ديربورن – خاص «صدى الوطن»على مدى ثلاثة أيام، استقبل مهرجان الفيلم العربي في دورته الرابعة، في المتحف العربي الأميركي في ديربورن، جمهور ومتابعي السينما، وكان ملاحظاً.. تنوع الحضور وكثافته، من عرب وأميركيين، أظهروا ردود أفعال إيجابية تجاه العروض السينمائية، سواء من حيث متابعة الأفلام، أو من حيث المشاركة في مناقشة بعض العروض.كما أن اختيار الأفلام المشاركة عكس نضج الرؤية التي يمتلكها القائمون على تنظيم المهرجان رغم ضيق الخيارات، فجاءت الأفلام متنوعة في عدة مستويات، سواء من حيث طول مدة العروض (طويلة، قصيرة)، أومن حيث النوع الفني (وثائقي، تسجيلي، روائي)، أو مكان الأحداث (لبنان، فلسطين، الأردن، المغرب، مصر، الولايات المتحدة)، أو الرؤية الفنية وطريقة الاشتغال السينمائي، إضافة إلى تعدد الجهات الإنتاجية (الولايات المتحدة، فرنسا، فلسطين، لبنان، الأردن). وكان من اللافت تكريم المخرج الراحل يوسف شاهين من خلال فيلميه (باب الحديد، والمصير) وهي لفتة يستحق القائمون على تنظيم المهرجان كل الثناء والتقدير عليها.تضمنت عروض اليوم الأول فيلمين وثائقين فلسطنيين، هما: «أنا فلسطين» للمخرجة سها أعرج، والثاني «سلينغشوت هيب هوب» للمخرجة جاكي سلوم. تقوم فكرة الفيلم الأول على حكاية بعض الفلسطينيين وعلاقتهم مع الوطن المغتصب ومكانته في الذاكرة، ومأزق الهوية الفلسطينية التي تمارس ضدها كل أنواع العسف والنفي، وعدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. يعكس الفيلم مدى ارتباط الفلسطينيين بهويتهم وذاكرتهم وتراثهم على الرغم من جميع المصاعب.ويندرج فيلم جاكي سلوم في السياق ذاته، من خلال قصة مغايرة، تتلخص بحكاية بضعة شبان فلسطينيين يتخذون من أغاني الهيب هوب وسيلة للتعبير عن أنفسهم وقضايا شعبهم، وتظهر مدى الضغوط اليومية التي يرزحون تحتها بسبب ممارسات الاحتلال. تتضمن الأغاني التي ينتجها هؤلاء الشباب رسائل التعريف عن الذات، لتكون أساساً للحوار مع الآخر. واللافت في هذا الفيلم هو قبول المجتمع الفلسطيني لأغاني الهيب هوب، واحتضانه لهؤلاء الفنانين الذين لا يبخلون بتقديم المساعدة للمحيطين بهم، إذ يداومون على الذهاب إلى المدراس والتجمعات الأخرى، للالتقاء بالأطفال واليافعين وتعريفهم على الهيب هوب، في محاولة يرجى منها حماية النشىء الفلسطيني من الانزلاق إلى مقترحات الشوراع والحارات الفقيرة، حيث الرذيلة وتعاطي المسكرات والمخدرات..يذكر أن جاكي سلوم تحدثت في نهاية الفيلم عن تجربتها هذه، وعن أهمية تجربة هؤلاء الشبان ودلالالتها، وأجابت على أسئلة الحاضرين، بشكل تضمن الصعوبات التي واجهتها أثناء تصوير هذا الفيلم، لدرجة لجوئها إلى بعض أصدقائها اليهود من أجل الحفاظ على الأشرطة المصورة،اليوم الثانيتضمنت عروض اليوم الثاني أربعة أفلام، هي: «كيمو سابي» (إخراج رنا كزكز)، «كراميل» (إخراج نادين لبكي) «لوكستس» (إخراج جو نامي)، و«كابتن أبو رائد» (إخراج أمين مطالقة).يعرض فيلم «كيمو سابي» لفكرة اندماج العرب في المجتمع الأميركي، من خلال قصة الطفل يوسف الذي يطمح إلى مشاركة أولاد حارته بلعبة «كيمو سابي» اسم يعرفه الأميركيون جيداً، وهو اسم شخصية تلفزيونية لهندي أحمر.. يكون صديقاً لكاوبوي، ويعني هذا الاسم بلغة الهنود الحمر: الصديق الوفي، أو الصديق الذي يمكن الوثوق به. وبادخال العنوان «كيمو سابي» إلى بنية الفيلم.. يمكن استخلاص مقولة أخرى، يريد الفيلم طرقها، وهي مسألة اندماج الفلسطيني في المجتمع الأميركي، إذ.. هل من الممكن أن يكون «يوسف» «كيمو سابي» آخر؟. وهل يمكن ليوسف أن يكون هندياً أحمر صديقاً للكاوبوي؟ الفيلم يقول إن يوسف يريد أن يكون الكاوبوي نفسه.في فيلم «كراميل»، تستحضر نادين لبكي بيروت، بكاميرا أنثوية وشاعرية، من خلال قصة أربع فتيات يعملن في صالون تجميل للسيدات، فضلاً عن قصة أربع نساء أخريات، ليخرج الفيلم في النهاية فيلماً نسائياً من طراز رفيع، يستحق التأمل والتفكير. وفي هذا الفيلم لا تغيب هجاءات القيم الذكورية فحسب، بل تصل إلى مرحلة هجاء الرجل نفسه من خلال شخصية شرطي المرور التي يؤديها عادل كرم، في إشارة بالغة الدلالة ترى في الرجل شرطياً على الحياة كلها. ثماني نساء وثماني قصص وثماني حيوات تعكس واقع المرأة اللبنانية وأحلامها وهواجسها وموقعها في المشهد الاجتماعي والثقافي. فيلم يتحول فيه سكر البنات (أو العقيدة، وهي وصفة معروفة لإزالة الشعر الزائد) إلى دور البطولة في إشارة كثيفة الإيحاء والترميز لضرورة اجتثاث بعض الزوائد العالقة بالقيم الاجتماعية، لتصبح الصورة أبهى والحياة أقل تكلساً وبشاعة. هكذا يتم بث الرسالة بأكثر صورها وضوحاً، حين تقوم الفتيات بإزالة شاربي الشرطي، طالما أن الشاربين هما رمز الرجولة والذكورة في الثقافة العربية.