ديترويت – «صدى الوطن»
نشرت صحيفة «ديترويت فري برس» الأسبوع الماضي تقريراً مطولاً عن «الحي الكلداني» المنكوب فـي ديترويت والذي لم يبق صامداً فـيه سوى متجران يملكهما كلدان أميركيون هم آخر من قرروا البقاء فـي هذه المنطقة التي كانت فـي غابر الأيام تعج بالحياة والمهاجرين قبل أن يهجرها أهلها عبر السنوات مع تدهور الوضع الأمني وتفشي الجرائم، بحسب الصحيفة.
الحي الكلداني أو الـ«كالديان تاون»، يقع على الضفة الشمالية من الميل السابع بين شارعي وودورد وجون آر، وقد أصبحت معظم مبانيه ومنازله مهجورة ومدمرة لكنها لا تزال تحمل الكثير من الذكريات الجميلة للجالية الكلدانية.
|
||
آخر الكلدان الصامدين فـي الحي، بحسب تقرير «فري برس»، هما جوزيف وستيف كاوا، صاحبا ملحمة «أس أند جاي» على الميل السابع، الى جانب مطعم شعبي يملكه كلداني أميركي آخر. |
«نحن ربما بحاجة لإقفال المحل والهرب من هنا»، قال جوزيف كاوا، البالغ من العمر ٦٦ عاماً وهو صاحب ملحمة صغيرة على الطراز القديم فـي قلب ما كان يُعرف سابقاً بالحي الكلداني. ولسنوات مديدة، كانت هذه المنطقة أول محطة وموطن للكثير من المهاجرين الكلدان الذين اشتروا المنازل، وافتتحوا المتاجر على طول الميل السابع الذي كان ينبض بحياة تجارية مزدهرة ومزدانة بالمطاعم والأفران والمحلات ذات النكهة الشرق أوسطية المميزة.
«كان شيئاً جميلاً»، قال ستيف كاوا (٥٧ عاماً)، وهو يقف وراء ميزان اللحوم مرتدياً ثوب القصّاب الأبيض ومنتظراً خدمة الزبائن. أكمل ستيف قائلاً «كنا فـيما مضى نبقى هنا كل ليلة، ولم يكن يزعجنا أحد. كان الجميع سعداء للغاية».
لكن كل هذه الذكريات ذهبت منذ زمن طويل أدراج الرياح. فمن بين عشرات الشركات التجارية الصغيرة التي كان يملكها ويديرها كلدان أميركيون على الميل السابع، لم يبق الا محلان اثنان قد لا يصمدان لفترة طويلة، بحسب الصحيفة.
وقال جوزيف «فـي بعض الأحيان أقوم بفتح الملحمة حوالي الساعة التاسعة صباحاً وأغلقها بحلول الساعة الخامسة والنصف مساء ولا أرى وجه زبون واحد طوال هذا الوقت»، وتساءل «لماذا أبقى هنا؟ لهدر وقتي؟ الأمر لا يستحق كل هذا العناء».
فـي الحقيقة، بقاء الملحمة فـي هذه الوضعية يثقل كاهل جوزيف وستيف مادياً لأن الأخ الأكبر، جو، يضطر أحياناً الى استخدام راتبه التقاعدي (700 دولار من الضمان الاجتماعي) لسد حاجيات المحل وإبقاء الملحمة مفتوحة ودفع أتعاب أخيه مع موظف آخر من الحي من أجل خدمة عدد محدود من الزبائن الدائمين الذين يترددون على الملحمة كل شهر.
لكن هذا الوضع قد لا يستمر طويلاً، ويخشى أنه عندما يغادر الأخوان كاوا، و«يغلق آخر الصامدين الباب خلفهم» بحسب كاتب التقرير جون كارلايل، قد يصبح مصير الحي الكلداني مشابهاً لمصير «الحي البولوني» أو «الحي الصيني» اللذين أصبحا أثراً بعد عين، كأحياء أخرى من ديترويت كانت فـي الماضي نابضة بالحياة والمهاجرين لكنها اليوم تعيش فقط فـي ذكريات وأذهان سكان الضواحي الذين عاشوا هناك قبل هجرهم لـ«مدينة السيارات».
