طارق عبدالواحد – «صدى الوطن»
يرى المستشرق البريطاني المعروف توماس أرنولد أن المسلمين قد أضفوا على فن الخط قيمة عليا، وأنهم «كانوا فخورين بابتكار هذا الفن وصقله بأنفسهم، وأنهم لم يتلمسوا فـيه العون من فنانين أجانب».
ومعلوم أن اهتمام العرب والمسلمين بفن الخط جزء من «الخصوصية الحضارية» لاسيما بعدما ضيقت الاجتهادات الفقهية على مدى العصور على أنواع الفنون الأخرى، كالموسيقى والنحت والغناء وغيرها، وبالتالي استغل الفنانون والمعماريون المسلمون الأوائل الخصائص الجمالية للخطوط العربية فـي الزخرفة والرسم والتجميل المشهدي، فـي المساجد والقصور، وعلى الأواني الزجاجية والنحاسية، وفـي المخطوطات الأولى بطبيعة الحال، والتي كان فـي مقدمتها مخطوطات ونسخ القرآن الكريم.
وبسبب هذه الظروف الموضوعية، بدت المشغولات الفنية، سواء أكانت جدرايات أو زخرفات أو لوحات، وكأنها فن إسلامي، فـي مقابل الفنون المسيحية التي ركزت على النحت والتصوير، فكانت التماثيل والأيقونات والمشهديات الجدراية التي تملأ زوايا الكنائس وسقوفها وجدرانها وواجهاتها.
نقلة نوعية
على هذه الخلفـية، تبدو اشتغالات الخطاط اللبناني الأميركي فضل شرف بمثابة نقلة نوعية، خاصة لناحية استخدامه تقنيات الخط العربي الذي انبنى على ذائقة إسلامية فـي تشكيلات فنية لآيات إنجيلية ومأثورات مسيحية. وهو بهذا الخط يفتح بابا واسعا على الحوار الفني والجمالي، وفـي مستويات باطنية وظاهرية، بين الدينين السماويين، ليؤكد على «ترسيخ التعايش المشترك بين أتباع الديانتين اللتين انبثقتا من ينبوع سماوي واحد»، ولما كان الناس هم من أوجدوا الفروق بينهما، فإن أعماله الفنية هي محاولات تصبو إلى جمع المقولات وتبديد الحساسيات المصطنعة بين المسلمين والمسيحيين، بحسب ما قال لـ«صدى الوطن».
ويعتزم شرف فـي هذا السياق تصميم كتاب يضم 86 قولاً من أقوال السيد المسيح، بحيث يجسد كل قول لوحة فنية مستقلة تكون بمثابة تحفة يمكن اقتناؤها، وسوف يضم الكتاب ترجمة لتلك الأقوال باللغتين الإنكليزية والفرنسية.
وحول هذا المشروع، أشار شرف إلى أن الفكرة قدحت فـي ذهنه، منذ يفاعة سنه، حيث ارتاد مدرسة «راهبات القلبين الأقدسين» فـي مسقط رأسه، بلدة مشغرة، فـي البقاع الغربي-لبنان، ولاحظ من خلال اعتياده الذهاب إلى المساجد والكنائس فـي ذات الوقت، بعض الفروقات الذوقية فـي زخرفة وتزيين المكانين.
وأكد أن الفكرة قد اكتملت حين قرأ قولا للسيد المسيح يقول: «لا تجسدوا لأنفسكم صوراً وتماثيل لتعبدوها»، فبدأ يفكر بتقديم بعض آيات الكتاب المقدس وأقوال رسول المحبة والسلام عبر تشكيلات الخط العربي.
كما أنه يخطط -فـي الإطار ذاته- إلى إقامة معرض فني يضم لوحات إسلامية ومسيحية فـي إحدى مدن منطقة مترو ديترويت فـي القريب العاجل.
فن عابر للثقافات
ولدى سؤاله فـيما إذا كان يقلقه ابتعاد الكثير من العرب الأميركيين الذين يتكلمون العربية عن لغتهم، دون أن يكون بإمكانهم قراءتها، أكد شرف أن فن الخط العربي، مثله مثل أي فن آخر، هو فن عابر للغات وللثقافات، كالموسيقى والغناء، ويستطيع الناس تذوق الموسيقى والغناء الجميلين، بغض النظر عن اللغة والخلفـية الثقافـية.
ومن جهة أخرى، لم يبدِ شرف قلقا أيضاً من توفر برامج الخطوط العربية، فـي ظل الثورة المعلوماتية التي باتت تمكن المستخدمين من تشكيل لوحات وتخطيطات زخرفـية. وقال: «بالطبع لا يمكن إهمال تأثيرات هذه الثورة المعلوماتية التي غزت كل بيت فـي العالم، ومن ناحيتي أسعى إلى استثمار إمكانات هذه الثورة العظيمة فـي عملي الفني.. ربما تكون قد أضرت بحرفة الخطاط العربي ولكن مردودها بالنسبة لي كان إيجابيا مكنني من إنتاج أعمال أكثر خصوبة وأسرع إنجازاً».
بدأ شرف هواية التخطيط فـي سن مبكرة، فـي بلدة مشغرة، وعلّم نفسه بنفسه، مستفـيدا من الخبرات الأولية من بعض الأشخاص حوله، ومن دراسة أصول فن الخط عن «كراسة الخطاط هاشم محمد البغدادي». وفـي وقت لاحق، انتقل إلى العاصمة بيروت وخضع لبعض الدورات الاختصاصية فـي المركز الثقافـي الروسي الذي اختاره فـيما ليكون خطاطا يعمل لصالح المركز.
للاطلاع على أعمال الخطاط فضل شرف، يمكن زيارة موقعه الالكتروني على العنوان: www.artbyfadel.com كما يمكن مراسلته عبر البريد الإلكتروني: info@artbyfadel.com
Leave a Reply