خاص “صدى الوطن”، وكالات
مع سقوط أنظمة عربية وتضعضع أخرى، وفي ظل الفوضى التي تعم الشارع العربي، يتعزز لدى المراقبين الاعتقاد بأن جماعة “الإخوان المسلمين” في طريقها الى الوصول الى سدة القرار في العديد من البلدان العربية، وجاء إعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الأسبوع الماضي عن “استئناف” الحوار مع الجماعة ليؤكد التوجسات في الشارع العربي ولاسيما لدى التيارات الرافضة لتسلم الإسلاميين الحكم.
ولكن على أرض الواقع، تبقى جماعة “الإخوان المسلمون” الأقوى في الشارع العربي مستفيدة من وجهها المعتدل، الذي يزيد اعتدالا، مع الظهور المفاجئ للتيارات السلفية المتشددة في دول مثل مصر وتونس، ما يجعل من وصولها الى الحكم وقبول الشارع بها أكثر واقعية من أي وقت مضى.
كما أثار الحوار الذي أعلنت عنه كلينتون مع الجماعة مخاوف بين القوى السياسية المصرية والعربية من أن يؤدي هذا الحوار إلى اتفاق غير معلن بين الجماعة وبين الإدارة الأميركية تتحول بموجبه الجماعة إلى القوة السياسية الأولى في مصر المدعومة بالرضا الأميركي، وهو ما تزامن مع صعود للجماعة مدعوماً بالشعبية في الشارع العربي عامة، والمصري خاصة.
وتحاول جماعة “الإخوان المسلمين” عبر أحزابها والتيارات المتحالفة معها الفوز بالانتخابات التشريعية في مصر (حزب الحرية والعدالة) وتونس (حزب النهضة)، كما أنها تواصل الضغط على النظام السوري، وتزيد من نفوذها في الأردن، وتسيطر تدريجياً، حسب المراقبين، على المجلس الانتقالي الليبي.
وفي مصر، وبعد أقل من أسبوع على إعلان جماعة “الإخوان المسلمين” عدم مشاركتها في مظاهرة مليونية دعت قوى المعارضة المصرية إلى تنظيمها في ميدان التحرير، عادت الجماعة لتعلن، وبشكل مفاجئ، مشاركتها في الاحتجاجات التي ترفع شعار “جمعة الثورة أولاً”، في وقت تزايدت فيه مخاوف من تفجر أعمال عنف خلال تلك الاحتجاجات، دفعت وزارة الصحة إلى إعلان حالة الطوارئ.
وجاء حجم مخاوف القوى السياسية المصرية من الحوار المرتقب بين الإخوان المسلمين وبين الإدارة الأميركية بالنظر إلى أن هذه هي أول مرة تعلن فيها الإدارة الأميركية عن حوار علني مع أي قوى سياسية مصرية، خاصة وأن الإعلان الأميركي قوبل بترحيب من الجماعة التي لم تنكر وجود حوار سابق بين الجماعة وواشنطن حتى قبل سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك.
وطالبت القوى السياسية المصرية التي يبدو أنها فوجئت بالإعلان الذي جاء من جانب وزيرة الخارجية الأميركية نفسها، وعلى لسانها بأن يكون الحوار المرتقب بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وبين الإدارة الأميركية حواراً شفافاً، وأن تعلن نتائج هذا الحوار على الرأي العام المصري.
من ناحيتها، حاولت جماعة الإخوان المسلمين التقليل من مخاوف القوى السياسية المصرية من حوارها المرتقب مع الإدارة الأميركية. وقال الناطق باسمها محمود غزلان إن الجماعة “ترحب بالحوار وتأمل أن يكون هذا الحوار مقدمة لأن تغير الإدارة الأميركية من مواقفها تجاه القضايا العربية والإسلامية”، وما اعتبره غزلان “مواقف الإدارة الأميركية في الماضي يتمثل مساندة ما وصفه بالأنظمة الحاكمة الفاسدة المستبدة في العالم العربي ودعم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والكيل بمكيالين فيما يخص قضايا الشعوب العربية”.
وأكد غزلان رفضه أي سياسة أميركية تستهدف فرض الوصاية على مصر فالشعب لم يقم بهذه الثورة ليتحرر من أسر النظام ليقع في أسر آخر.
يشار الى أن كلينتون أعلنت مؤخرا أن الولايات المتحدة ستستأنف الاتصالات مع الإخوان المسلمين في مصر مؤكدة أنه من مصلحة واشنطن التعامل مع الأطراف الملتزمة بالأنشطة السياسية التي لا تتسم بالعنف.
