عاد ملف العلاقة اللبنانية–السورية إلى الواجهة والمواجهة في الداخل اللبناني بالتزامن مع تلاحق انتصارات الجيش السوري وحلفائه في الميدان، خصوصاً في محافظة درعا على جبهة الجنوب التي تكتسب بعداً استراتيجياً نوعياً كونها تقع على تماس مع الجولان المحتل.
والمفارقة، أن الاشتباك المحتدم على «جبهة النازحين» في لبنان يأتي في وقت تبدو فيه السلطة معطلة وغير قادرة على اتخاذ أي قرار خارج إطار تصريف الأعمال، نتيجة التعثر المستمر في تشكيل الحكومة الجديدة، ما يعني أن «الرشقات السياسية المتبادلة في الوقت الضائع أقرب إلى أن تكون إطلاق نار في الهواء، بانتظار ولادة الحكومة المرتقبة التي يفترض بها أن تتصدى لملف النازحين وأن تحسم خيارات الدولة حياله، وفق مقتضيات المصلحة اللبنانية، بعيداً عن العواطف أو الأمزجة الشخصية.
فريقان
الأرجح، أن جزءاً من التجاذب حول التركيبة الحكومية يرتبط بالملف السوري وبالتوازنات التي ستتحكم بمساره في المرحلة المقبلة، تبعاً لكيفية توزع الاحجام والحصص في مجلس الوزراء.
وحتى ذلك الحين، يعتقد فريق لبناني واسع (يضم «حزب الله» و«حركة أمل» و«التيار الوطني الحر» و«تيار المردة» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» و«الحزب الديموقراطي») أنه لا بد من إعادة تفعيل التواصل بكل أشكاله مع سوريا، وأن مصالح لبنان الحيوية تستوجب هذا الانفتاح أكثر من دول بعيدة بدأت فعلاً بإعادة مد الخيوط بينها وبين دمشق، انطلاقاً من الواقعية السياسية التي يُفترض بها أن تتغلب على المزايدات.
ما زاد من حماسة هذا الخط لتطوير العلاقة اللبنانية مع سوريا في هذا التوقيت هو أن التخفيف من أعباء أزمة النازحين المتفاقمة يتطلب تعزيز التنسيق المتبادل والحوار الثنائي مع دمشق، وأن اعادة فتح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن يستدعي جهوزية لبنانية لاستئناف تصدير البضائع عبره إلى العمق العربي بعدما أدى انسداد هذا الشريان خلال السنوات الماضية إلى إلحاق الضرر الكبير بالمزارعين والصناعيين اللبنانيين الذين عجزوا عن تصريف منتوجاتهم.
لكن، وفي مقابل هذا الطرح، يرفص فريق آخر (يضم «تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية») أي تطبيع للعلاقات مع النظام السوري، ويعترض على منحه أي شرعية أو تغطية رسمية من قبل الدولة اللبنانية تحت ضغط ما يسميه بـ«الابتزاز»، سواء في ما يتعلق بملف النازحين أو بالعامل الاقتصادي.
اتهامات لباسيل
ولم تتردد قوى هذا «المحور» في انتقاد رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، رداً على إعلانه عن قرب استئناف الحياة السياسية والاقتصادية بين لبنان وسوريا، إذ وجّه كل من «القوات» و«الاشتراكي» ووزير شؤون النازحين «المستقبلي» معين المرعبي، اتهامات إلى باسيل بانه يحاول التفرد في قرار كبير هو من اختصاص مجلس الوزراء مجتمعاً، وأن اندفاعته للتطبيع مع نظام بشار الأسد تندرج في إطار حسابات شخصية وفئوية، وبأنه يقارب هذا الملف الحساس من زاوية شعبوية وانفعالية، ويضع لبنان في مواجهة المجتمع الدولي كما حصل عبر إجراء وزارة الخارجية بتجميد تجديد الإقامات لأعضاء مفوضية اللاجئين، بينما تحتاج الدولة إلى التعاون مع هذا المجتمع للتخفيف من أعباء النازحين وتحقيق عودتهم الطوعية بعد تأمين الضمانات الضرورية.
في المقابل، لا يخفي «التيار البرتقالي» ارتيابه في حقيقة نيات خصوم النظام السوري حيال قضية النازحين، وصولاً إلى الشبهة في إنهم لا يريدون الدفع نحو معالجتها، إما انطلاقاً من حسابات ومصالح داخلية أو استجابة لرغبات دولية وإقليمية، بينما أصبحت الظروف العملانية على الأرض مؤاتية للعودة المتدرجة إلى المناطق الآمنة والبالغ مساحتها قرابة 80 بالمئة من مجمل مساحة الأراضي السورية، وبالتالي لم يعد هناك من مبرر لبقاء القسم الأكبر من هؤلاء النازحين في لبنان.
جنبلاط وجعجع
وأبلغت أوساط «التيار الوطني الحر»، «صدى الوطن»، أن الخلاف الداخلي حول السياسة الرسمية التي ينبغي اعتمادها حيال النازحين تعود إلى بدايات الحرب السورية عام 2011، «حيث باشر الحزب التقدمي منذ ذلك الحين بمواجهتنا في مجلس الوزراء حين كنا ننبه إلى تداعيات انفلاش النزوح وانفلاته، وعندما عارضنا الدخول العشوائي للنازحين إلى لبنان كانوا هم يضغطون للسماح بتدفقهم وفتح الأبواب أمامهم من دون ضوابط، ما تسبب في تفاقم الأزمة حتى وصلت إلى هذا الحد المتعاظم»، و«عندما بدأنا نطالب بعودتهم بعد تقلص رقعة الحرب بادر «الحزب التقدمي» –ومعه «القوات» ضمناً– إلى عرقلة هذا المسار بذرائع شتى».
وتشير الأوساط إلى أن موقف «القوات» شبيه في العمق بطرح وليد جنبلاط، «وهما منسجمان في الأدوار والحسابات حيال هذه القضية، وإن كانت نيات معراب مضمرة في جانب منها». أما مصادر «الحزب التقدمي الاشتراكي» فأكدت لـ«صدى الوطن» تعذر عودة القسم الأكبر من النازحين ما دامت مفاعيل القانون السوري رقم 10 سارية المفعول، والضمانات الدولية للعائدين غير موجودة.
وتتهم المصادر «التيار الوطني الحر» بأنه يرسل وزيراً كل يوم اثنين إلى دمشق متجاوزاً الحكومة التي لم تتخذ قراراً بخوض حوار رسمي مع الحكومة السورية، مشيرة إلى أن إعلان باسيل عن قُرب عودة الحياة السياسية والاقتصادية إلى طبيعتها بين لبنان وسوريا، يعكس استقواء بالظروف التي ساعدت بشار الأسد على استعادة درعا، لمحاولة فرض أمر واقع مرفوض والعودة إلى أيام الماضي.
Leave a Reply