يشرح ستيف معاناة البقاء والصمود فـي هذه المنطقة، ويسأل كارلايل «هل تشاهد الأفلام؟.. أنت تعرف عندما ترى شخصاً يسقط من الهاوية ثم يتمسك بحبل، ومع مرور بعض الوقت يبدأ الحبل يتمزق رويداً رويداً حتى يتحول الى خيطٍ رفـيع ثم ينقطع؟ هذا ما حدث. لقد انقطع الحبل مع كثيرين غيرنا ولا نعرف متى سينقطع بنا».
نواة الجالية الكلدانية
بدأ العراقيون الكاثوليك، المعروفون بالكلدان، يتوافدون الى ديترويت قبل حوالي قرن من الزمن.
ومنذ الستينيات بدأوا يتدفقون بكثافة الى منطقة ديترويت حتى أصبح عددهم عبر الهجرات المتعاقبة أكثر من ١٢٠ ألف نسمة، وفقاً لـ«مؤسسة الجالية الكلدانية».
تعددت أسباب هجرة الكلدان الى ديترويت إلا أن معظمهم توجهوا الى «الحي الكلداني» من أجل الانضمام إلى أسرهم والبحث عن حياة جديدة هرباً من الاضطهاد الذي واجهه العراقيون على مر السنين. وقد بدأ عشرات الآلاف من المهاجرين حياتهم الجديدة فـي هذا الحي الذي كان جزءاً من منطقة بينروز. حتى أنه فـي إحدى المراحل، عاش تقريباً ربع المهاجرين الكلدان فـي عموم منطقة ديترويت ضمن هذا الحي التي تقدر مساحتها بحوالي نصف ميل مربع.
وقد تميزت المنازل القديمة فـي الحي الكلداني بقربها والتصاقها يبعضها البعض، حيث أنها بنيت قبل توَفّر السيارات ولذلك لم تكن لها ممرات جانبية (درايف واي) مما ساهم أيضاً فـي توطيد العلاقات بين أبناء الجالية الكلدانية بشكل عام، حسب جوزيف كاوا الذي قال إن المنازل كانت متلاصقة لا يفصلها سوى أزقة ضيقة، لذلك قامت تلقائياً بنوع من التقريب بين الناس بما أن الجميع كانوا يعيشون فـي أمكنة ضيقة رغم أن العديد من المهاجرين جاؤوا كعائلات.
وفـي السياق، يقدم تقرير «فري برس» قصة يوحنا كوزا الذي كان طفلاً يحبو حين هاجر مع والديه وأشقائه التسعة إلى أميركا حيث سكنوا جميعهم فـي بيت صغير يقع مباشرة الى جنوب الميل السابع. ومع مرور السنوات جاء أقارب له واشتروا منازل أخرى فـي الشارع.
«كانوا كلهم بالقرب من بعضهم» قال كوزا البالغ (٥٢ عاماً) وأضاف ان «الجالية كانت جميعها تعيش ضمن نفس الحي وقريبة من بعضها».
مع توافد الكلدان فـي الستينات بدأ المهاجرون الجدد بتأسيس محلاتهم وجلب أقاربهم للعمل فـيها، وورّثوها لابنائهم. وبحلول السبعينيات، كان الميل السابع يعجّ بعشرات المخابز الصغيرة والمتاجر المتخصصة والمطاعم المتنوعة والقاعات الإجتماعية. اصبح الحي الكلداني نقطة جذب رئيسية للمهاجرين الجدد.
«٧٥ بالمئة من الناس الذين جاؤوا من بلدنا القديم (العراق)، لم يكونوا يعرفوا سياقة السيارة» يقول كوزا، وأردف «راقت المنطقة لهم لأنه بإمكانهم السير على اقدامهم إلى سوق اللحوم أو الى المقهى. هذا هو السبب الذي منعهم من مغادرة المكان، لأن كل شيء كان متوفراً» حتى فـي سنوات انحدار ديترويت الأولى.
والمفارقة الغريبة هنا أن احد أبرز رعاة الجالية الكلدانية فـي ديترويت فـي تلك الحقبة كان الديكتاتور العراقي صدام حسين الذي ساهم فـي تمويل كنيسة «القلب الأقدس الكلدانية» على الميل السابع والتي تعتبر حتى يومنا هذا مركزاً روحياً للكلدان الذين يواظبون على إقامة الصلوات والنشاطات فـيها قادمين بحافلات ضخمة كل يوم أحد، بسبب ارتباطهم الروحي بهذا المكان.
