بيروت – كمال ذبيان
باتت عرسال وجرودها مع بعض عمقها السوري تحت احتلال الجماعات الإرهابية التكفيرية وتحديداً «جبهة النصرة» بقيادة السوري محمد الجولاني، وتنظيم «داعش» الذي أعلن أميره أبوبكر البغدادي عن قيام «الخلافة الإسلامية» في «دولة العراق والشام» التي لبنان من ضمنها، وقد اعترف وزير الداخلية نهاد المشنوق أن عرسال محتلة من قبل هذه الجماعات، وهو كلام صادر عن شخصية رسمية تنتمي الى «تيار المستقبل» الذي يمثّل 70 بالمئة من الطائفة السّنّيّة، وله فيها الأكثرية النيابية، مما يعني أن هذا التيار السياسي، الذي يوصف باعتداله السياسي، وأنه يمثّل «الإسلام المعتدل» أو «السّنّيّة المعتدلة»، بات خارج التأثير والفعل في بلدة تضم حوالي 40 ألف مواطن، وتعتبر الخزان الشعبي لـ«تيار المستقبل» كما مدن وبلدات أخرى منتشرة على مساحة الجغرافيا ذات الكثافة السّنّيّة، وهذا التطور يؤشر الى أن الجماعات الأصولية السّنّيّة المتشدّدة، باتت هي الأكثر نفوذاً من التيارات السياسية المعتدلة، سواء كانت في «8 و14 آذار»، وهو ما يفرض عليها أن تتلاقى على مواجهة الخطر الوجودي الذي تمثّله الجماعات التكفيرية، وقد التقوا دون أن يجتمعوا على انتخاب مفتِ للجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان خلفاً للمفتي محمد رشيد قباني الذي انتهت ولايته لبلوغه السن القانونية (72 عاماً)، وقدّموا نموذجاً لإسلام، مرجعيته الأزهر، وليس «الفكر الوهابي» أو «الإخواني»، الذي يمثّل التكفير والإقصاء والتطرّف والغلو في الدين، تحت عناوين شتّى، في حين أن الأزهر يمثل الاعتدال والوسطية ويعترف بالآخر، ولا يكفّر الأديان والرسالات السماوية.
فعرسال تحوّلت مع جرودها كما «طورا بورا» في أفغانستان، وجبل الشعانبي في تونس عند الحدود مع الجزائر، وصحراء سيناء في مصر، والأنبار ومحافظات أخرى في غرب العراق التي أصبحت تحت سيطرة «داعش» كما الرّقة وأجزاء من دير الزور وشمال حلب في سوريا، وولايات اقتطعتها «بوكو حرام» في نيجيريا، وكذلك مجموعات إسلامية في مالي وشمال وغرب أفريقيا، إضافة الى ليبيا والسودان والصومال واليمن ومناطق في الجزيرة العربية، وصولاً الى أندونيسيا وماليزيا والفيليبين والصين وشرق آسيا، والقوقاز وداغستان والشيشان في وسط آسيا.
فالبلدة البقاعية التي تقبع عند الحدود اللبنانية – السورية، اختطفها الإرهابيون من أهلها، ومن غير إرادتهم، وسيطروا على قرارها، بعد أن غرروا أو اشتروا سكوت رئيس بلديتها علي الحجيري وأحد شيوخ البلدة مصطفى الحجيري «أبوطاقية»، وتغاضوا عن تغلغل المسلحين المتشدّدين، تحت شعار دعم «الثورة السورية»، وبغطاء كامل من 14 آذار وفي مقدمها «تيار المستقبل» الذي شكّل الحاضنة لما سمي «معارضة سورية»، وقدّم لها كل الدعم من المناطق الحدودية المتاخمة لسوريا، سواء في البقاع أو الشمال، وحتى من تركيا التي تعهّد النائب عقاب صقر أن يكون معتمداً للتواصل مع «الثوار» يمدّهم بالحليب و«حفاظات الأطفال»، ليختفي عن المشهد السوري، بعد أن صمد الجيش السوري في مواجهة الإرهابيين ولم يسقط النظام.
فالقراءة والتوقعات التي نظر إليها «تيار المستقبل» وحلفاؤه في لبنان، مع حلفائه في الخارج من دول عربية وأجنبية تحت مسمى «أصدقاء سوريا»، لم تأتِ كما كانوا يتوقّعون، لتتحوّل عرسال الى بلدة محتلة من «داعش» و«النصرة» كما أكّد الوزير المشنوق، ولتقوم عناصر هذين التنظيمين بخطف عسكريين من جيش وقوى أمن داخلي بعد معركة عسكرية ، وفرض مطالب وشروط على الدولة اللبنانية، بإخلاء سبيل وإطلاق نحو 400 سجين وموقوف من الإسلاميين المتطرفين للإفراج عن الجنود المختطفين، وقتل عسكري كل فترة إذا لم تلبِّ الشروط وقد نفّذت ما هددت به، فذبحت العسكريين علي السيد وعباس مدلج، وهددت بقتل غيرهما ولن تتأخر، وهو الأسلوب البربري الذي مورس مع جنود في سيناء واليمن وصحافيين في سوريا وغيرهم من المخطوفين، حيث توجد جماعات تكفيرية إرهابية في أصقاع العالم، إذ انتشر هذا الوباء الأصفر في الكرة الأرضية قتلاً وتفجيراً وتدميراً وتكفيراً، وضرباً للحضارة والمدنية.
