أحمدي نجاد فـي الدوحة
«صورة تغني عن ألف كلمة».قد لا تنطبق هذه المقولة الإنكليزية إلى حد بعيد على مشهد دخول الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد متشابكي اليدين إلى قاعة مؤتمر قمة مجلس التعاون الخليجي الذي انعقد في العاصمة القطرية الدوحة، يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين.تعكس الصورة مودة واضحة في إستقبال الرئيس الإيراني في فناء البيت الخليجي الذي إلتأم أربابه في قمة إستدعتها ضرورات إظهار التضامن والإنسجام بين أهل البيت في مواجهة أية عواصف سياسية أو عسكرية قد تهب على المنطقة من باب الصراع الأميركي الإيراني. دعوة الرئيس نجاد إلى القمة ربما لم تكن رغبة سعودية في المبدأ إلا أن الإيحاءات السعودية بدت واضحة في إشراك إيران في «هم الخليج» الذي لم يعد مهما وصفه بـ«الفارسي» على لسان أحمدي نجاد طالما أن أي حريق في المنطقة لن تطفئه هويته سواء كانت عربية أم فارسية.ثمة رعب حقيق ينتاب دول مجلس التعاون الست من إمكانية تحوّل الصراع الأميركي – الإيراني إلى مواجهة عسكرية إذا قررت إدارة الرئيس الأميركي توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، على خلفية ملفها النووي العالق مع الغرب. ترجم هذا الرعب الخطاب الذي ألقاه أمير الدولة المضيفة قطر، الشيخ حمد بن خليفة ودعوته إلى تفادي المواجهة المحتملة باللجوء إلى الوسائل السياسية ولـ«تجنب شرور لا مصلحة فيها لأحد، بل إن ضررها واقع على الجميع».لم يلامس الرئيس الإيراني عتبة الخوف الخليجي على أمن وإستقرار المنطقة عندما تجنب في خطابه الإشارة إلى أزمة الملف النووي لبلاده واستعاض عن ذلك بطرح رؤيته التنموية لمنطقة الخليج، في الخطاب الذي بدا «إقتصاديا» بامتياز، وتضمن إثني عشر بندا تمحورت حول «التآزر» و«تكافؤ العلاقات»، وفتح الحدود أمام «التنقل الحرّ» لمواطني دول المجلس وإيران، وحرية التملك للإيرانيين في دول مجلس التعاون، وللخليجيين في إيران، دون أن ينسى ذكر «تنمية السياحة النزيهة والعائلية» وفي هذه الإشارة محاولة وضع «سقف أخلاقي» أمام سياح دول مجلس التعاون التي ربما قصد نجاد من خلالها القول بـ«السياحة الحلال» إلى الجمهورية الإسلامية التي صعدت في الآونة الأخيرة من إجراءات فرض الإلتزام بالحشمة على النساء الإيرانيات.الكلام الوحيد في خطاب الرئيس الإيراني عن المخاطر المحدقة بدول المنطقة تمثل في الإشارة إلى «الأعداء المشتركين» لإيران ودول مجلس التعاون، وإذ حاذر نجاد تسمية هؤلاء الأعداء، كان واضحاً أنه يقصد أميركا ولكنه لم يشأ إحراج مضيفيه بصريح العبارة. ثمة الكثير من الملفات العالقة بين عرب الخليج وفرسه تبدأ في العراق الذي أحدث الغزو الأميركي له وإنهيار دولته فراغاً في الإقليم قطعت الجمهورية الإسلامية شوطاً بعيداً في ملئه. وتشمل تلك الملفات فلسطين ولبنان، ناهيك بالتحالف «الإستراتيجي» مع عاصمة الأمويين.ليس سراً أن المملكة العربية السعودية غاضبة من السلوك الإيراني في إدارة الملفين الفلسطيني واللبناني إذا اعتبرنا أن المملكة وسائر دول مجلس التعاون قد «سلمت» لإيران بنفوذها العراقي، وطالما أن مصير العراق بات في عهدة المحتل الأميركي الذي يفاوض الجار الإيراني على أمن جنوده بالإغراءات تارة وبالتهديدات تارة أخرى. ويعتبر السعوديون أن «إتفاق مكة» بين «حماس» و«فتح» سقط ضحية «التدخل الإيراني» في الشأن الفلسطيني وتحريض حماس على إقامة «دولة غزة» بقوة السلاح والمدد الإيراني. يسعى السعوديون أيضاً إلى إنتزاع الملف اللبناني من القبضة الإيرانية وهم ضغطوا على الأرجح على فريق الأكثرية النيابية اللبنانية للقبول بتعديل الدستور لإيصال قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان إلى سدة الرئاسة، بتنسيق مع الأميركيين والفرنسيين.على أن المشكلة الخليجية مع إيران ورئيسها المحافظ لن يحلها الحضور الإحتفالي لأحمدي نجاد في مؤتمر الدوحة، والتأكيد على حسن النوايا الإيرانية تجاه دول مجلسها أو تقديم طلب إنتساب بصورة غير مباشرة إلى النادي الخليجي من بوابة التعاون الإقتصادي والأمني. فتصريحات الرئيس الإيراني والمرشد الأعلى للثورة وباقي فريق المحافظين الذي يمسك بمفاصل القرار السياسي الإيراني، على مشارف مؤتمر آنابوليس وخلاله، لا تزال أصداؤها تتردد على ضفتي الخليج وفي سائر أرجاء المنطقة العربية. فإيران أعلنت على لسان نجاد وكل الفريق الذي يمثله في السلطة الثورية الإسلامية أن القضية الفلسطينية ليست ملكاً للعرب بل هي ملك لكل المسلمين