نبيل هيثم
حسمٌ للصراع ام جنوحٌ الى مزيد من التصعيد؟
لعلّ هذا السؤال هو ما يقلق كثيرين اليوم، بعد الخطوة الجريئة التي اتخذها الحوثيون فـي اليمن، الاسبوع الماضي، لحسم الصراع السياسي المحتدم فـي البلاد منذ بدء الثورة على الرئيس السابق علي عبد الله صالح فـي مطلع العام 2011، والذي بلغ ذروته فـي الربع الاخير من العام 2014، بعد فشل الفقراء السياسيين فـي تنفـيذ مخرجات الحوار الوطني، الذي كان يفترض ان تشكل خريطة الطريق للمرحلة الانتقالية للعهد الجديد فـي البلاد، وما تلاه من اتفاقيات، كان ابرزها «اتفاق السلم والشراكة» الذي تم التوافق بشأنه، برعاية الوسيط الاممي جمال بن عمر، غداة سيطرة جماعة «انصار الله» الحوثية على صنعاء فـي ايلول الماضي.
وبالرغم من ان «الإعلان الدستوري» الذي اصدره الحوثيون، لتحديد الإطار السياسي الجديد لإدارة اليمن فـي المرحلة المقبلة، بعد الفراع الذي خلفته استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، قد حسم الصراع السياسي نظرياً، وصوّب مساراً ملتبساً كرّسته المبادرة الخليجية للعام 2012، إلا أن التناقضات السياسية فـي الداخل والخارج تجعل البلاد مرشحة لتجدّد الصراع، وان بشكل جديد خلال المرحلة المقبلة، وفق سيناريوهات عدّة، اخطرها الانزلاق نحو الحرب الاهلية.
وفـي العموم، فإن الخطوة الحوثية الاخيرة، التي اتت بعد اشهر من مراكمة الانجازات الميدانية على امتداد المحافظات اليمنية، قد شكلت خطوة مفصلية فـي مسار الصراع السياسي فـي اليمن، وكانت بمثابة «خيار الضرورة» الذي فرضه الحوثيون على القوى السياسية، بعد الفراغ الذي خلفته استقالة رئيس الجمهورية وحكومة الوحدة الوطنية، بصرف النظر عن الاختلاف فـي التوصيف بين من اعتبرها «موجة ثورية» أو «انقلاباً ميليشياوياً». وكان واضحاً خلال العامين الماضيين ان قطار التغيير الذي كان يفترض ان ينطلق بعد تنحي الرئيس علي عبد الله صالح قد اصطدم بمعوقات كبيرة افضت الى دخول البلاد فـي حالة فراغ سياسي، مصحوباً بتوترات امنية غير مسبوقة، وهي معوقات يمكن ارجاعها الى عاملين.
العامل الاول، هو ارث علي عبد الله صالح نفسه، الذي خلف وراءه دولة مفككة. ولعل التجارب التاريخية اظهرت ان عملية التغيير غالباً ما تكون ضمن احد سيناريوهين: الدولة القوية والدولة المفككة. وحين تنهار السلطة السياسية فـي ظل دولة قوية فإن عملية الانتقال الديموقراطي تكون سهلة بالنظر إلى وجود ركائز قوية يمكن الاستناد إليها. أما حين تنهار السلطة السياسية فـي ظل دولة مفككة فتصبح مسيرة الانتقال الديموقراطي مزدوجة إذ تتطلب إعادة توحيد المجتمع وبناء الدولة من جديد فـي آن معاً، ما يجعل المرحلة الانتقالية تطول، وهو ما يحدث حالياً فـي اليمن.
اما العامل الثاني، فمرتبط بالمحطة الاولى من مسيرة التغيير المفترضة، والمتمثلة فـي المبادرة الخليجية التي كانت اقرب الى صفقة سياسية اقتصرت على فكرة المشاركة بين الحزب الحاكم والمعارضة فـي حكومة وحدة، ومنحت الحصانة للرئيس السابق، وجعلت نائب الرئيس رئيساً توافقياً مؤقتاً بصلاحيات محدودة، تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية جديدة، ومن ثم اقرار الدستور الجديد، واستفتاء الشعب عليه، وهو ما لم يحدث.
ويضاف الى العاملين السابقين، وهما داخليان بامتياز، عوامل اخرى خارجية، تتمثل فـي احتدام الصراع الخليجي-الخليجي بداية (قطر والسعودية)، والصراع الاقليمي ثانياً (الخليج وايران)، وصواعق التفجير المنتشرة فـي الوطن العربي عموماً، واخطرها برميل البارود الذي يمثله تنظيم «داعش» واخواته، وعودة الولايات المتحدة الى الاقليم تحت شعار «محاربة الارهاب».
