وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
عُقدت الأسبوع الماضي جولة جديدة من الحوار العراقي الأميركي الاستراتيجي، وانقسم العراقيون كعادتهم أمام كل استحقاق بين مرحب بنتائج هذه الجولة ومشكك فيها. فبينما أثنى المرحبون واعتبروا الجولة ناجحة على مختلف الصعد لاسيما وأنها خرجت بتعهد أميركي بالانسحاب من العراق بحلول نهاية العام الحالي وامتدت إلى الحديث عن تعاون اقتصادي وتعليمي وصحي، اعتبر المشككون أن التعهد الأميركي بالانسحاب جاء مبهماً بل ملغوماً بفكرة الإبقاء على جزء من تلك القوات على هيئة استشاريين ومدربين، بغرض إبقاء النفوذ العسكري في بلاد الرافدين، خاصة وأن الأميركيين لا يعترفون سوى بوجود 2,500 جندي أميركي على الأراضي العراقية، فيما يؤكد العراقيون وجود أضعاف هذا العدد، لاسيما وأن واشنطن دأبت منذ سنوات على إرسال وحدات خاصة من دون الإعلان عنها.
في السياسة، كان الحوار الاستراتيجي انتصاراً لافتاًَ لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي استطاع الاستحصال على دعم الإدارة الأميركية لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل رغم مقاطعتها من قبل قوى داخلية عديدة على رأسها التيار الصدري.
أما فصائل المقاومة المقربة من إيران فلم تستبشر خيراً بالحوار، وهي التي تصر على رفض بقاء القوات الأميركية في العراق بأي شكل من الأشكال وتحت أي مسمى، متمسكة بمطلب مغادرة القوات الأميركية في بلاد الرافدين التي تمثل العمق الاستراتيجي لطهران إن لم نقل حديقتها الخلفية.
من بين الذين رحبوا بما أفضت إليه جولة الحوار الأخيرة كان تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري إضافة إلى الكرد والتيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر الذي كان أعلن مقاطعته للانتخابات منذ نحو شهر. أما الذين رفضوا نتائج الحوار واعتبروها «مفخخة» فكان على رأسهم طبعاً فصائل المقاومة العراقية مثل «كتائب حزب الله»، و«كتائب سيد الشهداء»، و«عصائب أهل الحق»، و«حركة النجباء»، وفصائل أخرى إضافة إلى عدد لا بأس به من القوى والحركات المدنية على الساحة العراقية وعدد لا يُستهان به من البرلمانيين.
الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية أصدرت، يوم الأربعاء الماضي، بياناً تناولت فيه نتائج الحوار بين الحكومة الحالية والإدارة الأميركية فاعتبرت أن البيان الختامي للجولة الأخيرة من المفاوضات كان «حمّال أوجه»، وفيه الكثير من الإبهام والتدليس وبأن الهيئة بفصائلها لديها قناعة كبيرة بوجود تلاعب بالمصطلحات والعناوين فقط للمماطلة وإطالة أمد الهيمنة والوجود الأميركي الذي فقد شرعيّة وجوده أصلاً بعد قرار مجلس النواب العراقي التاريخي عام 2020، والذي كان تنفيذه من أول تعهدات الحكومة.
وأضاف البيان أن «مطالب المقاومة العراقية ثابتة وواضحة لتحقيق السيادة، وتحرير العراق من الاحتلال تحريراً كاملاً، ورفض كل الذرائع للتغطية على هزيمته وإبقائه بصورة أخرى»، وأكد تأكيداً قاطعاً «عدم حاجة العراق إلى أيّ قوات أجنبيّة بأي شكل من الأشكال». ولفت البيان إلى أن المقاومة ستبقى على «جاهزيتها الكاملة لحين الانسحاب الحقيقي، وسيكون لها إجراؤها وموقفها الذي لن تتردد فيه إذا كان انسحاباً شكليّاً، وأن أي طيران أجنبي في الأجواء العراقيّة سيُعدّ معادياً؛ وسيتم التعامل معه بما يجعل الندم على بقائهم أقلّ ما ينتابهم على كذبهم وخداعهم».
بدوره، الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق»، الشيخ قيس الخزعلي، قال في تغريدة له ليل الأربعاء الماضي، إن الإدارة الأميركية ليست لديها نوايا حقيقية بالخروج من العراق، وإن طيرانها تستعمله لأغراض التجسس، وإنه لا يوجد أية نية لسحب القوات الأميركية من العراق والقضية «كذب وخداع».