يشير أرشيف كنيسة «القلب الأقدس الكلدانية» إلى أن راعي الكنيسة قام بإرسال تهنئة الى صدَّام حسين فـي العام ١٩٧٩ بمناسبة توليه رئاسة العراق، وقد أثنى فـي الرسالة على صدام لإرساله شيكاً للكنيسة بمبلغ ٢٥٠ ألف دولار. وفـي وقت لاحق، عندما زار الكاهن نفسه بغداد أبلغ صدَّام حسين أن الديون تثقل كاهل الكنيسة، فحصل على مبلغ آخر قدره ٢٠٠ ألف دولار، مما ساعد على سداد القرض المصرفـي، وبناء «المركز الكلداني فـي أميركا» المجاور للكنيسة.
ونتيجة هذه «المكرمة»، منح رئيس بلدية ديترويت الأسبق، كولمان يونغ، صدام حسين مفتاح مدينة ديترويت.
…ثم جاءت آفة المخدرات
فـي الثمانينات بدأت أحوال ديترويت تتدهور وزادت هجرة السكان البيض من المدينة على نطاق واسع، بعد تفشي الجريمة والمخدرات وانهيار الشرطة، الأمر الذي شكل تهديداً مباشراً للعائلات الكلدانية -كسائر المهاجرين- فتوجه الكثيرون منهم الى الضواحي فـي مقاطعتي ماكومب وأوكلاند.
ومثل الكثير من المهاجرين، فإن النجاح التجاري للكلدان دفعهم للحصول على منازل جديدة ومستوى معيشي أفضل فـي مدن مثل وورن وستيرلنغ هايتس وماديسون هايتس وصولا الى الضواحي الراقية فـي مقاطعة أوكلاند.
وأشار كاوا إلى انه «لو كانت الشرطة تستجيب لنداءات السكان، لما انهارت المنطقة بهذه السرعة»، وأضاف أن «استجابة الشرطة كانت تستغرق أحياناً أربع ساعات، وأحيانا لا يأتون حتى اليوم التالي لكنك عندما تنتقل إلى منطقة مختلفة، وتطلب رجال الشرطة تجدهم عندك بعد دقيقتين والجريمة تكون قد حلَّتْ. أما هنا، فكان يتم سلب ٢٠ منزلاً قبل ان تشرّف الشرطة».
ويستعرض تقرير «فري برس» قصص مهاجرين كلدان عاشوا فـي الحي قبل النزوح الى الضواحي طلباً للأمان.
ساهر غابي جاء إلى الحي الكلداني مباشرة بعد قدومه من شمال العراق الذي كان فـي حالة حرب، ولكن حتى بالنسبة له أصبحت الجريمة والعنف فـي الحي أكثر مما يُطاق، حتى انه فـي احدى المراحل، من كثرة تكرار إطلاق صوت جهاز الانذار فـي متجره، قرر ذات ليلة عدم الذهاب لتفقده.
وأشار غابي (٥٨ عاماً) وهو من سكان قرية أورتشارد لايك، الى أنه «عندما يريد الناس أن يعيشوا فـي حي ما، أول سؤال يسألونه هو: هل المنطقة آمنة؟».
نقية يوسف (٦٦ عاماً)، زبونة ملحمة الأخوين كاوا، كانت تعيش فـي الحي الكلداني منذ عقود قبل أن تقرر الانتقال الى ستيرلنغ هايتس قبل أقل من عام. وحسب كاوا السبب يعود الى أنها كانت خائفة، وأكدت يوسف قائلةً «أصبح الوضع لا يطاق هنا بالنسبة لامرأة مسنة محاطة بمجرمين يتربصون بكبار السن». مؤكدة أنها لا تأتي الى الحي الذي عاشت شبابها فيه إلا بقصد شراء التوابل والبهارات من الملحمة.
ويشعر الكلدان مثل هذه المرأة بالحزن لأنهم يتذكرون الماضي الجميل والايام السعيدة فـي المنطقة ويشعرون بالغضب بسبب ما حل بها من دمار، ويعتبرون ان ليس هناك مبرراً لكي تذوي المنطقة وتموت بهذا الشكل.
