بلال شرارة
ليس من قبيل المصادفة ان يدعو 51 دبلوماسياً أميركياً يعملون في الخارجية الأميركية في هذه اللحظة السياسية (غمرة التحضيرات للانتخابات الرئاسية) وفي آخر عهد الرئاسة الثانية للرئيس باراك أوباما وبعد دخول الحرب السورية عامها السادس -يدعون- الى توجيه ضربة محدودة مباشرة الى نظام الرئيس بشار الاسد تدفعه الى إبرام اتفاق سلام.
ويقول هؤلاء إن الحرب كبدت سوريا نحو ٤٠٠ ألف قتيل وشردت أكثر من 12 مليون شخص، كما خلفت مئات الآلاف من الجرحى والمعوقين، وحولت دولا كبرى واقليمية الى ساحة اشتباك ولم يبق احد في العالم إلا وانحاز لطرف في جبهات القتال. وقد مهدت الحرب السورية لظهور «الدولة الداعشية» القائمة على نسخة متطرفة من الإسلام الذي يهدد المنطقة العربية والعالم برمته.
وقد تساءل الدبلوماسيون عما إذا كان التدخل الاميركي المباشر من خلال عملية عسكرية جوية محدودة سيؤدي لتغيير اللعبة السياسية أم سيؤدي الى توريط الولايات المتحدة في حرب طويلة أو مواجهة مباشرة مع روسيا؟
والسؤال الثاني الذي طرحه الدبلوماسيون في رسالتهم هو: هل أن إسقاط النظام في سوريا سيخلق المزيد من الفوضى باعتبار انه سيؤدي الى إسقاط الدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية وتصبح حالة سوريا شبيهة بحالة ليبيا اليوم (دولة بلا رأس وفوضى عارمة لا تخلو من التجاذبات الدولية لاسيما مع تورط الدول الخليجية التي تقاتل وتدرب وتمد المعارضة السورية والمجموعات الإرهابية بالسلاح والعتاد وبالقرار وبالحصانة السياسية بحسب نائب الرئيس جو بايدن، فإن جواب كل الاسئلة كان لا يؤدي الى حل للأزمة السورية وانما الى المزيد من التعقيدات بما في ذلك في حال إسقاط النظام.
وفي المقلب الآخر، فإن الفريق الذي تقوده المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون ورئيس الاستخبارات السابق الجنرال بيتراوس يدعم عملية عسكرية مباشرة في سوريا ربما تعول أطراف خليجية وبشكل خاص من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات على هذه الرسالة في رسم الخطوات المقبلة لمرحلة ما بعد الرئيس أوباما الذي وقف بشكل حازم ضد التدخل المباشر في سوريا.
وترى أوساط سياسية شرق أوسطية أن مضمون الرسالة الدبلوماسية (الدبلوماسيون يعملون باشراف وزارة الخارجية والبيت الأبيض) لا يقدم إجابات شافية على الأسئلة من خلال الدعوة الى عمل عسكري وضرب الجيش السوري لأن ذلك من شأنه أن يعطي فرصة للتنظيمات الإرهابية للتمدد في سوريا على حساب الدولة.
وتقدم تلك الأوساط العراق كأنموذج حيث لم يتم الاستماع الى نصيحة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بإنشاء مجلس عسكري يفوز ويحتفظ بالجيش العراقي بدل تفكيكه، لأن البديل هو الفوضى العارمة، ووقتها لم يستمع احد في الإدارة الأميركية للنصيحة بل تم المضي بحل الجيش العراقي الذي تحول الى نواة تنظيم «داعش» بتمويل خليجي.
وترى الاوساط أن عدم بناء بديل لنظام القذافي البائد في ليبيا قبل توجيه الضربات القاضية لنظامه ومطاردة موكبه عبر البلاد حتى اعدامه وخوزقته، مكن شخصيات متعصبة تكفيرية من القبض على مقاليد الأمور في ليبيا والتناحر فيما بينها والتصدي لمشروع الدولة وتهديد أمن دول الجوار، مصر والجزائر وتونس.
وتحول الساحل الليبي الى ميناء لضخ المهاجرين والتهريب غير الشرعي والاتجار بالبشر، وترى الأوساط الشرق أوسطية أنه لا بد للجميع من أن يقفوا ويفكروا ويتبصروا في مآلات الأمور بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في أميركا وقول الشعب الأميركي لكلمته.
وتقول الاوساط ان الوقائع السورية، والشرق اوسطية والعالمية عموماً باتت تستدعي إعادة ترتيب الأولويات الدولية والتوحد ضد الإرهاب وتجريده من امكانية التوسع والانتشار عبر عمليات دموية اعلامية تقوم بها خلاياه النائمة، ولا بد في هذا المجال من تبادل المعلومات الاستخبارية حول الإرهاب ومصادره وعديده وعتاده.
أخيراً ترى المصادر أن الرسالة التي وجهها 51 دبلوماسياً أميركياً الى إدارة الرئيس أوباما ومضمون الأسئلة التي تضمنتها بغض النظر عن استنتاجاتها ورؤيتها لحل الازمة السورية، تفتح الباب أمام اقتراح سياسات جديدة على الإدارة الأميركية القادمة، تبدأ بمشروع دولي ليس لمنع اقتناء الاسلحة النووية والمحرمة دولياً والفتاكة فحسب وانما أيضاً بوقف آلات القتل التقليدية في سوريا والعراق وباقي الدول العربية.
Leave a Reply