وبعد أيام قليلة من جولة الحوار تلك، حط الكاظمي في واشنطن، ضيفاً على البيت الأبيض، حيث استقبله الرئيس الأميركي جو بايدن في لقاء هو الأول بين الرجلين.
وتصدّر المباحثات موضوع انسحاب القوات الأميركية من العراق، ودخول الكاظمي على خط الوساطة بين واشنطن وطهران، في محاولة لحلحلة بعض العقد المتعلقة بالاتفاق النووي وهو ما سينعكس بطبيعة الحال، إذا ما حصل، انفراجاً واسعاً في المنطقة برمتها، قد يترجم بتسويات تدخل في إطارها نزاعات كبيرة طال أمدها من اليمن إلى سوريا ولبنان وصولاً إلى العراق نفسه.
ربما كان هذا ما يرغب الكاظمي في القيام به فعلاً، لكنه بدا ضعيفاً غير قادر على إنجاز مهمة بهذا الحجم، بسبب عدم توفر وحدة القرار السياسي التي تسمح له بأن يتخذ دوراً ريادياً في هذا الملف، وسط الانقسام العمودي الذي تشهده الساحة العراقية إزاء معظم القضايا.
في ختام اللقاء بين الرجلين، تعمّد الرئيس الأميركي إعلان انسحاب قوات بلاده من العراق -رغم كونه مجتزأً-محاولاً إظهار نفسه بصورة الرئيس القوي الذي يفي بوعوده الانتخابية والمنقذ للجنود الأميركيين وإعادتهم إلى حضن الوطن بعيداً عن الخطر المستمر الذي تمثله القوى العراقية الرافضة لوجودهم، ولينهي حقبة من التورط الأميركي في حروب خارجية بدءاً من أفغانستان التي تشهد انسحابا أميركياً هذه الأيام، وصولاً إلى العراق.
وأجمل الكاظمي مخرجات الزيارة التي قام بها إلى واشنطن حيث التقى بايدن وعدداً من المسؤولين الأميركيين قائلاً في تغريدة عبر حسابه على «تويتر»: «غادرنا واشنطن إلى بغداد الحبيبة بعد زيارة ناجحة وتفاهمات اقتصادية وسياسية وثقافية، واتفاق لنقل العلاقة الأمنية إلى التدريب والمشورة وعدم وجود قوات قتالية بنهاية العام».
لكن جملة من التصريحات المتناقضة كانت قد استبقت زيارة الكاظمي، وهي على الأرجح ستكون بانتظاره فور وصوله بغداد، خاصة في ما خصّ موضوع الانسحاب الأميركي من الأراضي العراقية، حيث أكد الكاظمي نفسه على حاجة العراق إلى «الدعم اللوجستي والتدريب». أما التصريح الثاني لوزير خارجيته فؤاد حسين الذي تحدث عن حاجة العراق إلى الوجود «العسكري» الأميركي، وأما الثالث فهو لمستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي الذي رأى أن الحاجة إلى المعسكر الأميركي غير موضوعية وغير ملحّة في هذه المرحلة.
تساؤلات تطرح نفسها حول النوايا الأميركية الحقيقية وعما إذا كان الانسحاب سيقع فعلاً أم لا، وفي حال تنفيذه والإبقاء على عدد محدد من الجنود فما هو عدد هم وما هي طبيعة عملهم؟ هل سيمارسون مهمات استشارية وتدريبية فعلاً أم سيكونون غطاء للقيام بمهمات استخبارية وقتالية غير معلنة؟ الجواب لا يعرفه سوى الأميركيين أنفسهم، لكنّ للولايات المتحدة في هذا المجال تاريخاً لا يبشّر بالخير ويبرر بقوة توجس العراقيين ومخاوفهم وإصرارهم على المقاومة.
وسط كل ذلك، تحدثت مصادر عراقية عن زيارة خاطفة غير معلنة لقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني، التقى خلالها قادة فصائل المقاومة الموالية لإيران بهدف إجراء تقييم لنتائج جولة الحوار الأخيرة بين الأميركيين والعراقيين، لكن مصادر عراقية أخرى موثوقة نفت لـ«صدى الوطن» حدوث هذه الزيارة وأكدت عدم دخول قاآني الأراضي العراقية.
وربطاً بكل ما سبق، أفاد مصدر أمني عراقي، الخميس الماضي، باستهداف محيط السفارة الأميركية في العاصمة بغداد بصاروخي كاتيوشا في رسالة واضحة تؤكد استمرار فصائل المقاومة العراقية في المسار نفسه وهو إخراج الولايات المتحدة من البلاد بالقوة وبالنار.
Leave a Reply