«إنه لأمر مخز فـي هذه المدينة الملعونة أن يصبح مصير هذا الحي كما هو عليه الآن»، أردف غابي.
يبقى الأمل
لكن رغم ذلك مازال هناك بعض الناس الذين يحملون الأمل.
من بين هولاء المتاملين خيراً ندى سمونا التي ترعرعت فـي الحي عندما هاجرت عائلتها إلى ميشيغن فـي السبعينيات. وروت ندى تجربتها بالقول «لقد كان يسود هنا المعنى الحقيقي لمفهوم الجالية».
سمونا هي النائبة الأولى لرئيس العمليات فـي «المجلس العربي الاميركي والكلداني» (أي سي سي). التي استطردت بالقول عن تجربتها «كنت تعرف الناس، كنت تعرف جيرانك، حتى ولو لم يكونوا كلهم من الكلدان. كان هناك أشخاص من البيض والسود أيضاً. ولكن كان يوجد مجتمع متآلف جداً يحيا معاً بشكل جميل. كانت هناك شبكة أمان حقيقي لأنهم جميعاً يعرفون بعضهم البعض أو شاهدوا بعضهم البعض».
وفتح المجلس العربي الاميركي والكلداني وهو منظمة غير ربحية، أبوابه على الميل السابع فـي عام ١٩٩٧ لتقديم خدمات للجالية مثل المشورة والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والتدريب المهني وفصول تعليم اللغة الانكليزية. وبعد مرور عشر سنوات، قام المجلس ببناء مركز آخر مجاور للتعليم. وهو يتقبل أي شخص من المنطقة، سواءاً كان كلدانياً أم لا.
«بعد فترة طويلة من مغادرة الناس للمدينة، بقينا واستثمرنا الكثير من الوقت والمال فـي تلك المنطقة لأننا نؤمن بتلك المنطقة وبالمجتمع وبمدينة ديترويت»، ذكرت سمونا.
وكانت جهود «أي سي سي» هي الأحدث فـي مجال إعادة إحياء المنطقة. ففـي عام ١٩٩٩ سعت البلدية لوقف التدهور من خلال الاستثمار فـي تعزيز الحي، فخرجت بفكرة اسم «كالديان تاون» لجعلها مقصداً هاماً -على غرار النسخة الناجحة للحي اليوناني فـي وسط المدينة «غريكتاون». وتم تنصيب لافتات ملونة متدلية من الأعمدة الخفـيفة، معلنة الإسم الجديد للمنطقة، كما تم استحداث مهرجان عرقي سنوي على الميل السابع حيث كان الشارع يُغلق أمام حركة المرور. وكذلك أنيطت «الهيئة العامة لتنمية الحي الكلداني» مهمة مراقبة التقدم والتطور المحرز فـي الحي.
ولكن مثل الكثير من الخطط الطموحة فـي ديترويت على مر السنين، لم تتوفر المنح المالية اللازمة لمواصلة المشروع، فتلاشت الفكرة وواصل الحي سقوطه المجَّاني السريع.
لكن سمونا ترفض بعناد فكرة التخلي عن الحي الكلداني مع أنها الآن تعيش فـي بلومفـيلد هيلز.
تجد سمونا فـي الخراب والدمار الذي حل بالحي فرصة للنهوض من جديد، فحيث توجد منازل محروقة ومدمرة، ترى سمونا مستقبلاً لبناء منازل جديدة وفخمة.. دوبليكس. وحيث توجد واجهات محلات فارغة كانت تحمل اسماء عربية، تتصور وجود رصيف للمشاة يمكن استعادته بتوفر الإرادة. وبالفعل قام «أي سي سي» بتزيين الأرصفة وحصل على هبات مالية صغيرة لإدخال تحسينات طفـيفة. وعلى الرغم من ان الميل السابع «ميّت»، فإن سمونا تستدل على بقايا روح فـيه بوجود المحلات التجارية ككاراجات الميكانيك ومحلات البقالة و«الدولار ستور» فـي المنطقة التي لا تزال مملوكة من قبل الكلدانيين.
وقالت انها تعتقد ان هذا الحي لا يزال مكان استقبال مثالي لموجات مستمرة من المسيحيين المهاجرين من العراق، تماماً مثل الموجة التي أتت بها وبأسرتها الى هنا منذ سنوات.
