فكرة مقاطعة بعض الفضائيات العربية للمسلسلات السورية فكرة بذيئة تنبع بذاءتها من فكر المسؤولين عن تلك الفضائيات والواقفين خلفهم من الفاسدين والمفسدين في الأنظمة السياسية، فليس معنى أن اختلاف دولة في رؤاها وأيدولوجيتها عن دول أخرى، أن يصار إلى فرض حصار على إنتاجها الفني والأدبي والفكري، وإلا كان الأجدى بهؤلاء الفاسدين أن يروّجوا لمقاطعة دول طالما دعمت عدو العرب الأول والتاريخي إسرائيل، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا، أو دول ازدرت نبي الله محمدا في رسوماتها التهكمية كالدنمارك، وعندها كان يمكن أن نجد مبررا للفضائيات والأنظمة التي تمنع عرض الدراما السورية على شاشاتها.أم أن ما يبعث في نفوس هؤلاء الغصّة أن الدراما السورية تفوقت على ما سواها، خصوصا المصرية منها والتي أضحت في الآونة الأخيرة كأنها دراما محنطة كتماثيل أبي الهول ورمسيس ونفرتيتي، فهؤلاء نكن لهم عظيم التقدير كونهم كانوا ملوكا سادوا ثم بادوا، أما أن يطلب منا كمشاهدين عرب أن نسيّد على شاشاتنا ممثلين أفلت نجومهم ولفظتهم السينما فهذا مغاير لحركة التاريخ، فالأمة المصرية أمة ولادة لا يجب أن تقف حركة الدراما فيها على سميرة أحمد وفاتن حمامة وميرفت أمين وليلى علوي وبوسي وسهير رمزي وإلهام شاهين ومن الرجال حسين فهمي ومحمود ياسين ويوسف شعبان ومحمود عبد العزيز وفاروق الفيشاوي، وهؤلاء يصل أجر البعض منهم إلى مليون دولار عن دوره في المسلسل الواحد ليطلوا على المشاهدين في رمضان وكأن الشهر الفضيل موسم لثراء الكهول على حساب الملايين ومن أجل الملايين، كان الأجدى أن تنفق هذه الأموال لصناعة نجوم جدد على الساحة الفنية المصرية. أما الإنتاجات الخليجية باستثناء المسلسل السعودي المبدع «طاش ما طاش» فهي في معظمها لا ترقى إلى مستوى عرضها على الشاشات، فنجومها هم كذلك من زمن آفل يرجع لعصر الخمسينات والستينات من القرن الماضي، والموضوعات المختارة لهذه المسلسلات أما تاريخية ضحلة وأما عصرية مبتورة، الحوار فيها أما صراخ أو دموع، نوع من الدراما لا يواكب العصر بمعضلاته وإنجازاته. في ظل هكذا إنكفاء وتراجع في الإنتاج والإبداع الدرامي وفي ظل تواجد مئات الفضائيات العربية المفروض إستعدادها للإلتهام أي كمّ من المسلسلات تقف صناعة الدراما السورية عاجزة عن تسويق إنتاجها وعرضه على الشاشات العربية، ما دفع الحكومة إلى إلزام التلفزيون السوري في هذا الموسم بعرض معظم المسلسلات المنتجة هذا العام وتعويض القائمين عليها بنصف المبالغ التي أنفقت على هذه المسلسلات والتي وصل عددها هذا العام إلى 25، في حين وصل عددها العام الماضي إلى 40 مسلسلا معظمها بقي حبيسا في العلب.تجدر الإشارة إلى أن المسلسلات السورية غاية في الإبداع لناحية الموضوعات المتناولة، فهي جديدة وعصرية والحوارات فيها قصيرة لا تبعث الملل، والصور مشوقة أغلبها التقط في بيئات حية، وإخراجها رائعا والممثلون فيها كلهم أبطال مهما كان دورهم قصيرا. أخيرا وبرغم كل المعوقات فإن صناعة الدراما السورية لا يخشى عليها من الإندثار، وهذا الحصار المفروض عليها رسمياً بدأ ينكسر عبر إنتاجات مشتركة مع المصريين واللبنانيين والأردنيين، فالشمس عندما تشرق لا يغطيها غربال.
Leave a Reply