رغم النكات والمزاح الذي برع فيه اللبنانيون بعد كل تفجير إنتحاري إرهابي للمكابرة ربَّما أو للتمويه عن أنفسهم من أكبر خطر يواجههم في حياتهم اليومية لعلَّه أخطر من الحروب الإسرائيليَّة الوحشيَّة المتكرِّرة على وجودهم وأسباب حياتهم، إلاَّ أنَّ خلف هذه الفكاهة والتنكيت على الانتحاريين المُغرَّر بهم، يكمن خوف حقيقي من استمرار هذا المسلسل الدموي من قبل مجموعاتٍ «خوارجية» لا تعرف الشرف ولا الناموس ولا الدِّين ولا الأعراف بل مجرد حقد جاهلي أعمى وقتل مُتعمَّد ضد مدنيين أبرياء عُزَّل تعبيراً عن خسَّتها وجُبنها وفرارها مسعورةً من ساحات المعارك الحقيقية.
التفجير الأخير الذي نفَّذه مجرم في إحدى «فانات» النقل الخاص في منطقة الشويفات لربَّما هو الأعظم خطراً حتى من السيارات المُفخَّخة نفسها لأنَّ الإنتحاري الذي يحمل حزاماً ناسفاً لا يمكن رصده كالسيَّارة وبإمكانه أنْ يدخل بيوت المواطنين الآمنين ويفجر نفسه في الأحياء السكنية المكتظَّة بالعائلات من النساء والأطفال والمسنِّين ما دام يعتبر نفسه «شهيداً» حسب سفَّاحي الفتاوى الكاذبة من الإرهابيين الجزَّارين، مُمنيَّاً النفس بالإفطار مع الرسول الأعظم محمَّد، حاشا رسول الله نبي الرحمة والهُدى ومكارم الأخلاق، بل إنَّه يحمل معه ملعقة من أجل هذا الغرض وكأنَّ الرسول بحاجةٍ اليه وإلى ملعقته أو أنَّ أدوات الطعام معدومة في السماء أو كأنَّ الأكل بشكله المادي موجود بعد الحياة! إلى هذه الدرجة بلغ التغرير بالمعتوهين والاستخفاف بالدين الحنيف وما يُمثِّل. إنَّها مؤامرة قبل كل شيء على الإسلام من أجل إنزال مستواه وتسخيفه وتشويه صورته وهذه المؤامرة الخبيثة بدأتْ مع أسامة بن «لا دين» في هجمات ١١ أيلول (سبتمبر) ضد برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ولن تنتهي مع آخر إنتحاري في الشويفات وما بينهما المجازر الإرهابية التكفيرية في سوريا.
وبسبب تدحرج كرة الثلج التكفيرية وكبر خطرها الذي سيطال الجميع بدأتْ مملكة آٓل سعود بتنفيذ إجراءاتٍ عقابية صارمة ضد من يقوم بالقتال خارج المملكة الوهابيَّة دشَّنتْها عبر أحد إعلامييِّها الذي شهَّر بدعاة الجهاد من أمثال العريفي وغيره من الذين يدعُون السعوديين للقتال خارج مملكة العائلة! طبعاً لهذا الإجراء أسبابه الداخلية الناجمة عن الخوف من إنتشار النار التكفيرية التي قد تحرق آل سعود وهم لديهم تاريخ من العداوة ولو لفترة قصيرة مع تنظيم «القاعدة». ولكن هذا لا يمنع حكام الحجاز من الاستمرار في رعاية الإرهاب والحرب المفتوحة على سوريا وتدمير البيئة الحاضنة للمقاومة في لبنان. فحكَّام بني سعود لم يعودوا يتلطُّوا حتَّى خلف ورقة التين التي كانت تحجب علاقتهم مع إسرائيل حيث الغزل العلني بين تركي الفيصل وتسيبي ليفني (عميلة «الموساد» السابقة المتخصِّصة بإقامة علاقات جنسيَّة مع «مسؤولين» فلسطينيين) في مؤتمر «دافوس» في سويسرا بلغ حد الصفاقة والوقاحة المفرطة في وقت تهدِّد فيه إسرائيل ما تبقَّى من القدس العربيَّة. ليفني تعرف جيِّداً قطر وحكَّامها السابقين واللاّحقين كما أنَّ إسرائيليين حضروا مؤتمراً في الإمارات فلم لا يخطو «بني سعود» نفس الخطى «وما حدا أفضل من حدا»!