فتنظيم «داعش» الذي يدعو الى إسقاط الحدود بين الدول التي رسمها الاستعمار في معاهدة «سايكس – بيكو»، فهو عندما حضر بمسلّحيه الى عرسال، فلقطع الحدود بين لبنان وسوريا، ولم تنتهِ المعركة العسكرية، فهي في البدايات، وباعتراف قيادات عسكرية وأمنية وسياسية ودبلوماسية، إذ وُضع لبنان على خارطة «الدولة الإسلامية»، وإن كسر الحدود لن يتوقف، والاستعدادات العسكرية قائمة لخوض معركة من ضمن خطة «ب» و التوسع من الحدود السورية في الزبداني وسرغايا بإتجاه لبنان، والعبور من جديدة يابوس بإتجاه نقطة الحدود في المصنع والوصول الى مجدل عنجر ومنها التمدّد نحو زحلة والبقاعين الأوسط والغربي وراشيا، وربط المناطق مع البلدات في ريف القنيطرة كما في ريف دمشق لمحاصرة العاصمة السورية، وهو ما يفسّر سيطرة مسلّحي النصرة و«الجماعات الإسلامية» على القنيطرة على مرأى من العدو الإسرائيلي.
هذه الخطة (ب) التي تمّ التداول بها من قبل الجماعات التكفيرية، ووصلت الى مراجع أمنية وعسكرية رسمية وحزبية، فإن التصدي لها سيفاجئ أصحابها، وإن خططاً وضعها التكفيريون لوصل حمص وريفها بالشمال اللبناني والبقاع الشرقي والشمالي، فشلت وأسقطها الجيش السوري و«حزب الله» في معارك القصير وتل كلخ وباب عمرو ويبرود وقارة والنبك والقلمون ورنكوس إلخ…
وإن معركة عرسال فشلت في أن يحقق الإرهابيون مشروعهم التوسعي نحو بلدات اللبوة والنبي عثمان والفاكهة ورأس والى الهرمل لربط البقاع بالشمال والوصول الى البحر عند الساحل الشمالي، فإن معركة ثانية يفتحها الإرهابيون من الزبداني المحاصرة من الجيش السوري والتمدّد نحو البقاعين الأوسط والغربي وراشيا، فيها مغامرة لن تكون لصالحهم، وسيتكبدون هزيمة كبرى، ولن يكون سهلاً عليهم الوصول الى الحدود اللبنانية، لأن الجيش السوري سيواجههم، ولن يسمح لهم بقطع طريق دمشق – بيروت، ولا شوكة في خاصرة دمشق، ولا محاصرة المقاومة التي تقاتل الإرهابيين في سوريا لمنع إقفال عمقها الاستراتيجي الذي يحمي ظهرها ويشكّل لها سنداً يحميها، وهي ستمنع مثل هذا المخطط من أن ينجح، المحكوم بالفشل إذا لم يلقَ بيئة حاضنة له، لا سيما في المناطق ذات الكثافة السّنّيّة، التي على «تيار المستقبل» أن يقرن القول بالفعل، بإنه يحارب الإرهاب وقد صنّفت السعودية تنظيمي «داعش» و«النصرة» إنهما إرهابيين، وكذلك فعلت دول أخرى، وصدر قرار عن مجلس الأمن الدولي حمل الرقم 2170، يدعو الى محاربة هذا الإرهاب التكفيري، ولم يعد للمستقبل من مبرّر أن ينأى بنفسه عن المعركة الوجودية، ويحاول أن يلقى تبريراً للجماعات الإرهابية، وتوصيفها كـ«حزب الله» وتحميله مسؤولية مجيئها الى لبنان، لأنه ذهب للقتال في سوريا الى جانب النظام، وكأن هذه الجماعات التي تحمل فكر تنظيم «القاعدة» وتنخرط تحت لوائه بتسميات متعددة، ليس لها مشروع إقامة «خلافة إسلامية» أعلن عنها مؤسس التنظيم أسامة بن لادن، وهو منتشر في كل أصقاع الأرض ينفّذ هذا المشروع التكفيري التدميري الذي لا يقل خطورة عن ما يقوم به العدو الإسرائيلي الذي أسس منظمة صهيونية عالمية طالبت بإقامة «دولة يهودية» في فلسطين، واغتصبتها بالمجازر وطرد الأهالي، وحققت حلمها التوراتي.
فلبنان الذي أعلن الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري في أيلول 2006، أن لبنان هو أرض جهاد، ها هو أبوبكر البغدادي وأبومحمد الجولاني، ينفّذان ما طلبه، وسبقهما شاكر العبسي الذي ترأس تنظيم «فتح الإسلام» لإقامة «إمارة إسلامية» في شمال لبنان، وقضى عليها الجيش اللبناني، في 2007، والذي منع حصولها في جرود الضنيّة مطلع عام 2000، واجتثها في حزيران 2013 في شرق صيدا مع الشيخ أحمد الأسير، وهو يواجه في عرسال ما لم يحصل قبل سنوات، ولكن دور «تيار المستقبل» يبقى حاسماً في إنعدام تأمين بيئة للإرهاب، كما فعل في معارك الجيش من الضنية الى عبرا مروراً بمخيّم نهر البارد، وهو يسعى إلى أن لا تحصل في عرسال أو البقاع الغربي، وعليه أن يربط النزاع مع «حزب الله»، كما فعل في الحكومة، وأجّل الخلاف السياسي لمواجهة الخطر الوجودي وهو ما يدعوه إليه الحزب، فهل يستجيب؟.
Leave a Reply