إحتفل تيار “بشير حيةٌ فينا” بذكرى مقتله قبل أن يصل إلى قصربعبدا حيث كان ينتظره هناك لتسليمه مقاليد البلد، وعلى أحرمن الجمر وبالأحضان والده الروحي إلياس سركيس، وجه الشؤم لشبه الوطن مع وزيره الدائم فؤاد بطرس، وذلك بعد أن أبلى بشير الجميل “بلاءً حسناً” في مساعدة الغزو الإسرائيلي في تضييق الحصار وخنق بيروت في ذلك الصيف المجنون من عام ١٩٨٢حين احترقت العاصمة بالقصف الإسرائيلي البري والجوي والبحري- تلك العاصمة التي ضمت كل أبنائها، احترقت ولم ترفع الرايات البيضاء، فكوفىء إبن الجميل على فعلته بـ”تعيينه” رئيساً للجمهورية. كم بلغت نذالة “النواب” الذين أدلوا بأصواتهم، ترهيباً أوترغيباً، وبرطيلاً أقرب للحقيقة، من أجل تنصيب بطل المجازر رئيساً عليهم، بالإكراه الإسرائيلي، وبيع وطنهم من أجل حفنة من الدولارات؟
وسط هتاف “يا نصرالله صبرك صبرك، الأشرفية قبرك” تم الإحتفال السوريالي اللبناني بحضور جمهور باهت وبمشاركة الدولة بينما لم يذكر أحد مجازر صبرا وشاتيلا التي صادف ذكراها في نفس الوقت، تلك المجازرالمرتكبة من قبل الميليشيات “القواتية” والإسرائيلية المشتركة ضد الشعب الفلسطيني في المخيمات، من أجل “راحة نفس” بشير بعد اغتياله، كما صادف في التاريخ عينه ذكرى إنطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الإحتلال التي لم يذكرها إلا قلائل. وعلى ذكر التاريخ، سئل أينشتاين عن تعريف الجنون فقال “أن يقوم شخص بفعل نفس الخطأ ويتوقع نتيجة مختلفة”. وهذا ينطبق تماما اليوم على “صبي” الكتائب وإبن عمه وعلى سمير جعجع الذين يتبارزون ويتفاخرون علناً بالتحالف مع اسرئيل الذي جر الويلات والمصائب على المسيحيين قبل المسلمين، وهم يريدون تكرار نفس الجنون. ثم كم هو غريب هذا الحقد على المقاومة التي مرغت أنف إسرائيل في الوحل وهذا العداء الذي أورثه بشير الجميل لهم لا تضاهيه حتى الدولة العبرية! وتوج “الإحتفال” بقداس تحدث فيه نديم الجميل ففقع “خطاباً” نارياً وكان “أول دخولو شمعة عطولو”. وبينما جلست طاهية شارون المفضلة وإبنتها إلى جانب عمه في الصف الأمامي، بغياب “خليفة بروس لي”، إتهم سوريا باغتيال والده وباقي الأشخاص خلال “ثورة البطيخ” وتجرأ أن يطرح إسم أبيه مع إسم الزعيم كمال جنبلاط، الذي أفنى حياته في محاربة الإنعزالية واليمين الفاشي عندما كان جده يلعب بالكلة! لقد نسي غلام السياسة أن رينه معوض وحسن خالد وغيرهما كانوا من المؤيدين لسوريا. والظاهرأن نديم لم يقرأ مذكرة سعد الحريري التي برأ فيها سوريا من الإغتيالات أو ربما لأنه في صراعٍ مرير على السلطة مع إبن عمه المغناج سامي الجميل، كما كان من قبل أبوه وعمه أمين الذي كاد يخسرحياته في نزاعه مع الشقيق الذي صفى الجميع بدون إستثناء، إلى أن طرد أمين من المنطقة الشرقية. كان الأحرى بنديم أن يسأل عمه عن حبيب الشرتوني المتهم بإغتيال بشير الجميل والذي ألقي القبض عليه في عهده الميمون ولم يظهر طيلة حكمه الموبوء أنه مهتم بكشف قتلة أخيه.
