نحتاج في عالمنا الإسلامي الى جرعات متتالية من الوعي الصادق الجريء لتفتيت كل المواد المتصلبة، المتخلفة والهاجعة في ضمير العقل الحركي الديني، جرعات يجب ان تكون مقاسة بمقاس العلم الحديث ومؤصلة على ضوء نظريات ذلك العلم، ومدروسة دراسة مكثفة لكي تخرج تلك النظريات والابحاث الى الواقع، فلا ترتطم به بل تسير على تقويمه وتحريكه. إننا مطالبون بدراسة الأحداث التي نؤمن بها سلفاً ووضعها على سدية الجرّاح العارف لمعالجتها معالجة طبية وليست عاطفية على غرار الدراسات والابحاث في بلادنا عندما تأتي لتعزيز الوعي التراكمي لدى الجماعات فتنهمك في إستغلال الشعور العاطفي لدى العوام من الناس واللعب على ذلك الوتر الحساس لكي تخرجهم من المعقول الى اللامعقول، بالوقت نفسه يتعمد إهمال الفكر والرؤيا الداعية الى إعمال العقل التجريدي في النقل التأريخي.
إننا حينما نفتش عن أهم الاسباب التي أدت الى وأد العقل العربي والإسلامي سنجد أن السبب الرئيسي هو الفكر الديني الإسلامي.
يشكل الفكر الديني الإسلامي العائق الأول في سير حركة المسلمين وتراجعهم وتقهقرهم، لما يتمتع به من غلظة وشدة وصرامة في نصوصه وأحكامه. يُعرّف الدين عادةً بانه الإعتقاد المرتبط بذات الإنسان بما فوق الطبيعة أي المقدس الإلهي ويمثل الصدق العامل الأساس فيه. والأديان دائماً تأتي لتصحيح حركة البشر مع الله، حاثة على إحترم الناس والتعامل معهم بلطف وإحسان ويكون العامل الإصلاحي غرضها الاول وهدفها الأسمى ولذلك يقول، برنارد شو “الدين واحد من الله لكنه بنسخ متعددة”.
أما الفكر الديني الإسلامي فهو نتاجات وأفكار إجتهد فيها بشر لقراءة النص فتولدت من تلك القراءة نصوص، ليتم صياغتها فيما بعد لتشكل لنا دين مصغر مقدس إنخرط من الإسلام ليكون هو الإسلام الناجي والفائز.
وبما أن إجتهادات المسلمين ونصوصهم ومدارسهم كثيرة ومتعددة، صار التحزب والتخندق لكل مدرسة هو العامل الرئيسي في سير حركة المسلم، حيث إن المسلم عاد لا يفكر بالدين أو الاسلام، إنما يفكر بالإنخراط وراء الجزئية التي أنتجها له “الفقيه” في دائرة الفكر الديني ليعتقد أنها أصل الدين والدفاع عنها واجب مقدس. وفي هذا الجانب نستطيع أن نقرأ بعض الأحداث التاريخية لنكتشف كارثية الفهم الخاطئ وإرتداده على المساكين من عوام المسلمين.
لم يهدأ التدين المغشوش يوماً من الايام ولم يتورع المتأسلمون من نحر المسلمين منذ البواكير الأولى لقيام الدين الإسلامي. المجازر التي أنتجها التطرف في الزمن الأموي لم تكن خافية على الجميع من أنها أتت بإسم الإسلام والدفاع عن حياض الدين ورفع راية المسلمين، فقتل الحسين بن علي بن ابي طالب مثلا ً كان مبرراً وذلك لأنه خرج على إمام زمانه! وهو يزيد بن معاوية وبالتأكيد كان هذا مبرراً من رجال الدين وبفتاوى يستطيع أصحابها أن يرجعوها الى ما قبل الجاهلية إذا ما شئت. فالأمويون والعباسيون والفاطميون والبويهيون والعثمانيون والصفويون كلهم أتوا بإسم الاسلام وبتأييد من فقهاء المسلمين.
هنا يحق لنا أن نتساءل ما الذي حققه لنا هذا الإسلام المؤدلج من الأمويين الى الآن؟ ما الذي جناه المسلم من كل هذه المغامرات التي خاضها أصحابها بإسم الاسلام وبتأييد الواعظ أو الفقيه الإسلامي؟ أيهما أكثر فتكاً القنابل النووية التي ألقيت على اليابان لتستيقظ وتكون كما هي اليوم أم الفتاوى الجهادية التحريضية التكريهية والتي قتل بسببها ملايين من الأبرياء وشرد من نتانة رائحتها الملايين؟.
ألا يستفيق الرأي العام عندنا لكي يرى أننا قلقون، خائفون ومتخلفون بإسم الدين (الدين البشري)؟ كم من الدماء ستسيل على أرضنا حتى ندرك ونؤمن أن الله لا يريد لرسالته ان تنتشر بالقوة والدم؟!
وبمراجعة بسيطة الى حال الأمة الإسلامية سنكتشف ان معظم الإضطراب والتراجع والتخلف الذي لحقها ناتج من فكرة المتدين الذي لا يفهم الدين ولا يسمح للآخر ان يرشده الى مسالك الحياة أو طرق السماء، فهم كما يقول المثل الطفولي “إما ألعب أو أخرب الملعب”، ومصداق هذا القول الوضع في الوطن العربي، فالعراق مثال صارخ وكارثي من حيث القتل الطائفي بنصوص دينية وبمعاول أقلام الفقهاء لم يتقاتل العراقيون على ثارات مدفونة ولا على أحقية ممتلكات تعود لطرف دون آخر ولا على تقاعس جهة في الدفاع عن الوطن دون الاخرى، لكنهم تقاتلوا ونحر بعضهم البعض الآخر بإسم المذهب والطائفة والدين. ولا أعرف أي دين هذا الذي يوغل في قتل الأبرياء دون وازع إلهي أو إنساني. وأي أحاديث هذه الناصة على هدم البشرية من خلال قتل البشر؟ بالتأكيد أنها ليست شرائع الله ولا دينه لكنها الدين البشري المخلوق من النصوص القديمة.
الوطن العربي لم يكن بأحسن حال من العراق من حيث الاستقرار وتغلغل المد السرطاني المتخفي بلباس الدين، فالجزائر شهدت موجات من الذبح المغولي المتأسلم وكذلك مصر في مطلع التسعينات، والصومال لا زالت رازحة تحت يافطة “الشباب” الذين شيّبوا الصومال الهرم لفرط جرائمهم.
الخلاصة: هناك فكر ديني إسلامي سياسي صاعد الى السطح لا يملك اي مقومات السماحة الإسلامية الدينية. أدواته التي يتعامل بها هي الإقصاء والقتل وجزّ الرؤوس. يتمظهرون بمظهر الورع والخوف والخشية من الله لكنهم يستبطنون حقداً وسمّاً زعافاً يريدون أن يسيطروا على العالم العربي والإسلامي لكي يقيموا خلافتهم المنشودة والتي منها سينطلقون حول العالم غازين أو محررين لكي يعيدوا مجد الأمة المسلوب، فالأندلس يجب ان تعود الى ربوعهم، وأوروبا إما ان تدفع الجزية أو الحرب!! فمتى سنستفيق؟؟
Leave a Reply