من يقرأ تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي يلحظ ان اسرائيل تعاملت مع شعوب المنطقة وانظمتها وفق اساليب مختلفة ومتباينة، فهي سجلت انسحابا كاملا من اراض مصرية كانت احتلتها عام 1967، في اعقاب حرب خاضها الجيش المصري في تشرين ثاني (اكتوبر) 1973، كاد ان يحقق فيها نصرا بائنا، لولا ان تدخلت الولايات المتحدة وأمدت الكيان الصهيوني بجسر من الاعتدة العسكرية المتفوقة، بضمنها طائرات مقاتلة بطيارين اميركيين متطوعين يحملون الجنسية الاسرائيلية، ولولا اختلالات عسكرية في البنية التحتية للجيش المصري، تمثلت في عدم قدرته على توفير غطاء جوي لقطاعاته البرية المتقدمة لاكثر من بضعة أميال.
تلك الحرب وصفها رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون في مذكراته، وكان حينها قائدا لفرقة مدرعات، بان جبهتها على قناة السويس كانت أشبه بقطعة من جهنم، لهول ما انصب فيها من نيران، وما دار عليها من معارك طاحنة، قال عنها رئيس الاركان المصري سعد الدين الشاذلي، ان قواته استخدمت فيها سبعة آلاف مدفع في آن معا، كانت تدك المواقع الاسرائيلية ليلا نهارا.
ثم ان اسرائيل سجلت انسحابا شبه كامل وغير مشروط من جنوب لبنان بعد ان كانت تحتله لسنوات عديدة، اذاق خلالها الشعب اللبناني صنوف الأذى والقتل والتدمير، اجبرها على ذلك الانسحاب المذل، المقاومة اللبنانية الباسلة بما ابتكرته من وسائل قتالية رائدة، يتم تداولها منذ حين في الكليات العسكرية في العديد من دول العالم، لا ادل على ذلك من تلك المعارك التي خاضتها المقاومة في حرب تموز، قهرت فيها اقوى جيش في الشرق الاوسط، وصلت فيها صواريخها الى عمق المدن الاسرائيلية، وكادت ان تضرب تل ابيب، لو كانت اسرائيل استهدفت في تلك الحرب عاصمة اللبنانيين والمقاومة.
في غزة أثمرت المقاومة الفلسطيية عن انسحاب تام للجيش الاسرائيلي من هذه المدينة وبقية المدن في القطاع الصامد، وكان القادة الصهاينة اثناء احتلالهم لها على مدى أربعة عقود يتمنون ان يصبحوا ليجدوا غزة وقد ابتلعها البحر، لضراوة ما شهدوه من الغزيين من مقاومة، تجلت في عمليات استشهادية داخل المدن والمستوطنات الاسرائيلية، ابتكرها وافتى بها الشهيد الشيخ أحمد ياسين، الذي قاد المقاومة وارعب الاسرائيليين من على كرسي بأربع عجلات.
على حدودها مع الاردن من بيسان شمالا حتى وادي عربة جنوبا، انسحبت اسرائيل من جيوب كانت احتلتها في حرب الايام الستة، وابقت على احتلالها لاراض تستثمرها في زراعة الورود وانواع الفواكه النادرة، تصدرها للمجتمعات المخملية في العاصمة الاردنية وعواصم الثراء العربية، وتسمي ذلك عقد استثمار طويل المدى منحته لها الحكومة الاردنية، وفق اتفاق سلام ناعم رعاه الرئيس الاميركي الاسبق بيل كلينتون، أسفر عن قيام سفارة اسرائيلية في ضاحية الرابية في عمان.
هذا النموذج من السلام الناعم تمنت اسرائيل ان تكرره في الضفة الغربية، وكادت ان تنجح بتعاون اطراف فلسطينية تدعي الاعتدال والواقعية، من ابرز هؤلاء رئيس الوزراء في سلطة رام الله سلام فياض، الذي من فرط تداوله بالارقام والملايين والاستثمارات، حسب ان لكل قضية في الدنيا حل اساسه الاقتصاد والمال والاعمال، وكأن الشعب الفلسطيني لا ينقصه اليوم سوى ان يتطلع لحياة يسودها الرفاه والازدهار.
انظر الى ما فعلته اسرائيل منذ قيام السلطة الفلسطينية في الاراضي المحتلة، لا زالت تزج بأكثر من ١١ ألف اسير في سجونها وقطعت اوصال الضفة الغربية الى كانتونات تفصل بينها حواجز عسكرية يقف عليها جنود الاحتلال، واقامت عشرات المستوطنات داخل القدس المحتلة وحواليها وهي تسيطر على الداخلين والخارجين الى منطقة السلطة من خلال سيطرتها على معبر اللنبي على الحدود مع الاردن، وبرغم ذلك تصر السلطة الفلسطينية على ان هناك اساليب سلمية لدحر الاحتلال، ولم تأخذ بالتجارب من حولها درسا تستفيد منه في تعاملها مع الاسرائيليين.
Leave a Reply