وخلصت سمونا الى القول «أنا أتواجد هنا فـي كثير من الأحيان، وأنا أقود السيارة جيئة وذهاباً فـي تلك الشوارع فـي كثير من الأحيان واستعرض شريط الذكريات عندما كنَّا مهاجرين نحلم بأن نكون جزءاً منتجاً فـي المجتمع. تلك الذكريات تحفزني للبقاء على قناعتي بأن الأشياء ممكن أن تكون أفضل من ذلك. لقد كانت الأمور هكذا فـي الماضي وانا خبرت طعمها».
الحبل الأخير
لا توجد قائمة للطعام فـي «مطعم سولاف»، حيث يكتفـي الزبائن بالأطباق اليومية التي يحضرها الشيف على الطريقة العراقية التقليدية.
«كل الزبائن عندي يعرفون ما لدي» يقول قيدار ميخا، صاحب المطعم البالغ من العمر ٦٤ عاماً.
وميزة أطباق ميخا انه يقدم الطعام وفق الأصول العراقية «تماماً كما كان عليه عشاء العائلة فـي الوطن القديم»، حسب قوله. هناك الكباب، المصنوع من لحم البقر وعرقوب الغنم المكشوح من العظام. وهناك طبخ الصلصات باستخدام التوابل العراقية الخاصة، والكثير من الخبز والأرز، وكلها طازجة وغب الطلب. أما الشاي العراقي الساخن، المخمر لفترة طويلة والمسكوب فـي أكواب زجاج شفاف، فهو مجاني يُقدَّم بعد وجبة الطعام.
ميخا امتلك مطعماً على الميل السابع منذ ١٩ عاماً، وقد بدأ «حياته الأميركية» فـي هذا الحي قبل أن ينزح عنه مضطراً. «المنطقة هنا سيئة للغاية»، عقب ميخا، الذي انتقل للسكن فـي مدينة وورن، وتابع «لا يوجد ناس.. الجميع يهربون من هنا. فـي أغلب الأحيان عندما يكون لدى الناس مال يكفـي، تجدهم يذهبون إلى المنطقة الأفضل».
غير انه وعلى النقيض من سوق الملحمة أقر ميخا ان مطعمه لا يزال يجذب العشرات من الزبائن الكلدان يومياً. وعلى الرغم من انتقال ما يقرب من جميع الكلدانيين بعيدا عن الحي، لا يزال كثير منهم يقودون سياراتهم فـي كل يوم للعمل فـي مصالحهم التجارية فـي ديترويت مثل محطات الوقود ومتاجر الخمور ومحلات الميكانيك وغيرها من المصالح بالنسبة لهؤلاء مطعم ميخا هو المكان الوحيد المتوفر لتناول الطعام العراقي الأصيل، وكذلك هو مقصد للكثيرين من السكان السابقين للحي الكلداني الذين يشدهم الحنين الى أيام الماضي.
«تجد هناك الغذاء الصحي الجيد القديم»، صرَّح كوزا وهو يجلس مع الأصدقاء لتناول طعام الغداء فـي مطعم «سولاف» وأردف كوزا «ليس هناك العديد من المطاعم التي تقدم نوعية وأصناف أطباقنا.. واستطر «الطعام اللبناني متوفر فـي ديترويت. وهو الأقرب من طعامنا، ولكن ليس لديه نفس التوابل، ونفس الطعم». وكان كوزا قد رحل من الحي منذ ما يقرب من أربعة عقود. لكنه قال انه لا يزال يقود سيارته الى هنا مرة كل أسبوع، لكي يأتي ويزور المنطقة فقط.
يعتقد ميخا أن مطعمه هو حبل الوصول الأخير الذي سيبقى فـي منطقة الميل السابع لأنه الحلقة التي تربط بالماضي بالنسبة للأشخاص الذين نشأوا هنا. وطالما بقي المطعم مفتوحاً، فسوف يستمر الكلدان بالقدوم الى حيهم القديم.
«أنا اوكي هنا.. أحب عملي وأحب شعبي» أكد ميخا، وهو واقف فـي مطبخ مطعمه المزدحم، خاتماً كلامه بالقول «آتي إلى هنا لأرى أصدقائي.. وهذا يسعدني».
Leave a Reply