احتاج الأمر إلى خمسة أجزاء، أي قرابة الـ 150 حلقة، لكي نرى الجيل الثاني من أبناء حارة الضبع، وهم يحلون ويربطون ويخططون ويتخذون القرارات الشجاعة في الدفاع عن الحارة، في الوقت الذي يجلس فيه عضوات الحارة في المضافة، للتشاور بدون أن نلمح وجوها جديدة ودماء شابة، اللهم ماعدا العكيد “معتز” الذي كان يحضر في بعض الأحيان، خلفا للعكيد أبو شهاب.
وهذا الحضور الذي يتمتع به الشباب القبضايات، يختلف عن أدوارهم في الحلقات السابقة، حيث كان الشباب (في تلك الحلقات) مجرد ديكور، أو كومبارس، أو أصحاب أدوار ثانوية، يرحبون بالشيخ عبدالعليم أو بالعقيد أبو حاتم، يعزمونه على الشاي، أو يحيدون عن طريقه ليمر، أو يلبون أوامره، أو يدعون له بطول العمر، أو يكونوا شهوداً على بطولته وأخلاقه العالية.
وهكذا تبدلت الأحوال في جمهورية “باب الحارة” التي تتعرف بعد خمسة أجزاء من الحلقات الطويلة، على أبنائها من الجيل الثاني، ومواهبهم في العمل الوطني، الجماعي، أما في المسلسل الكوميدي البوليسي الذي اسمه “ديربورن” فمن غير المتوقع أن تشهد عاصمة العرب الأميركيين جيلاً ثانياً من أبنائها الشباب يزاولون “العمل الوطني” أو المجتمعي أو السياسي أو غيره، ذلك أن أبطال المسلسل مازالوا يجتمعون في “المضافات” ويحلون ويربطون بطريقتهم الخاصة.
في أحد أكثر المشاهد غرائبية وسريالية، ينزعج أحد “العضوات” الديربورنيين من المقابلات التي أجرتها بعض المحطات التلفزيونية مع “ناس عاديين” على خلفية توقيف اليمنيين الصوفي والمريسي في الأسبوع الماضي، علما أن محطات إخبارية وجهات إعلامية كثيرة اتصلت بذلك العضو.. الذي هو من عضوات ديربورن.
والفكرة التي تدعو إلى الاستغراب والتساؤل، هي هذه: لماذا ينزعج ذلك العضو من استطلاع التلفزيونات لآراء ناس عاديين، علما أن تلك المحطات الإخبارية سألته ووقفت على رأيه. والجواب.. معروف بالطبع، وهو أن العضو خائف من أجوبة الناس العاديين على سمعة الجالية، وليس غيرة منهم بالتأكيد، من الناس العاديين أقصد، أو “شوفة حال” لا سمح الله.
أحد الأصدقاء، علّق على الموضوع، فقال: فعلاً هذا غريب، وما المانع أن يتكلم الناس العاديون ويعبروا عن رأيهم؟ فقلت له: هذا الأمر معروف لدى الفنانين، فالكثير من الممثلين يتحسبون من الوجوه الجديدة، خوفاً على “نجوميتهم”، فهؤلاء يعرفون أكثر من غيرهم أن الأهمية للدور وليس للشخص، هم يخافون من الآخرين أن ينافسوهم على الأدوار التي يقومون بها.. خاصة وأن الأدوار سهلة ويمكن لأي أحد أن يؤديها.
كان “الرفقاء” في الحزب الشيوعي الروسي، يحطمون بعضهم البعض. يلفقون التهم ويكتبون التقارير ويزورون ويبعثون رفاقهم إلى عتمات السجون وإلى عتمات القبور، لكي تخلو لهم الساحة. ولكن الساحة الحمراء سقطت.. منذ صار “البقاء للأضعف” هو القانون المعمول به، في كواليس الحزب، حتى جاء ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين.. وانهارت دولة عظمى في غضون عدة عقود من الزمن فقط.
البعض القليل يتمتع بأخلاق الفرسان. مرة قال الشاعر اليوناني الكبير لاس بالماس للشاعر اليوناني يانيس ريتسوس (وكان لا يزال شابا وقتها): إننا نتنحى جانباً كي تمر أنت أيها الشاعر. وفي رواية أخرى: إننا نرفع لك القبعة كي تمر أنت.. أيها الشاعر.
ولا أحد في ديربورن يتنحى لأي أحد، أو يرفع له القبعة، كي يمر. الأقرب إلى الحقيقة.. هو القول: إننا نتنحى، أو نرفع لك القبعة.. كي تقع وحدك في الفخ.
في الحلقات الأخيرة من أي مسلسل، تتكشف الأسرار، وتنفضح الدسائس وينتصر الخير ويعاقب الأشرار. بالفعل لو كانت ديربورن مسلسلاً، فكيف ستكون أحداث حلقته الأخيرة؟
Leave a Reply