عباس الحاج أحمد
قوة غامضة تتحكم بالعالم. وهم بارز يدير خفايا النفس البشرية باسم الرغبة والجشع. تتحرك أقدام الموظف في الصباح، يهاجر الشاب وطنه، تُفتعل الحروب، تنفجر القنابل، تُجفّف البحار وتُصطاد الحيوانات لأجل تلك القوة.. وذلك الوهم المتمثل بإلهٍ مخفي اسمه: المال.
يدخل التلميذ المدرسة ظناً منه بأنها المكان الآمن لتعليمه وتحصيل المال مستقبلاً. يركض المتخرج الجامعي نحو التوظيف ليدخل في دوامة يحسبها عجلة تطور وارتقاء. يحدث كل ذلك قبل أن نكتشف بنهاية العمر حجم الخطأ المرتكب بحق أنفسنا. إذ تحولنا إلى فئران استهلاكية وعبيداً للمال دون أن ننتبه لذلك أثناء مسيرة الحياة.
«يعد المال أحد أشكال القوة، لكن التعليم المالي هو القوة الأكبر من المال. المال يأتي ويذهب، لكنك إن تعلمت أشياء عن طبيعة المال فلديك السلطان النافذ عليه وبوسعك تحصيل ثروتك. لن يجدي التفكير الإيجابي للمرء نفعاً وحده. إذ قد ذهب أغلب الناس إلى المدارس ولم يتعلموا شيئاً عن طبيعة المال قط، ولهذا أنفقوا أعمارهم في العمل لجنيه»، بهذه الكلمات يستهل الكاتب روبرت كيوساكي كتابه المُلهِم: «الأب الغني والأب الفقير».
كتاب مليء بأسرار الواقع المالي العالمي وكيفية تعاطي النفس البشرية مع الخوف والجهل والرغبة والجشع أمام سلطة المال، في مواجهة بين أبوين: الأول والده، وهو دكتور جامعي لا يملك بصيرة الرؤية الواقعية ووصفه بـ«الأب الفقير». والثاني والد صديقه، صاحب العقل الاستثماري الناجح والرؤية الاستراتيجية وقد وصفه بـ«الأب الغني». يقرر الفتى تعلم دروس الحياة من والد صديقه صاحب العقلية الاستثمارية المليئة بالمغامرات ويتخلى عن أفكار والده الأكاديمي الذي يبحث عن الأمان.
«إنك إن تعلمت دروس الحياة فستحسن الصنع، أما إن لم تتعلمها فستستمر الحياة بتسييرك. فالناس قسمان: قسم يترك الحياة تسيّره وحسب، وقسم يغضب.. الحياة تدفعنا جميعاً، فيستسلم البعض منا، فيما يقاتل آخرون. هناك قلة من الناس تعي الدرس وتتابع …»، بهذه الكلمات يختصر الأب الثري كلامه: «أعلم أن الخوف هو ما يُبقي الناس في وظيفة ما. الخوف من عدم سداد فواتيرهم، الخوف من الفصل عن العمل، الخوف من نقص المال.. يضحى أغلب الناس عبيداً للمال …».
ويتابع الأب الثري حديثه منتقداً الأنظمة التعليمية وروح الاستسلام والخنوع للواقع ومصراً على نهج خوض التجارب والمحاولات المتكررة مع فهم طبيعة عالم المال والضرائب وأنظمة البنوك والمصارف «إن تعلم كيفية جعل المال عاملاً لأجلك.. دراسةٌ تمتد طيلة حياتك، بينما تنتهي دراسة أغلب الناس بذهابهم إلى الجامعة لأربع سنوات.. نمط الاستيقاظ والذهاب للعمل وتسديد الفواتير. تجري حياتهم طبقاً لغريزتين: «الخوف» و«الجشع». اعرض عليهم المزيد من المال، سيدورون في نفس الدوائر فيزيد إنفاقهم. وهذا ما أطلق عليه اسم: سباق الفئران».
يكمل الأب الثري حديثه موضحاً رأيه بشأن أهمية التعليم، وأن نقده يأتي من منطلق أن المدرسة أو الجامعة هي نهاية مطاف التعليم، وليس بدايته.
يؤكد على أهمية خوض المغامرات قائلاً: «تنفق حياتك لاعباً في الجانب الآمن.. وترتعد من خوض المخاطرة. كنت ترغب حقاً في الفوز، لكن خوفك من الخسران فاق حماستك للنجاح، وفي صميمك ستعلم، أنت وحدك ستعلم، أنك لم تسع للنجاح.. بل اخترت اللعب في الجانب الآمن».
في عالم مليء بالفقاعات المالية، عالم يحرك فيه الاقتصاد رجال الساسة والعسكر، عالم يتحكم به آلهة المال فترتفع أسهم الحروب كما أسهم البورصة والعملات، عالم تُشترى وتُباع فيه المدارس الفكرية والدينية حسب المصالح البراغماتية، لا بد فيه من تحصيل ثقافة مالية إلى جانب الثقافات الأخرى، وهذا الكتاب يشكل باباً هاماً، نظرياً وعملياً. باباً يختصر تاريخ الضرائب ونفوذ الشركات، وأهمية جعل الهدف التعلم وليس كسب المال، إلى جانب العقلية الابتكارية المليئة بالشجاعة.
Leave a Reply