وسبق هذه الذكرى، “إحتفالية” سمير جعجع بمناسبة حل “القوات” التي اصدرت ملصقاً مثيراً للجدل تضمن صور القتلى ومنهم صورة لداني شمعون الذي أدين سمير جعجع بتصفيته خلال محاكمة ترأسها رالف رياشي الذي يعمل اليوم مع المحكمة الدولية. كان الحري بسمير جعجع أن يضيف إلى داني شمعون لائحة ضحاياه الكاملة، وعلى رأسها الرئيس رشيد كرامي حتى تكتمل الصورة.
في هذه الأثناء، البلد مخضوض بعد إعتذار الحريري وتبرئة سوريا من دم والده وإيقاع اللوم على شهود الزور، مقابل محاولة أعضاء كتلته الحائرة التموضع مع الموقف الجديد فلم تتمكن من إستساغته وبلعه فقامت بالإنقلاب عليه بعد اجتماعٍ ترأسه “الخط الأحمر” فؤاد السنيورة بغياب الحريري. كما قامت “الأمانة السامة” لقوى “١٤ آذار” المحنطة بإستحضار لغة الحرب والفتنة متهمةً المعارضة بالإنقلاب خصوصاً بعد الحملة المركزة للواء جميل السيد والجنرال عون ضد سعيد ميرزا وأشرف ريفي ووسام الحسن. التصعيد الكلامي رافقه تحريك “القضاء العادل والنزيه” لإستدعاء جميل السيد للتحقيق معه في الاقوال التي أدلى بها خلال مؤتمره الصحافي الأخير. وقال جعجع لـ”كوادره” إنه إذا رفض السيد المثول أمام القضاء فإن الأخير سيكمل مساره وصولا إلى توقيفه، وفي حال حاول أحد ما الاعتراض على هذا المسار فسنواجهه في الشارع إذا لزم الأمر، وتاريخ “القوات” يثبت أنها تُقرن أقوالها بالأفعال. الله الله يا زمن، أصبح سمير جعجع “الوحي” لقضاء “شبه الوطن”. ولا ننسى، فبيد وزيره “العادل” ملف شهود الزور. مرة أخرى يحيا العدل! والظاهر أن التمرد “السنيوري-الجعجعي” على سعد وراءه أصابع مصرية لا تريد إبقاء معادلة “السين-سين” الراهنة والضابطة لإيقاع البلد، بإعتبار أن نظام مبارك يدعم السنيورة وججعجع بلا تحفظ.
وكم كان ممتعاً ومشوقاً في كل هذه الدراما اللبنانية (التي تستحق منافسة “مسلسل باب الحارة”) ظهور محمد زهير الصديق مجدداً، هذا “السوبرمان” الذي يملك التسجيلات من الأموات والأحياء، ثم مشاهدة كذب وخداع وإحراج عقاب صقر الذي كان أول المنبرين في الرد على جميل السيد متهماً إياه بأنه طلب من الحريري، عبر وسيط، مبلغ ١٧ مليون دولارمقابل تنازله عن حقه وأنه إذا “تجرأ” السيد وأنكر هذه الرواية فإنه سيكشف عن إسم هذا السمسار المالي التي هي إحدى صفات صقر نفسه مثله كمثل باقي المنتفعين من العطايا الحريرية. وعندما قامت محطة “الجديد” باستصدار نفي شخصي من جميل السيد على الهواء من باريس خلال مقابلة مع صقر نفسه في الإستديو، إرتد صقر على عقبيه وإمتنع عن كشف إسم السمسار!
بدأت المعركة ولن تتوقف ضد ألمحكمة الدولية التي بنيت على باطل منذ البداية ولا يمكن أن يصدر عنها إلا الباطل، ولهذا السبب تؤيدها إسرائيل ويدعمها سمير جعجع. ولهذا السبب أيضاً هرب فؤاد السنيورة عبرموظفته، وزيرة المالية، التمويل المالي للمحكمة الذي كلف لبنان ٩٥ مليار ليرة حتى الآن من دون موازنة أو موافقة مجلس النواب،هذا عدا عن الكلفة المعنوية والوطنية والسياسية الباهظة وعلى سعد الحريري أن يقرر بين خسارة بلد بأكمله أو خسارة “هيئة قضائية فاسدة” رهنت البلد مدة خمس سنوات وتلاعبت بمصيره وأصبحت أداةً في يد “الكبار” ولعبة الأمم؟
Leave a Reply