خليل إسماعيل رمَّال
هناك نظرية لما يحدث فـي لبنان تتلخص بالآتي: لأن شبه الكيان وُلِدَ جهيضاً (أي طُرح بالعامية)، كوطن قومي للطائفة المالكة فقط، على يد القابلة غير القانونية الفرنسية المجرمة (مثل شاكلة الرئيس الإشتراكي المتصهين فرانسوا هولاند الذي يزور لبنان للترويج لتقسيم سوريا وتسوية قضية اللاجئين السوريين فلا قدم أهلاً ولا وطأ سهلاً) فإن هذا المخلوق العجيب لم يعرف النمو الطبيعي فـي حياته وبالتالي ُوضع على آلات التنفس الاصطناعي فعاش فـي وقتٍ مستقطع ومستعار طيلة هذه المدة فـي انتظار أنْ يسحب أحدهم فـي أي لحظة السلك عنه.
لبنان فـي حالة الموت السريري لإصابته بالمرض الطائفـي الاقطاعي منذ ولادته المشوَّهة وهذا المرض لن يحل عنه أبداً!
هذا قد يقدم تفسيراً مقبولاً لما يحدث فـي «شبه الوطن» من خضات أمنية وحروب أهلية كل عدة سنوات، ويوضح سر عدم قدرة هذا النظام على أنْ يحكم نفسه إلاَّ من الخارج. وإلا ما كنه هذه الظواهر العجيبة فـي بلد الغرائب؟ حتى الحراك الشعبي تجاه مطالب معيشية ومبدئية وأساسية محقة، تم تحويره واللعب فـيه وخرقه وخردقته وتمييعه وحرفه، إلى ما هنالك من أوصاف ومسميات. فمطلب الشعب بازالة النفايات من قبل زبالة الحكَّام لم يتم، واستقالة وزير البيئة محمد المشنوق لم تحصل والسبب كما قال، وهو حزين على المضربين عن الطعام أمام وزارته، عدم الإخلال بالتوازن فـي مجلس الوزراء! الإخلال بالتوازن، والنّاس تكاد تموت اختناقاً ركام من القمامة وانقطاع الماء والكهرباء وزاد الطين بلة مؤخراً وصول عاصفة رملية كان لبنان غير مهيأ لها وهو غير مستعد أساساً لأي طاريء بتاتاً بأجهزته ودكاكينه السياسية التي تنخرها الطائفـية وعلى رأسها جيشٌ من المحاسيب الاغبياء المُعيَّنين بالواسطة من دون كفاءات ولا شهادات؟! أما مطلب محاسبة وزير الداخلية ففـي خبر كان وكأنه غير مطروح، وكذلك الإفراج عن المعتقلين الذين يُحاكمون فـي محكمة عسكرية بتُهم ما أنزل القانون بها من سلطان وبشكل مغاير لكل نواميس البشر. ولكن يجب ألاَّ ننسى، فنهاد المشنوق وساسة لبنان يعتبرون التظاهر حقاً مقدَّساً (نظرياً فقط حتى يتم القبض على المتظاهر).
الحراك الشعبي فشل ليس لأنه تنقصه الحماسة، بل لأن النظام أقوى منه، وعصيّ على الإصلاح، فكيف اذا تكتل أهل النظام والسلطة لإسقاطه وتلقينه درساً لا ينساه لانه فلت منهم فـي غفلةٍ من الزمن وكاد أنْ يسحب منهم جمهورهم الطائفـي الذي حملهم على الأعناق مثل ميشال المر الذي نسي المشي على رجليه من كثرة حمله على الرؤوس.
لبنان يدفع جزية ولادته الجهيضة بعكس الطبيعة، وذلك بفشل نظامه وسقوط حكمه وتفشي الفساد والكوارث البشرية قبل الطبيعية، لكنه باق رغم أنَّ إكرام الميت، ولو سريرياً، يكون بدفنه، لكن الظاهر انه سوبر نظام أو «سوبرمان» الأنظمة بل هو قادر على إحباط أي تحرك ضده وكلما اشتدت الأزمة كلما انفرجت معه وابتدع مخرَجَاً لها. والمخرَج اليوم هو حوار الكتل النيابية. ولبنان أكثر بلد فـي العالم ألَّف لجان حوار لكنها لم تمنع حروبه الأهلية المتكررة، وأكثر بلد عُقِدَتْ فـيه وحوله مؤتمرات صلح أسَّسَتْ لنزاعات تالية. كم أهدر المتحاربون الوقت على تفاهات طاولات الحوار المستديرة منذ انطلاق الجولات العسكرية وبداية الحرب الأهلية عام ١٩٧٣ وحتى اليوم؟! وكم حوار أَوقَفَ فعلاً حرباً واحدة من الحروب الطاحنة، ما لم يكن مقترناً بإرادة خارجية؟!
لكن النظام اللبناني رغم إجرامه فهو مهضوم. فها هو يحاور نفسه بنفسه نيابيةً عن الشعب اللبناني الذي سحب عنه الشرعية والمبايعة الشعبية والغطاء القانوني، ويتحاور مع ذاته فـي نفس المجلس النيابي الذي هجره طول الوقت ما عدا المناسبتين الإثنتين النادرتين عندما فاضت قاعاته عن اللازم من أجل التمديد لنفسه مرَّتين، أما مشاريع النَّاس وهمومهم ومعيشتهم فلم تلفت عناية النوَّاب وبالتالي لم تتطلب منهم عناء الحضور للمجلس. ثم بعد نصف يومٍ عمل حواري مضنٍ للنواب، تعبوا حضراتهم من الجهاد فـي سبيل حقوق النَّاس فتأجَّلت جلسة الحوار الثانية أسبوعاً كاملاً ليوم الأربعاء المقبل. لمَ العجلة؟! وهل هناك حدث طاريء فـي البلد؟ لا ما فـي شي فالبلد أكثر استقراراً من السويد.
لا ندري النتيجة من حوار الطرشان هذا وليس على جدول أعماله أي بند مطلبي أو معيشي ولماذا يتحاور النوَّاب أصلاً والكل يعرف أنَّ قرار انتخاب الرئيس ليس فـي ساحة النجمة بل فـي الخارج الإقليمي والدولي وانهم مجرد حجارة دمى ينفذون ما يُرسَم لهم ما عدا القلة القليلة.
نتائج باهرة والله، ستطلع من هذا الحوار فـي زمن النفايات. والمثل يقول الذي يجرب المجَرَّب عقله مخرَّب!
Leave a Reply