أن التراشقات الجارية حالياً بين القوى السياسية في لبنان لم تحسم مصير الانتخابات وموعدها المقرر مبدئياً في آذار (مارس) المقبل.
Leave a Reply