المملكة تنفرد في تسمية مرشح لرئاسة الجمهورية في لبنان لفرض نفوذها
عندما اعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري، ان حل الازمة اللبنانية، لا بدّ من ان تسبقه مقدمات من خلال صابون «س.س.»، وعندما سئل من زواره عما يقصده بهذا النوع من الصابون، ذكر لهم عن نوع من الصابون كان يستخدمه اهل الجنوب، وان حرفي السين يعنيان السعودية وسوريا، اللتين تمران بأزمة عدم ثقة بين قيادتيهما وفتور في العلاقة، ولا بدّ من غسل القلوب بالصابون، واجراء مصارحة
ومصالحة، سيكون لهما تأثيرهما الايجابي على الاستقرار السياسي الداخلي.
رئيس مجلس النواب نبيه بري |
بعد سنتين من بدء تطبيق اتفاق الطائف برعاية سورية، سعت السعودية عبر حلفاء لها في دمشق، وصول رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة ليكون لها نفوذ في لبنان، فعمل كل من عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي وغازي كنعان على هذا الموضوع، فتم تطيير الرئيس سليم الحص بخلق اشكال دستوري بينه وبين الهراوي، وجاء بعده الرئيس عمر كرامي فجرى اسقاطه عبر رفع سعر الدولار على حساب الليرة اللبنانية، وتحريض الاتحاد العمالي العام الذي قام في 6 ايار 1992 بإضراب عام واقفال لبنان واحراق الدواليب، مما اجبر كرامي على تقديم استقالته، حيث يروي هو عن تلك المرحلة بأنه كان يلمس كيف ان «الثلاثي السوري» المكلف بالملف اللبناني يمهد الطريق امام الحريري للوصول لرئاسة الحكومة بإحراق رؤساء الحكومات، وانه عندما قرر الاستقالة وفاتح خدام بها فكان جوابه سريعا ان لا يتأخر، وتم تدبير التظاهرات واحراق الدواليب ليخرج من القصر الحكومي محروقاً سياسياً وشعبياً، وجيئ بالرئيس رشيد الصلح لتقطيع الوقت واجراء انتخابات نيابية ليكون المجلس النيابي الجديد طيعاً لتمرير ما يطلبه الحريري، وهذا ما حصل، وفي لحظة وصل فيها سعر الدولار الى حوالي الثلاثة الاف ليرة لبنانية، وحصول مقاطعة مسيحية للإنتخابات النيابية، تمكن «التيار السعودي والاميركي» داخل القيادة السورية من ان يطرح اسم الحريري لانقاذ الوضع الاقتصادي، وقد استندت «الترويكا السورية» الى تهديد الهراوي بالاستقالة اذا لم يتسلم الحريري رئاسة الحكومة، بعد ان كان الرئيس حافظ الاسد متحفظاً لجهة الحجم المالي الكبير للحريري، ثم امتداداته الخارجية، وارتباطاته بالسعودية وسياستها التي قد تؤثر عليه في مرحلة ما وعلى موقفه من النهج السياسي والاستراتيجي لسوريا في موضوع الصراع مع اسرائيل.والمرحلة التي وصل بها الحريري الى رئاسة الحكومة، كانت الانخراط في عملية «السلام» واعتبر انه رجل المرحلة، ونظرت اليه بعض الدول على انه قادر ليكون لها، وبدأ يتحدث عن «وعد الربيع» وما سيجني لبنان من «السلام الموعود» اذا ما تحضيره له، وبنى سياسته الاعمارية والمالية والاقتصادية على اساس ان السلام قادم، وكاد من كثرة افراطه به ان يصطدم بالمقاومة ويطالبها بوقف عملياتها وتسليم سلاحها، لا سيما في اثناء عدوان تموز 1993، فوقع اول اشتباك مع الجيش في ايلول 1993 عند جسر المطار، وكان مؤشرا سلبيا.فالتفاهم السوري-السعودي في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، انجز سلاما في لبنان، وهو ما يسعى اليه الرئيس بري الذي يقلقه ويؤرقه الخلاف بين البلدين الذي يعمل على استمراره وتعميقه الفريق الحاكم وتحديداً وليد جنبلاط وسمير جعجع، اللذين سبق لهما وعطلا اتفاقاً داخلياً حصل في الرياض بين «امل» و«حزب الله» من جهة و«تيار المستقبل» ممثلاً بسعد الحريري من جهة ثانية، على ادارة الدولة، كما انهما وبالتنسيق مع الحريري والسنيورة تصدوا لمبادرة سعودية حملها وزير الخارجية سعود الفيصل الى دمشق مطلع العام 2006 حيث اصطحب الرئيس بشار الاسد الى العاصمة السعودية، لانهاء التوتر في العلاقة اللبنانية-السورية، بعد ان كانت دمشق استقبلت السنيورة بعد نيل حكومته الثقة، كما ان طاولة الحوار نجحت في التوصل الى صيغة حل مع سوريا، الا ان جنبلاط وجعجع كانا يعطلان اي توجه لعودة العلاقات الى طبيعتها، لان الاول كان يريد رأس النظام بعد ان ذهب بهجومه عليه الى حد الدعوة لاحتلال سوريا من قبل اميركا واسقاط بشار الاسد، والثاني يخشى من تسوية تكون على حسابه بعد ان وقع «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وثيقة التفاهم بينهما.