كل ذلك، مهد للحسم الذي جاء هذه المرة من القصر الرئاسي، بعدما وضع الحوثيون قواعد جديدة للمرحلة الانتقالية، عبر «الاعلان الدستوري» الذي حلّ بموجبه البرلمان (الذي ظل «حزب المؤتمر الشعبي العام» بزعامة علي عبد الله صالح مهيمناً عليه حتى بعد تنحيه)، وتشكيل مجلس وطني انتقالي من 551 عضواً، من قبل «اللجنة الثورية»، لضمان تمثل كافة القوى السياسية، وتكون مهامه التشريع وانتخاب مجلس رئاسي خماسي، فضلاً عن تشكيل «حكومة كفاءات» وطنية.
وعلاوة على «تصفـير» الحوثيين لـ«عدّاد» المرحلة الانتقالية، وهو ما يعني ان قواعد اللعبة السياسية ما بعد «الاعلان الدستوري» ستكون مختلفة عمّا قبله، فإن البعد الاقليمي للخطوة الحوثية لا يقل اهمية عن البعد الداخلي.
وكان ملفتاً ان «الاعلان الدستوري» تضمّن اشارتين بالغتين فـي الاهمية، الأولى تمثلت فـي التزام الدولة، وخلال مدة أقصاها عامين، بالعمل على إنجاز استحقاقات المرحلة الانتقالية على اساس مرجعيتي الحوار الوطني واتفاق «السلم والشراكة»، من دون ذكر للمبادرة الخليجية، ما يعني انهاء عهد الوصاية السعودية الأميركية على اليمن. اما الثانية فكانت الاشارة الى «التزام مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل فـي الشؤون الداخلية واعتماد الوسائل السلمية فـي حل المنازعات»، فـي ما بدا رسالة طمأنة لقوى اقليمية عدّة، من بينها مصر.
ومن غير الواضح بعد، ما اذا كان الحوثيون سينجحون فـي المضي قدماً فـي خطوة «تصحيح المسار»، على حد وصف السيد عبد الملك الحوثي للخطوة الاخيرة، ام لا، خصوصاً ان ثمة تحديات كبرى تنتظرهم داخلياً، وقد بدأت بالظهور منذ صدور «الاعلان الدستوري»، حيث سارعت احزاب عدّة، ابرزها «المؤتمر الشعبي العام» (حزب علي عبد الله صالح) و«حزب البعث» و«التنظيم الناصري الوحدوي» و«الحزب الاشتراكي» و«حزب الاصلاح» (اخوان مسلمون) الى رفض الاجراءات الجديدة، التي قوبلت كذلك بمعارضة بعض قوى «الحراك الجنوبي» و«مجلس شباب الثورة»، فـيما توعدت قبائل مأرب وشبوة وحضرموت بحمل السلاح، ما ينذر بتحديات امنية قد تواجه «انصار الله» فـي المرحلة المقبلة، وفق سيناريوهات متفاوتة تبدأ بتصعيد تنظيم «القاعدة» عملياته ضد الزيديين، وربما تنتهي بحرب اهلية.
فـي المقابل، فإن الحوثيين بدوا عازمين على نزع فتيل التفجير الداخلي، وهو ما تبدى فـي اعلان عبد الملك الحوثي، بعد يوم من «الاعلان الدستوري»، ان «ثمة فرصة حقيقية للقوى السياسية أن تصحح خطواتها، وأن يكون هدفها مصلحة الوطن، ويدنا ممدوة للجميع»، مشيراً إلى أن «القوى السياسية أمام اختبار حقيقي بين تحقيق مصلحة الشعب أو أن تسقط أمام أنانيتها»، فاتحاً بذلك الباب امام توافق سياسي، وهو ما اتاح الفرصة امام المبعوث الاممي جمال بن عمر الى اعادة جمع الاطراف السياسية فـي جولة جديدة من الحوار الوطني، بعد توقف المحادثات عشية «الاعلان الدستوري».