وعلى رأسهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وإيران رأت في المؤتمر محاولة أميركية لتشديد العزلة حولها حتى مست حدود التحالف الإيراني مع دمشق في محاولة زعزعته أو فكه عبر «التنازل» أمام المطلب السوري بإدراج مرتفعات الجولان المحتلة بندا على جدول أعمال آنابوليس وربط دمشق بما يستتبعه من مؤتمرات لاحقة في موسكو وغيرها من العواصم العالمية. وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي أنها قدمت «خدمة» لسوريا بإقناع الإدارة الأميركية بدعوة دمشق إلى آنابوليس وفتح أفق عودة النظام السوري إلى حظيرته العربية منذ الزيارة التي قامت بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، إلى العاصمة السورية والتي اثارت ريبة طهران من مؤامرة عربية لفك تحالفها مع دمشق. ردة الفعل الإيرانية على هذه المحاولات العربية تجاوزت حدود الهجوم على السياسة الأميركية ومبادرتها الأخيرة المتمثلة بـ«مؤتمر العلاقات العامة» في آنابوليلس والذي لم يذهب إليه العرب ومنهم سوريا بأية أوهام حولى تمخضه عن نتائج ملموسة على صعيد جهود حل الصراع وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية التي «يرغب» الرئيس الأميركي برؤيتها إلى جانب «دولة اليهود» قبل خروجه من البيت الأبيض. ينتظر الإيرانيون بروز ملامح المرحلة المقبلة من صراعهم مع الإدارة الأميركية المنزعجة من تقرير أجهزة إستخباراتها الأخير حول تخلي إيران عن برنامج تسلحها النووي منذ 3002.وإذا كان الخليجيون الملتئمون في الدوحة يعيشون هاجس الحرب الأميركية ضد جارهم الإيراني وما قد تجره من كوارث على إستقرار وإقتصاديات دولهم التي تشهد ثاني أكبر طفرة نفطية منذة سبعينات القرن الماضي، فإن الإيرانيين بسلطتهم المحافظة ومعارضتها الإصلاحية يعيشون القلق الدائم من النوايا الأميركية تجاه نظامهم الثوري الإسلامي. يعمل الإيرانيون، بناء عليه، على تشديد قبضة إمساكهم بالأوراق العربية ويخشون على تحالفهم مع آخر أنظمة وحركات «الممانعة العربية» في دمشق وغزة وبيروت. لذا لم يكن «فألاً حسناً» لهم أن يلاحظوا التردد السوري في رعاية مؤتمر الفصائل الفلسطينية المعارضة في دمشق، بالتزامن مع إنعقاد مؤتمر آنابوليس لـ«المهرولين» وتلعثم هذه الفصائل في الإجابة على دعوة إيرانية لها للحضور إلى طهران قبل أن تطلب «مهلة» بدت مرتبطة بحدود الإنخراط السوري في الجهود الأميركية لإحداث إختراق على جبهة الصراع الفلسطيني الإسرائلي أو على المسار السوري – الإسرائيلي. من هنا، وربطاً بالصراع الأميركي-الإيراني، يمكن العثور على الأسباب الحقيقية لتعثر الإستحقاق الرئاسي اللبناني الذي بدا للوهلة الأولى أنه خرج من عنق الزجاجة وبات اللبنانيون بعض لياليهم على أمل أن يكون لهم رئيس للجمهورية يمثل قاسماً مشتركاً لجميع أطيافهم السياسية والطائفية، هو قائد الجيش العماد ميشال سليمان. ومنذ أن تحوّلت أزمة الرئاسة اللبنانية إلى أزمة ذات «طابع عالمي» جندت لها كل القوى العظمى طاقاتها ومبعوثيها وتجاوزت معضلة التوافق المحلي على اسم الرئيس العتيد، غداة مؤتمر آنابوليس، عادت هذه الأزمة مجدداً إلى عنق الزجاجة مرتدة بـ«فلينة» الطروحات المسيحية التي جوجلها الجنرال ميشال عون معلناً نفسه مرجعية سياسية للمسيحيين وطالباً من بكركي أن تلتزم حدود «دورها الروحي والوطني» وتبتعد عن التجاذبات السياسية التي لم تعد من «إختصاصها».بدت أزمة الإستحقاق الرئاسي بكل تعقيداتها، مرة جديدة، على وجه الجنرال في آخر إيجاز صحفي يوم الخيمس عندما «طمأن» اللبنانيين بأنه لا يخشى الفراغ ولو إمتد لسنة أو أكثر معيدا الروح إلى مبادرته «الإنقاذية» التي أطلقها عشية إنتهاء الملهة الدستورية للإنتخاب في 23 كانون أول الجاري وواضعاً انتخاب قائد الجيش في إطار شروطها.تلك المبادرة كان فريق الموالاة قد رأى فيها هروباً إلى الأمام و«إبتدع» لتطويقها مبادرته المفاجئة بموافقته على تعديل الدستور وترشيح قائد الجيش لمنصب الرئاسة.
يستفاد من التشدد المتجدد في لهجة الجنرال عون ووقوف حزب الله خلفه بقوة أن طبخة ترشيخ قائد الجيش لا تزال تنقصها مقادير إقليمية ودولية وأن اللبنانيين لن يأكلوا «طبيخاً رئاسياً» طالما أن واشنطن وطهران لم تحسما وجهة صراعهما سلماً أم حرباً، وما عدا ذلك يندرج في أحاديث الخرافة لأكثر من «أم عمرو» من اللاعبين المحليين العاملين على موجات البث الإقليمي والدولي، ولو انتقل برنارد كوشنير للإقامة في بيروت وافتتح فيها مكتباً للمراجعات السياسية!
Leave a Reply