كمال ذبيان – «صدى الوطن»
الثقة التي حصلت عليها الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، كانت متوقعة بنيلها 111 أصوات وغياب 11 نائباً، وحجب الثقة من قبل ستة نواب، وهم: اللواء جميل السيد، أسامة سعد، بولا يعقوبيان، إضافة إلى نواب «حزب الكتائب»: سامي الجميّل، نديم الجميّل والياس حنكش.
الثقة مضمونة
الثقة بالحكومة المؤلفة من جميع الكتل النيابية باستثناء «الكتائب» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» ونواب مستقلين، كانت مضمونة. وهذا هو حال كل الحكومات التي تعاقبت على لبنان بعد اتفاق الطائف، وحتى قبله، إذ لم يسجل قط أن حكومة لم تحصل على ثقة أو أسقطها مجلس النواب، إلا أن بعض الحكومات كانت تسقط جراء الأزمات السياسية التي زعزعزت أسس وجودها، فكان رؤساؤها يقدمون استقالاتهم، كما حصل بعد اغتيال العدو الإسرائيلي لقادة المقاومة الفلسطينية الثلاثة في نيسان 1973 في بيروت، فقدّم الرئيس صائب سلام استقالته، وبعد عامين قدّم الرئيس رشيد الصلح على أثر حادثة باص عين الرمانة التي شكلت شرارة الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975، وبعد ذلك استقال الرئيس أمين الحافظ الذي واجه معارضة إسلامية ووطنية لقبوله ترؤس حكومة، فرضها الرئيس سليمان فرنجية، في ظل اشتباكات كانت تدور بين الجيش اللبناني، وبين عناصر فلسطينية في المخيمات. وكذلك إستقال الرئيس شفيق الوزان بعد 6 شباط 1984، عندما حصلت انتفاضة ضده في عهد الرئيس أمين الجميّل، وصولاً إلى استقالة الرئيس عمر كرامي عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005.
استعادة الثقة
وإذا كان الرئيس سعد الحريري رفع لحكومته السابقة شعار «استعادة الثقة»، أي ثقة الناس بحكومتهم، فإن الحصول عليها ليس أمراً سهلاً، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتدهور الحالة المعيشية للمواطنين الذين يعيش ثلثهم تحت خط الفقر، فيما ترتفع نسبة البطالة كل عام بين صفوف الشباب، لتقدر حالياً بنحو 35 بالمئة، وهو ما دفع بالمواطنين إلى اللجوء للشارع للمطالبة بتحسين ظروف حياتهم، وتأمين فرص العمل ورفع مستوى الخدمات في ظل انقطاع للكهرباء وشح المياه وتفاقم أزمة السير، وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة دون رقيب وحسيب، وشيوع أخبار عن الثراء غير المشروع لدى الطبقة السياسية الحاكمة التي تحاضر بالعفاف عندما تتحدث عن الفساد المستحكم في الإدارات، والهدر الذي يزداد في خزينة الدولة لحساب مافيات النفط ومولدات الكهرباء، وتنفيذ المشاريع في بنى تحتية تحتكرها شركات هندسة ومقاولات واستشاريون هم من المحسوبين على أركان السلطة… هذا كله أدّى إلى عدم تمكن الحكومة السابقة من استعادة ثقة اللبنانيين، ليس بحكومتهم وحسب، بل بوطنهم الذي يهجرونه في ظل غياب تطبيق القوانين وعدم انتظام عمل المؤسسات.
تحديات أمام الحكومة
في حين لم تتمكن الحكومة السابقة من إنجاز ما وعدت به في بيانها الوزاري، وقد أوصل أداؤها إلى ما وصل إليه لبنان من ترتيب بين الدول الأكثر فساداً والأكثر مديونية، فإن الحكومة الثالثة برئاسة الحريري عليها أن تقوم بالعمل المطلوب منها أو الذي تعهدته في بيانها، وقد رفع رئيسها شعاراً لها، وهو «حكومة العمل» مشدداً في كلمته رداً على مداخلات النواب، بأنه سيقوم بالعمل ثم العمل ثم العمل، وأن أول ما سيعمل عليه هو الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي، كأبرز التحديات التي تواجه الحكومة، معولاً على مؤتمر «سيدر» وما رصده للبنان من حوالي 12 مليار دولار، وقد يرتفع المبلغ إلى 17 مليار لتطوير البنى التحتية والاستثمار في مشاريع إنتاجية تؤمن فرص عمل.
