“الدولة البهية القيصرية الانكليسي”، ذلك كان هو المسمى الرسمي لـ”بريطانيا العظمى” أيام كان يصح عليها هذا الوصف قبل زهاء قرن من الزمان، حين كانت مستعمراتها لا تغيب عنها الشمس، كان مندوبو هذه الدولة الساميون هم الحكام الفعليون في الهند وبلاد فارس ومصر ودول الخليج والاردن وفلسطين والسعودية والعراق ناهيك عن سواها في ارجاء اليابسة وعرض البحار، في اواخر القرن التاسع عشر وردح من القرن العشرين، الى ان جرى ما جرى في الحرب العالمية الثانية وبرزت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في حينه لتحلان محل بريطانيا والمانيا وفرنسا واليابان، وهي قوى انهكتها تلك الحرب.
عودة الى الدولة البهية، فذلك المسمّى لم يكن البريطانيون هم من اطلقوه على دولتهم، الذي اطلقه هم حكام المشيخات في الشارقة وعجمان وام القوين ودبي ورأس الخيمة، وهي التي تشكل اليوم دولة الامارات العربية المتحدة، ولفرط ما كان يدور بين حكام هذه المشيخات من دسائس وانقلابات ومنازعات على مراعي لخيولهم وماشيتهم أو على امتيازات في مناطق لاستخراج الملح والاوكسيد او الاسفنج واللؤلؤ، عزّ ذلك على “الانكليسي” الذي كان منشغلا حينها في ادارة دفة الحرب مع المانيا، التي اجتاح جيشها عواصم اوروبا وكاد أن يحتل عاصمتها لندن، فكان المندوبون الساميون يصدرون تعليماتهم الى هؤلاء الحكام، وهم في الاصل شيوخ قبائل اتت من الساحل العماني، وكان يعرف انذاك بساحل القراصنة، فان نفذت تلك التعليمات كان بها، والا كان الأمر بازاحة هذا الحاكم او ذاك او التهديد بعملية قصف جوي أو دك بالمدفعية للمناطق التي لا تنفذ التعليمات “الانكليسية” بحذافيرها، من ذلك عدة رسائل محفوظة في ارشيفات حول الموقف الدبلوماسي والاستراتيجي البريطاني في الساحل المتصالح 1911-1912، بعثها حكام المشيخات للمندوب السامي في الخليج الفارسي بي زد كوكس, كادوا فيها ان يركعوا على الارض ليقبلوا حذاءه، بهدف نيل “رضاه السامي”.
الملفت للنظر في مجمل المراسلات التي حواها الارشيف، اشارات تظهر عمق الاختلاف بين هؤلاء الحكام وشعوبهم، لناحية التذلل للمستعمر الانكليزي والخضوع له من جانب الحكام، وجانب اخر تمثله الشعوب يرنو الى التمرد والعصيان والمقاومة، حتى ان دبي في تلك المرحلة شهدت معركة مسلحة بين رجال القبائل والجنود البريطانيين أدت الى خسائر في الارواح من الجانبين.
الملفت للنظر اكثر أنّ الحكومة البريطانية بجلال قدرها، وجحافل جيوشها، ونفوذها السياسي والاستراتيجي الهائل، وتكنولوجياتها الحربية المتطورة –انذاك– كانت ترتجف اطرافها ولا يغمض لها جفن، حين سماع أخبار عن تمرد شعبي في هذه البقعة النائية الصغيرة أو تلك من مستعمراتها المنتشرة على نصف الكرة الارضية، خاصة اذا ما تطور الامر ليشكل تهديدا لحياة جنودها في تلك المناطق.
هكذا يجب ان يقرأ التاريخ وهكذا يجب ان ينسحب على حاضرنا المعاش، أنظر الى العراق كيف ان جيشه المليوني الصدامي تهاوى أمام الاميركيين، وسقطت بغداد في ليلة واحدة، ولم تتحرر الا بسواعد الثوار من ابنائها، وانظر الى الجنوب اللبناني والى غزة، وانظر غدا الى افغانستان كيف سيطرد شعبها الغزاة، فكيف يا ترى ستتحرر الضفة الغربية و زهرة مدائنها القدس الشريف، وشيوخ القبائل فيها منشغلون في رسائل للدولة البهية القيصرية الاسرائيلية؟
Leave a Reply