ولعل التحديات الخارجية لا تقل اهمية عن تلك الداخلية، فتسلم الحوثيين الحكم فـي اليمن سيدفع السعودية الى فرض مزيد من الضغوط داخلياً ودولياً ضد الحكم الجديد، خصوصا ان هذه هي المرة الأولى منذ سقوط دولة اليمن الجنوبي عام 1991، التي تتمكّن فـيها قوة مناوئة للسعودية من الصعود إلى الحكم بهذا الشكل، فـي بلدٍ لطالما اعتبرته المملكة النفطية حديقة خلفـية، ويمتلك ثقلاً استراتيجياً وأمنياً كبيراً، يتمثل خصوصاً فـي اهمية مضيق باب المندب.
ومع ذلك، فإن السعودية تبدو اليوم فـي اليمن ذئباً من دون انياب، بعدما فقدت حلفاءَها الاساسيين فـي البلاد، وبعدما باتت تحت تهديد مباشرة من تنظيم «القاعدة» الناشط بكثافة فـي اليمن.
وكان واضحاً خلال السنوات الاربع الماضية، ان السعودية تعرضت لفشل مدوّ فـي اليمن، حيث لم تستطع تأمين خاصرتها الجنوبية، نتيجة لاسباب عدّة، قد يكون ابرزها غياب الاستراتيجية الواضحة فـي هذا البلد، وتغليب المصالح الضيقة على الحسابات الطويلة الامد.
و فـي المقابل، فإن المقاربة الايرانية للوضع اليمني كانت اكثر ذكاء، ويمكن وضعها فـي سياق استراتيجي، وهو ما تبدّى منذ الحرب الاولى بين الحوثيين ونظام علي عبد الله صالح (الحروب الست التي خاضوها منذ العام 2004، وابرزها الحرب الاخيرة التي كانت السعودية طرفاً مباشراً فـيها). وكان واضحاً ان الايرانيين قد اعتمدوا سياسة دعم الحركة الحوثية، مع الحفاظ على مسافة واضحة من الصراع الداخلي الدائر، وهي سياسية اثبتت نجاحها، فـي ظل توقعات بأن تشهد العلاقات بين اليمن والجمهورية الاسلامية تطوراً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة.
اما الولايات المتحدة، فمن الواضح انها تعتمد سياسة براغماتية للتعامل مع الواقع الجديد فـي اليمن، وقد كان لافتاً فـي هذا الإطار، تنديد الادارة الاميركية بالخطوة الحوثية، مع التأكيد فـي الوقت ذاته على اهمية «استمرار العمل مع قوات مكافحة الارهاب فـي اليمن»، ما يعني ان ثمة ميلاً اميركياً لعدم التصعيد ضد الحوثيين باعتبارهم القوة الضاربة حالياً فـي وقف تمدد تنظيم «القاعدة» فـي شبه الجزيرة العربية… لتجد اميركا نفسها هذه المرّة مضطرة الى القبول بمعادلة فرضتها عليها حركة «ممانعة» ما زال شعارها «الله اكبر.. الموت لامريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام»!
نص الإعلان الدستوري
فـي الآتي نص الإعلان الدستوري الذي أصدرته «اللجنة الثورية» التابعة لجماعة «أنصار الله» فـي اليمن.
1. يستمر العمل بأحكام الدستور النافذ ولا تتعارض مع أحكام هذا الإعلان.
2. ينظم الإعلان قواعد الحكم خلال المرحلة الانتقالية.
3. الحقوق والحريات العامة مكفولة وتلتزم الدولة بحمايتها.
4. تقوم السياسة الخارجية للدولة على أساس الالتزام بمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل فـي الشؤون الداخلية واعتماد الوسائل السليمة والسلمية فـي حل المنازعات والتعامل، لتحقيق المصالح المشتركة بما يحفظ سيادة الوطن واستقلاله ومصالحه.
5. اللجنة الثورية تتفرع عنها لجان ثورية فـي المحافظات والمديريات فـي أنحاء الجمهورية.
6. يشكل من اللجنة الثورية مجلس وطني انتقالي عدد أعضائه 551 عضواً يحل محل مجلس النواب المنحل ويشمل المكونات غير الممثلة فـيه، ويحق لأعضاء المجلس المنحل الانضمام اليه.
7. تحدد اللائحة الداخلية للمجلس نظام عمله وحقوق وواجبات أعضائه.
8. يتولى رئاسة الجمهورية فـي المرحلة الانتقالية مجلس رئاسة مكوّن من 5 أعضاء ينتخبهم المجلس الوطني وتصادق عليه اللجنة الثورية.
9. تحدد اللائحة الداخلية للمجلس نظام عمله وحقوق وواجبات أعضائه.