كان بعض اطراف السلطة مدعومين من خدام، وتيار داخل القيادة السعودية، يعملون لاسقاط النظام السوري، ولم يعد امامهم الى ذلك سوى المحكمة الدولية المعنية بإغتيال رفيق الحريري، بعد ان فشلت المعارضة السورية في تحريك تظاهرات كما حصل في لبنان في «ثورة الارز»، و ان تكون تحت اسم «ثورة الياسمين»، كما لم تنفع الاجراءات الاميركية ولا الضغوطات ومحاولات العزل والحصار والقرارات الدولية في اضعاف النظام، فلم يعد امام خصوم القيادة السورية الا المحكمة، وهم ينتظرون الاشهر القادمة لقيامها، وفي ظنهم انها ستصل الى رأس النظام، وهم يطلبون من السعودية ان تبقي ابواب الحوار مقفلة مع سوريا، بالرغم من معرفة حكام المملكة ان سقوط سوريا ليس من مصلحة حلفائها في لبنان، وان «العرقنة» قد تصيب بلاد الامويين وتغرق في بحر من الفوضى وانهر الدماء.لذلك تم استغلال جريمة اغتيال الحريري، وقد حاولت اطراف في السلطة السعودية تحييدها عن العلاقة مع سوريا لكنها لم تنجح، وقرر الامير بندر بن سلطان ان تبقى سيفاً مصلتاً فوق رأسها وابتزازها وفرض الشروط عليها، ومحاولة ابعادها عن ايران، وكان بندر يعكس الموقف الاميركي، ويحرض سعد الحريري وجنبلاط على ذلك.وطلب بندر منهما تقطيع الوقت في لبنان، وعدم الوصول الى حل للأزمة، او القبول بتشكيل حكومة وحدة وطنية مع المعارضة، او التنازل في رئاسة الجمهورية، لان من شأن ذلك عودة النفوذ السوري وبقاء الحضور الايراني، وان السعودية لا تقبل ان يشاركها احد في القرار بلبنان، فهي تمسك بالأغلبية النيابية عبر حلفائها، وبعد ان استعادت رئاسة الحكومة، فانها لن تقبل شريكاً لها في تسمية رئيس الجمهورية، وهي اعلنت عن اسم مرشحها النائب نسيب لحود، وتسعى الى تسويقه.فالسعودية ومنذ خروج القوات السورية من لبنان، تحاول ان تستفرد به كمنطقة نفوذ لها، لكنها جوبهت بقوى سياسية واكثرية شعبية تؤكد على تحالفها مع سوريا، مما عطّل مشروعها في لبنان، مما افقدها دورها فيه، واظهرها دولة ضعيفة اقليمياً، بعد ان قررت ان تكون الدولة العربية الاقوى مع تراجع دور مصر، ومحاولة تحجيم دور سوريا، لكنها رأت نفسها انها فشلت، بعد اخفقت في الحفاظ على «اتفاق مكة» بين «حماس» و«فتح» والذي اسقطته اميركا، التي منعتها ايضا من الوصول الى حل في لبنان، وعطلت مساعيها عبر حلفائها من بعض اللبنانيين. امام هذا الواقع المتردي لوضع السعودية وتراجع دورها، والذي انكشف امام، الدور السوري والايراني الاقوى منها في المنطقة، وبالتالي فهي في موقع المشلول بالرغم من انها رئيسة القمة العربية، حيث امتنعت عن تقديم حلول للأزمات في العالم العربي، فهي غائبة عن العراق ولبنان وفلسطين اضافة الى السودان، وهذا ما دفع بنائب الرئيس السوري فاروق الشرع الى ان يتحدث عن شلل دور السعودية، بعد ان غابت عن اجتماع في دمشق لدول الجوار للبحث في الوضع العراقي، فأغضب تصريح الشرع المملكة، الا ان سوريا اوضحت ما قصده نائب الرئيس، واكدت على انها لا تسعى الى صدام مع السعودية بل الى حوار، وتعزيز التضامن العربي، الذي اخلت به المملكة وتسعى اميركا الى تفكيكه عبر قيام محور عربي-اسرائيلي قوامه دول الخليج ومصر والاردن لمواجهة ايران وسوريا و«حماس» و«حزب الله». تحت هذا العنوان ايضاً نعرف لماذا التوتر السوري-السعودي.
Leave a Reply