وقد وعد رئيس الحكومة بخلق عشرات الآلاف من الوظائف الجديدة، حيث كان أول نشاط له في السراي الحكومي، اجتماع ضم الهيئات والصناديق المعنية بتنفيذ ما ورد في مؤتمر «سيدر»، الذي طالب الحكومة بالقيام بإصلاحات بنيوية في الاقتصاد، كما في الحد من الإنفاق العام والهدر ومعالجة قضية الكهرباء التي تستنزف الخزينة بأكثر من ملياري دولار سنوياً، وترفع من خدمة الدين العام.
الإصلاح المتعثر
الإصلاح الذي وعد به الحريري ، كان محط كلمات النواب في جلسة الثقة، والتي كشفت عن مكامن الفساد والهدر، واستمرار التوظيف السياسي في إدارات ومؤسسات الدولة، حيث أجمع غالبية المتكلمين على توظيف نحو أكثر من خمسة آلاف شخص خلال فترة الانتخابات النيابية وبعدها، دون العودة إلى مجلس الخدمة المدنية، والالتزام بقرار الحكومة بعدم التوظيف، حيث أظهرت التقارير بأن كل القوى المشاركة في الحكومة، هي مَن قامت بإدخال آلاف الموظفين إلى دوائر الدولة، باستخدام أساليب التعاقد، وكانت الحصة من ذلك لصالح «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» و«حركة أمل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، وكل حسب حجمه، فيما نفت «القوات اللبنانية» أن تكون شريكة في هذه العملية، وكذلك «حزب الله». فاستمرار التوظيف والهدر الحكومي هو بالضبط ما تخشاه الدول المانحة للبنان، ويهدد بخسارة القروض والهبات المقدمة له، لأن قرار الإصلاح متعثر بسبب النظام الطائفي، وإدارة لعبة المغانم والمحاصصة وتحويلها إلى أرقام في الانتخابات النيابية.
فترة السماح
تعطى الحكومات فترة سماح لها، تكون لثلاثة أشهر، لتظهر فعاليتها والتزامها بتحقيق ما وعدت به. وبما أن الحكومة الجديدة، هي نسخة عن سابقاتها، في التمثيل، وبعضها موجود في الحكومات المتعاقبة منذ نحو ثلاثة عقود، والبعض منذ عقد ونصف العقد، لا يتوانى المواطنون في التعبير عن تشاؤمهم بهذه الحكومة وأنها لن تكون أفضل من سابقاتها سواء في الممارسة أو النتائج.
لكن هذه المرة يعترف الحريري نفسه بأنه إذا لم تنجز الحكومة ما وعدت به، فإن مصيرها السقوط والفشل في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي المعقد جداً، وكأن هذه الحكومة هي الطلقة الأخيرة لإنقاذ لبنان، الذي يشبه اليونان في ديونه، والصومال في فشل دولته ومؤسساتها، وهو في تصنيف المؤسسات العالمية سلبي في اقتصاده ونموه وماليته، كما في شفافية مؤسساته، ولذلك طريق الإصلاح ليست سهلة، إذ ثمة قرارات صعبة على الحكومة أن تلجأ إليها مضطرة، مثل إعادة النظر في الرواتب ومعاشات التقاعد للموظفين في القطاع العام، إضافة إلى زيادة الرسوم والضرائب، كرفع التعرفة على الكهرباء، وزيادة ضرائب الوقود، وفرض رسوم على تسجيل العقارات، كما على السيارات وجواز السفر وخدمات أخرى وصولاً إلى زيادة ضريبة القيمة المضافة، وهو ما ينكره وزير المال علي حسن خليل، لطمأنة المواطنين، وتهدئة الشارع كي لا يتحرك ضد الحكومة، في وقت بدأت فيه أحزاب وقوى وجمعيات باللجوء إلى التظاهر في أيام الآحاد من كل أسبوع، لوقف المسار الإنحداري الذي يسلكه لبنان اقتصادياً ومالياً واجتماعياً.
الفساد أولاً
مكافحة الفساد في الدولة هي «أم المعارك» التي قرّرت قوى حزبية وسياسية أن تخوضها لمنع حصول الانهيار الذي يهدد لبنان باعتراف المسؤولين أنفسهم، إذ يكبد الفساد والهدر في الإنفاق العام ما بين 5 إلى 10 مليار دولار سنوياً، وفق تقدير عدد من التقارير والدراسات، وقد افتتح «حزب الله» جلسات مجلس النواب الجديد، بعرض مفصّل للنائب حسن فضل الله، شرح فيه أسباب الفساد ومكامنه، مما فتح بارقة أمل، بإمكانية حدوث تحركات إنقاذية، لاسيما وأن التلكؤ عن ذلك سيؤدي إلى سقوط الهيكل على رؤوس الجميع.
Leave a Reply