10. يكلف مجلس الرئاسة من يراه من أعضاء المجلس الوطني أو من خارجه بتشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية.
أحكام عامة وختامية:
12. تختص اللجنة الثورية باتخاذ كل الإجراءات الضرورية لحماية سيادة الوطن وأمنه واستقراره وحماية حقوق وحريات المواطنين.
13. تحدد اختصاصات المجلس الوطني ومجلس الرئاسة والحكومة بقرار مكمل للإعلان تصدره اللجنة الثورية.
14. تلتزم سلطات الدولة الانتقالية خلال مدة أقصاها عامين بالعمل على إنجاز استحقاقات المرحلة الانتقالية من مرجعيتي الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، ومنها مراجعة مسودة الدستور الجديد وسن القوانين التي تتطلبها المرحلة التأسيسية والاستفتاء على الدستور تمهيدا لانتقال البلاد الى الوضع الدائم وإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية وفقا لأحكامه.
15. تستمر التشريعات النافذة ما لم تتعارض صراحة أو ضمنا مع نصوص هذا الإعلان.
16. يعد هذا الإعلان نافذا من تاريخ صدوره.
الحوثيون: من صعدة إلى العالم!
لم يكن متوقعا أن يصبح «أنصار الله» فـي يومٍ ما حكاماً بعد أن كانوا محكومين.
ويطلق على هؤلاء الذين ينتمون الى المذهب الزيدي الشيعي القريب فقهيا من السنة، والمتهمين بالتقارب عقائديا مع المذهب الشيعي الاثني عشري، اسم الحوثيين تيمنا بزعيمهم الروحي الراحل بدر الدين الحوثي ونجله حسين الحوثي الذي قتلته القوات اليمنية فـي العام 2004.
ويتخذ الحوثيون حاليا بشكل رسمي اسم «أنصار الله» الا ان الكيان السياسي الاول الذي اسسوه كان «حركة الشباب المؤمن» الذي ظهر فـي العام 1992 كتجمع سياسي مندد بـ«التهميش» الذي يعاني منه سكان شمال غرب اليمن، معقل الزيديين الذي يشكلون نسبة ثلث السكان فـي اليمن تقريبا.
وخاض الحوثيون بين 2004 و2010 ست حروب مع صنعاء خصوصا فـي معقلهم الجبلي فـي صعدة، كما خاضوا حربا مع السعودية بين 2009 ومطلع 2010 فـي اعقاب توغلهم فـي اراضي المملكة.
وتعيد الظاهرة الحوثية اشباح ماضي الامامة الزيدية مع تاكيد آل الحوثي انتماءَهم الى آل البيت وانتسابهم الى ارث ائمة الممالك الزيدية التي حكمت شمال اليمن طوال الف عام تقريبا.
واستمر حكم الائمة فـي شمال اليمن حتى العام 1962 حين اطاحت بالامام البدر ثورة تهيمن عليها شخصيات سنية واستمر الصراع فـي السبعينات بين انصار الزيدية والجمهوريين السنة. لكن الزيدي علي عبد الله صالح حكم اليمن اعتبارا من العام 1978 واقام الوحدة مع دولة اليمن الجنوبي الاشتراكية، ثم قمع فـي 1994 محاولة قادها جنوبيون للانفصال مجددا، كما خاض ست حروب مع الحوثيين.
وبرغم الطابع الطائفـي لحركتهم، يقيم الحوثيون شبكة علاقات تتخطى الاطار الزيدي الشيعي، بنسجهم تحالفات مع قبائل زيدية وسنية معادية لتكتل حاشد القبلي النافذ وخصومهم الابرز آل الاحمر.
ستة حروب بِحُلْوِها ومُرِّها خاضها الحوثيون منذ العام مع نظام صنعاء وجيشها ورغم ما قيل ويقال عن هذه الحرب ولغزها الذي يرى الكثير من النقاد أنه لم يُحل، خصوصا بعدما اسهمت فـي تمكين الحوثيين لأنفسهم فـي صعدة، وتوطيد أركانهم فـيها وصولا الى حكمها، وقبل ذلك التزود بالعدة والعتاد على مدى الحروب الستّ، وبعدها التمدد باتجاه عمران، ومنها الى صنعاء، ناهيك عن دقهم آخر مسمار فـي نعش «حزب الإصلاح» وآل الاحمر، واخيراً تسلمهم الحكم فـي اليمن، بما لذلك من تداعيات اقليمية (على السعودية خصوصاً)، وعالمية (مضيق باب المندب).
Leave a Reply