تتوالى الأفلام الإسرائيلية التي تتناول موضوع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، فبعد فيلم “بوفور” (أو قلعة الشقيف، لمخرجه يوسف سيدار)، جاء فيلم الرسوم المتحركة “فالس مع بشير” (للمخرج آري فولمان) الذي فاز بجائزة “سيزار” أفضل فيلم أجنبي في فرنسا، وجائزة “غولدن غلوب” المعروفة، ثم يأتي أخيراً فيلم “لبنان” (للمخرج صموئيل موعاز) المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية السينمائي لهذا العام.
وما يجمع بين تلك الأفلام، هو الرعب الذي عاشه الجندي الإسرائيلي خلال تلك الحرب، الأمر الذي يمكن اختصاره حقاً بتلك الجملة التي أطلقها صاحب فيلم “لبنان”، حين قال: “إن إخراج هذه الدبابة من رأسي تطلّب مني عشرين عاماً” في إشارة إلى دبابة “الميركافا” التي تشغل معظم مشاهد الفيلم.. والجملة السابقة لا تشير فقط إلى الرعب المادي الذي عاشه الجنود الغزاة، بل تشير بكثير من الدقة إلى الرعب الذهني والوجداني، الذي مازال يسكن أرواح الإسرائيليين ونفوسهم منذ ما يزيد على ربع قرن.
ثمة أسئلة يمكن أن تطرح في هذا السياق، فهل يصح التساؤل.. بأن حرب إسرائيل في لبنان ستتحول إلى عقدة في الوعي الإسرائيلي، على غرار العقدة الفيتامية التي ماتزال هوليوود تعيد إنتاجها حتى الآن، بعد مرور عقود على انتهاء تلك الحرب.
ثم ماذا عنا نحن العرب؟ هل يمكن للقارئ أن يتذكر أي فيلم سينمائي تناول موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، وهل سنتمكن ذات يوم من ربح جائزة فنية عن عمل يتناول موضوع الصراع المرير، ولا بأس إذا كنا خسرنا جميع الجوائز السياسية في هذا الإطار؟ نتذكر بالكاد ذلك الفيلم التلفزيوني “الطريق إلى إيلات” الذي أعيد إنتاجه أكثر من مرة في نسخ تجارية غير جديرة بالمشاهدة. وماذا عن الدراما التلفزيونية (المزدهرة هذه الأيام)؟ ما عدا مسلسل “رأفت الهجان” يكاد لا يوجد أي مسلسل آخر..
ثمة فارق جوهري، يجب عدم إهماله. الآخرون.. يملكون الشجاعة الأدبية والأخلاقية لتقييم تجاربهم وحروبهم وخساراتهم وبشاعاتهم، من دون الخوف من التهم الجاهزة التي نتقنها. الآخرون لا يتوجسون خيفة من تعابير من قبيل “توهين نفسية الأمة” و”إضعاف الشعور الوطني”!
ولكن فعلاً، لماذا لم تنتبه السينما العربية إلى موضوع الصراع الذي يتدخل في جميع شؤوننا اليومية والثقافية والسياسية؟ وبالمناسبة ثمة الكثير من الممثلين والمخرجين العرب كانوا قد شاركوا في معارك تشرين وحزيران (وبعضهم في معارك لبنان) لكنهم لم يعمدوا إلى سرد حكاياتهم وتجاربهم. التكاليف المادية الباهظة.. لأفلام المعارك واهية، فثمة مسلسلات بدوية، وأخرى فنتازية، وأخرى خرافية، تزيد أكلافها على ميزانيات وزارات الثقافة في بعض البلدان العربية.
الأمر ببساطة يتعلق بالشجاعة الشخصية والأخلاقية، ومن غير المنتظر أن نشاهد قريبا أعمالا فنية تعترف بجبننا وتخاذلنا، لا على المستوى الشخصي ولا على المستوى الرسمي. هل يمكن أن نرى يوماً فيلماً عربياً، يتحدث عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان، أو فيلما عربياً عن الاحتلال الأميركي للعراق؟ قام الإسرائيليون بصناعة هكذا أفلام، وسيقوم الأميركيون بصناعة أفلام من النوع، بلا شك..
وأخيراً، لزم المخرج الإسرائيلي “موعاز” عشرين عاماً ليخرج الدبابة من رأسه، فكم عاماً يلزمنا لكي نتعلم القراءة والكتابة؟!
Leave a Reply