سكر البنات (أو العقيدة) يسبب الكثير من الألم، ولكنه ضرورة نسائية لإظهار بهاء الجسد الأنثوي، وينبغي سكر بنات من نوع ما لاقتلاع بعض البشاعات في حياتنا، ولا بأس ببعض الألم!…الفيلم الثالث كان بعنوان لوكستس، من إخراج جو نامي.أما الفيلم الرابع، فهو الفيلم الأردني: كابتن أبو رائد، وهو واحد من أجمل أفلام المهرجان وأحدثها (إنتاج 2008). فيلم مشغول بعناية ورؤية فنية وإخراجية تستحق مقاربة أفضل، وقراءة أعمق، لذلك ستفرد له جريدة «صدى الوطن» مقالة خاصة في عددها القادم.اليوم الثالثفي اليوم الثالث، استضاف المهرجان فيلمي يوسف شاهين (باب الحديد، والمصير) في خطوة تكريمية لواحد من عمالقة السينما العربية، وأكثرهم شهرة وشغباً. فجاء فيلم باب الحديد كأول الأفلام التي أظهرت براعة الإمكانات الإخراجية عند شاهين رغم أنه ليس أول أفلامه. وتدور قصة الفيلم حول شخصية «قناوي»، بائع الجرائد المعاق، الذي يقع في غرام فتاة تدعى هنومة وتعمل في بيع المثلجات في إحدى محطات القطارات. لكن هنومة تقع في غرام شاب آخر، الأمر الذي يدفع قناوي لترتيب خطة لقتلها وإلصاق التهمة بحبيبها. يفشل قناوي في الحصول على مراده حين يتسبب في قتل فتاة أخرى، مما يدفعه إلى الجنون. جدير بالذكر أن يوسف شاهين قام بدور البطولة في هذا الفيلم (شخصية قناوي) الذي يشكل بداية حقيقية لتجربة يوسف شاهين السينمائية، مخالفاً بذلك مواصفات العملية السينمائية التي كانت سائدة في مصر في ذك الوقت، ومقترباً أكثر فأكثر باتجاه الواقعية متأثراً بالواقعية الإيطالية..في فيلم المصير يعرض يوسف شاهين أكبر المحن التي اعترضت الثقافة العربية من خلال محنة الفيلسوف الأشهر: ابن رشد، ويعيد إسقاط المحنة نفسها على الزمن الحاضر، للتدليل على استمرار الأزمة والمحنة. تدور أحداث الفيلم في الأندلس، في القرن الثاني عشر، وتعرض لفصول الصراع بين قطبين من أقطاب الحياة الثقافية والفكرية، يمثل ابن رشد الجانب العقلي في مقابل الشيخ رياض الذي يمثل التيار السلفي (أو النقلي)، تمثيلاً لجناحي الصراع في الثقافة العربية: العقل والنقل، (أو: الحكمة والشريعة) وينتهي الصراع لصالح التيار السلفي، وهزيمة التيار العقلي من خلال إحراق كتب ابن رشد، لكن من دون فقدان الأمل، إذ يؤسس الفيلم لمقولة: أن الأفكار لايمكن قتلها.. يذكر أن يوسف شاهين كان قد حاز السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي على فيلم المصير ومجمل تجربته السينمائية في العام 1997.في فيلم «أين تنمو شجرة التين» لمخرجته ياسمينا يحياوي عرض لواقع الحياة في مدينة مغربية، من خلال قصة ثلاث فتيات ومصصف الشعر مرفوز. يقيم مرفوز علاقة حب مع فتاة راقصة تدعى جميلة، ولكنه حين يقرر الزواج يرتبط بفتاة أخرى تدعى فضيلة، لإظهار التناقض بين الممارسات والأفكار. للأسماء في هذا الفيلم دلالالتها الثقافية والاجتماعية، وما تكشف عنه أحداث الفيلم أنه لا يمكن الفصل الحاد بين الجمال والفضيلة، ففي كل فضيلة جمال ما، وفي كل جمال فضيلة ما. وفي النهاية يكتشف مرفوز أن الراقصة جميلة ليست بعيدة عن الأخلاق، وأن الفتاة فضيلة لا تخلو من الجمال. ثمة مصالحات بين الأفكار والممارسات في نهاية الفيلم تقود إلى اكتشاف جمال الحياة بعيداً عن التصادمات والتناقضات الظاهرية، فالحياة مثلها مثل ثمرة التين، يكفي نزع القشرة الرقيقة لتذوق حلاوتها..جدير بالذكر، أنه على هامش العروض السينمائية، كان لـ«صدى الوطن» لقاءات ودردشات مع بعض المتابعين والقائمين على تنظيم المهرجان، وقد ركزت جميع الأقوال على أهمية هذه الفعالية وضرورة دعمها من أجل التواصل مع المشرق العربي عبر منتوجاته الفنية للوقوف على آخر المستجدات،والتعرف على رؤاه وقضاياه وطرائق عمله الفني والثقافي.
Leave a Reply