لكن الذي يخرج المرء عن طوره أنَّ هؤلاء العربان المتخلِّفين الذين يكفِّرون المقاومة وشعبها من خلال عقيدتهم الطارئة وتنظيماتهم التكفيريَّة، مازالت هذه المقاومة تلهج باسم فلسطين وقضيَّتها المقدَّسة بينما هم وضعوا أيديهم بأيدي الجزَّارين المغتصِبين. حتى أبناء القضيَّة من الفلسطينيين الإسلاميين، وتحديداً «حماس»، خيَّبوا الآمال بعد أن حضروا السوق الخليجي فاشتروا وباعوا وما سمعناه هذا الأسبوع من أنَّ «حماس» هدَّدتْ بسحب الكتيبة التي كانت تمنع إطلاق الصواريخ على فلسطين المحتلَّة بعد الغارات الصهيونيَّة على غزَّة، يجعلنا في ذهول الى درجة عدم الثقة بأي فصيل أو منظَّمة تدَّعي المقاومة. والحقيقة لم يتوقع أحد هذا السقوط المريع والسريع لحركة «حماس» ونكرانها للجميل وقلة وفائها لمن أحسن اليها أفضل من «إخوانها المسلمين» وعندما تخلَّى عنها آل سعود وحمد وخليفة والصباح وكل ممالك النفط والغاز وكادتْ تفنى لولا المساعدات من سوريا وإيران والمقاومة في لبنان التي درَّبتْها على الصواريخ والإنفاق التي تستعمها الآن في سوريا لقتل جنود الجيش العربي السوري والمقاومين الوطنيين اللبنانيين من الأحزاب الشريفة. لا يمكن للعقل أنْ يُصدِّق ويستوعب كيف يسمح الضمير لفلسطيني من «حماس» بأنْ يترك مقاومة العدو الذي يبعد وراءه بضعة أمتار ليغادر إلى سوريا «للجهاد»؟! «الجهاد» ضد من؟ النظام السوري الذي تعرَّض لغضب كولين باول لأنَّه رفض طرد «حماس» من سوريا؟! والأكثر عهراً من ذلك هو استقبال «حماس» للذين يموتون في سوريا من محازبيها فتحسبهم «شهداء» تماماً كالشهداء الذين سقطوا ضد العدو الإسرائيلي! كما أنه لمن الصعب تصديق أنْ لا نسمع حتَّى كلمة استنكار واحدة من «حماس» بعد التفجيرات التي حصلَتْ في الضاحية أو أمام السفارة الإيرانية ، بل أنها لا تساعد في تسليم ورصد مشتبه بهم في مخيم «عين الحلوة» متهمين بالتفجيرات وكأنَّ الامر لا يعنيها!
للأسف، تقف «حماس» اليوم مع «أقزام ١٤ اآذار» -خصوصاً أذيال آل سعود منهم- مع عرسال وميليشات الاحياء في طرابلس وبقايا المجرم الأسير لتكوين مخطَّط إيجاد بيئة حاضنة للإرهاب التكفيري الوهَّابي يقف في وجه البيئة الحاضنة للمقاومة التي شاء لها التاريخ والجغرافيا والعقيدة الدينية أن تكون شيعية. هذا هو الحلم الصهيوني-سلفي الذي كثر الحديث عنه منذ سنوات عندما بدأت «شيطنة» المقاومة بعد انتصارها المدوِّي على إسرائيل. يومها تمَّ تداول السيناريو بالتفصيل المُمِل وتضمَّن إشعال فتنة مذهبيَّة وإحاطة الضاحية الجنوبية بميليشيات مذهبية مقابِلة لمحاصرتها لكن مشروع الطريق الجديدة ضد الضاحية فشل كما فشل جر المقاومة إلى حرب مذهبية فتمَّ اللجوء إلى التفجيرات الارهابيَّة الجبانة. هذه البيئة الحاضنة للإرهاب التكفيري تسمح بالتمادي باستفزاز شعب مجروح وطائفة أساسيَّة في «شبه الوطن» عندما يتظاهر اصحاب العمائم على اعتقال المجرم المشبوه عمر الأطرش رغم اعترافه بالمشاركة في نقل المجرمين لقتل الناس، فيقول عنه المدعو رئيس هيئة «علماء المسلمين» أنه لم ير منه «إلا خيراً». ولا يقِلُّ موقف «١٤ عبيد زغار» عن حقارة «الطرشان» فيقوموا بتبرير التفجير الإرهابي الجبان ضد شعب المقاومة المنكوب موجِّهين اللوم إلى «حزب الله» بسبب تدخُّله في سوريا.
كم من جهلة وأغبياء مازالوا يؤمنون بأن هناك ثورة في سوريا غير ثورة «أعور الدجَّال»! فإذا كانتْ «داعش» وأخواتها في التكفير والإرهاب لا توجد بينها رحمة على بعضها في قتالها الضاري وحيث تفتك بالمسيحيين وتجبرهم مع الدروز على دخول الإسلام وتقيم إمارة «ظلامية» في مناطق سيطرتها تتضمن جلد النساء وقتل الأطفال وشيّ الرؤوس المقطوعة واستعمالها في لعبة كرة القدم، فكيف ستكون دولة عادلة في سوريا؟!
وإزاء هذه الكارثة الوطنية في بلد خيال الصحرا يصرُّ تمام سلام ورئيسه المسافر (الى تونس مؤخراً والدنيا خربانة) على التدوير والمداورة و«يستقتلان» لتأليف حكومة دوران بعناد لا مبرِّر له بمنع عون عن وزارة الطاقة ( يُحكى عن عناد عون ولكن ناديا عن عرقلة سلام؟!)! لقد وضحتْ المؤامرة المتضمِّنة أنْ تدَّعي السعودية بتسهيل مهمَّة الحكومة الجامعة بعد الضغط الأميركي الكبير عليها، ثم تتعثر هذه الحكومة عند توزيع الحقائب فيستقيل سلام ويؤدي «عسكريته» ثم يقوم بتأليف حكومة أمر واقع أو يحل مكانه سعد الحريري في رئاسة حكومة سنيورية في حال حدوث فراغ رئاسي. ولقد أحسنت قيادة المقاومة لوفائها وتفضيلها لعون على مجرَّد حقائب في حكومة «ملغومة» لأنَّ «حرير التفاهم» مع «التيَّار الوطني الحر» هو أهم وأجدى من كل الحرائر في العالم!
Leave a Reply