وقالت كلينتون، خلال مؤتمر صحفي في بودابست، إنه “نظرا لتغير المشهد السياسي في مصر؛ فمن مصلحة الولايات المتحدة التعامل مع كل الأطراف السلمية الملتزمة بنبذ العنف، التى تعتزم التنافس في انتخابات البرلمان والرئاسة”. وأضافت أن بلادها تواصل التأكيد على أهمية المبادئ الديمقراطية ودعمها، خاصة الالتزام بنبذ العنف، واحترام حقوق الأقليات، وإشراك المرأة بشكل كامل في أي نظام ديمقراطي.
وأشار المراقبون إلى أن الإدارة الأميركية تعتزم هذه المرة أن يكون الحوار مع الجماعة على جميع المستويات حتى الكوادر الصغيرة وليس القيادات فقط وتعد هذه هي المرة الأولى التي تعلن التحاور مع الجماعة بمختلف مستوياتها.
تباين موقف الإخوان المسلمين
من جانبه قال الدكتور محمد سعد الكتاني الأمين العام لحزب “الحرية والعدالة”: إن الجماعة ترحب بأي اتصالات رسمية مع الولايات المتحدة كوسيلة لتوضيح رؤية الجماعة في الشأن العام والقضايا المختلفة مؤكدا رفضه التام للتدخل الأميركي في الشؤون الداخلية للبلاد.
وبترحاب حذر قال الدكتور رشاد البيومي نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين نحن نربأ بأنفسنا التعامل مع الإدارة الأميركية التي كانت تدعم الديكتاتوريين في العالم العربي مؤكدا على ضرورة التفريق بين علاقة الجماعة بالمجتمع والشعب الأميركي وبين علاقتها بالحكومة الأميركية بقوله “نحن نتصل بمؤسسات مدنية أميركية مستقلة ومنظمات مدنية اجتماعية، لكن ليس لنا أي اتصالات رسمية بالحكومة الأميركية، وإن حدث ذلك فسيكون عبر وزارة الخارجية المصرية فقط”. وشدد على أن الجماعة لن تفرط في مواقفها وثوابتها تجاه القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن اللغة المغايرة في خطاب الإدارة الأميركية لا يصب إلا في خدمة المخطط الأميركي-الصهيوني.
انقسام إخوان سوريا
وعلي المسار السوري، توقع مصدر سوري معارض في باريس، أن ينعقد قريبا في العاصمة الأردنية عمان اجتماع طارئ لمجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وهو مجلس لا انعقاد له إلا كل عامين في دورته العادية.
وقال المصدر إن قبول الاخوان المسلمين المشاركة في لقاء باريسي مع تجمع لمثقفين وسياسيين فرنسيين معروفين بتأييدهم الشديد لإسرائيل قد أدى إلى تفجير خلافات داخل التنظيم السوري لحركة الإخوان المسلمين كانت قد بدأت منذ مؤتمر انطاليا.
ويأخذ الجناح الذي يقوده محمد فاروق طيفور على الزعيم الحالي للإخوان المسلمين رياض الشقفة تراكم الأخطاء التي لا يستفيد منها سوى النظام السوري، وتكراره الأخطاء التي كان يأخذها على قيادة صدر الدين البيانوني السابقة. ويعتبر جناح طيفور أن رياض الشقفة قام بتغطية مشاركة ملهــم الدروبي في هذا اللـقاء الذي يسيء إلى صورة الاخوان المسلــمين، وقبوله بالمشاركة في الوفد المنبثق عن مؤتمر انطاليا، وتعرضه لانتقادات من معارضة الداخل التي لا توافق على استراتيجية انطاليا، ما أدى إلى مقاطعة من لجان المعارضة الداخلية للإخوان المسلمين وإقصائهم عن الحوارات التي تجري في الداخل، منذ انطاليا حتى الآن.
تفاوض مع القذافي
وفي ليبيا، أعلن نائب وزير الخارجية الليبي، خالد الكعيم، أن الاتصالات بين طرابلس وبنغازي مستمرة في عدة عواصم أوروبية، مؤكدا أن هدف حكومته هو تحاشي حمام دم وحرب أهلية في ليبيا، وقال الكعيم ان “هذا الحوار” قائم، ولكنه عزا المواقف المتناقضة إلى كون المجلس الوطني الانتقالي، “لا يتحدث بصوت واحد”.
وأوضح الكعيم، أن “المجلس الوطني الانتقالي ليس هيئة متجانسة، هو يتألف من فصائل مختلفة”، مؤكدا أن جناح الإخوان المسلمين داخل المتمردين هو “الأكثر ضلوعا” في هذه المفاوضات.
Leave a Reply