محمد العزير
أصدر الناشط والمفكر العربي الأميركي وسام شرف الدين مؤخراً، كتاب «الدولة العربية المنتظرة: مشروع الكونفدرالية العربية»*. يتناول الكتاب، كما يصرّح عنوانه، رؤية وخطة لمستقبل عربي لتخليص الأقطار الحالية من حال الانقسام والتشرذم «الموروث عن سايكس–بيكو» والدخول في عصر جديد يتيح للعرب «نهضة سياسية واقتصادية… وهوية تقوم على أسس مدنية وقيم إنسانية حديثة». ويتضمن الكتاب أيضاً «الإعلان العالمي للقيم الإنسانية» ليكون المرجعية النصّية للكيان العربي المقترح.
يبدأ الكتاب من حيث بدأت فكرة الدولة العربية التي تكون فيها الهوية القومية (الإثنية–الانتمائية) العربية منفصلة عن الهوية الدينية (الإسلامية) التي كوّنت أول كيان سياسي شامل للوطن العربي منذ بداية العصر الأموي وحتى تفكك السلطنة العثمانية. في البدء يناجي الكاتب روح أول زعيم عربي ناضل وقاتل وعمل من أجل دولة عربية واحدة وهو الملك فيصل بن الحسين «الذي حرر البلاد من السلطة التركية وأسس أول دولة عربية وأول برلمان عربي في دمشق»، قبل أن تهزمه القوات الفرنسية المحتلة في معركة ميسلون وتقضي على مشروعه، لكنه لم يستسلم وبقي مناضلاً في الأروقة الدولية. ويلحظ بسرعة، تجربة جمال عبد الناصر في مصر كدليل على النزعة البديهية العربية إلى الوحدة، وينتهي في السرد إلى «الربيع العربي» (2011) الذي عبّر عن التوق الشبابي إلى الهوية العربية الجامعة.
يجمع الكتاب بين العمل السياسي والميداني للملك فيصل وبين النهضة الثقافية والمؤسسية التي سبقت وواكبت الثورة العربية الكبرى عبر جمعيات وشخصيات مؤثرة منها؛ «رابطة الوطن العربي»، «النهضة العربية»، «الجمعية القحطانية»، «العربية الفتاة» و«العهد» وغيرها. ويشير الكاتب إلى أن هذا الحراك مهّد للمؤتمر العربي الأول عشية الحرب العالمية الأولى، الذي انعقد في باريس بين 18 و23 حزيران (يونيو) 1913، بحضور أكثر من 300 مندوب، وبحث أربعة عناوين هي الحياة الوطنية ومناهضة الاحتلال (العثماني)، حقوق العرب في المملكة العثمانية، ضرورة الإصلاح على قاعدة اللامركزية، والمهاجرة من سوريا وإليها. إلّا أن نتائج المؤتمر ومفاعيله ومؤثراته اندثرت مع بداية الحرب العالمية الأولى التي تخللها عقد الاتفاقية السرية بين فرنسا وبريطانيا المعروفة باتفاقية «سايكس–بيكو» والتي قسّمت الإرث العربي للسلطنة العثمانية بين استعمارين إنكليزي وفرنسي في كيانات منفصلة لا تزال تحافظ على شكلها حتى الآن. ويلحظ الكاتب محاولة فاشلة لعقد مؤتمر قومي عربي في تونس عام 1990، لم تترك أثراً يذكر.
ينطلق الكتاب في طرحه من موجز تاريخي للوطن العربي ومكوناته الجغرافية والديموغرافية ويعرّج على الرغبة الشعبية العارمة في نشوء كيان سياسي عربي جامع يشكل دولة واحدة «ضميراً وثقافة ووجداناً ووعياً» على أن تكون في البداية كونفدرالية تبقي أنظمة الحكم كما هي (جمهورية أو ملكية) على غرار الاتحاد الأوروبي تمهيداً لإنضاج الظروف المناسبة للتحول إلى فدرالية مثل الولايات المتحدة الأميركية. ويورد إلى جانب الطموحات الإنسانية للعرب للعيش بكرامة وامن وتوفير فرص العلم والعمل والحرية والابداع، معطيات تجعل من الكيان المقترح دولة عظمى فوراً، لناحية الاقتصاد والموارد والسكان والمساحة والامتداد الديموغرافي عالمياً من خلال المهاجرين.
يقترح الكاتب وسام شرف الدين، الذي يرفض قيام حزب عقائدي قومي، طريقتين لتحقيق هذا المشروع؛ الأولى «أفقية» تنبثق عن لجان تتكون في كل بلدة وحي ومدينة في كل الدول العربية ومن كل جالية في المغتربات وينشأ عنها مؤتمر عربي شامل يضم مندوبين عن جميع الوحدات الشعبية الحديثة التكوين والتي تنتخب ممثليها عبر مؤتمرات وطنية مكونة من اللجان المحلية على أن ينعقد في الثامن عشر من شهر يونيو 2023، في العاصمة الفرنسية باريس على أن يكون السياق الإداري الناظم له مستنداً إلى «قواعد روبرتس» Robert’s Rules of Order. الطريقة الثانية «عمودية» تتمثل في تبني دولة عربية، المشروع وتبدأ في استقطاب الطاقات العربية المقيمة والمغتربة لتتحول بسرعة إلى مركز إشعاع فكري وثقافي وإبداعي وقوة أساسية مالياً واقتصادياً.
لا يغفل الكاتب أياً من القضايا الشائكة التي تواجه العرب اليوم من شكل نظام الحكم في الدولة المنتظرة حيث يقترح إبقاء كل نظام على حاله في مرحلة الكونفدرالية وحتى نضوج عوامل التحول إلى الفدرالية التي تحفظ لكل ذي حق حقه مادياً ومعنوياً وتاريخياً، إلى مسألة الأقليات التي سيكون مكانها الثقافي والتراثي والإنساني محفوظاً بالكيان ومصاناً بالدستور، إلى فلسطين «المغتصبة» التي يكون الحل فيها بإرادة شعبها دون غلبة للإفراز الوحيد المتبقي للاستعمار، وعلى قاعدة الديمقراطية وحق تقرير المصير يصار إلى قيام دولة واحدة مزدوجة الإثنية أو دولتين متساويتين في السيادة على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 181.
يحتوي الفصل الأخير من الكتاب على «الإعلان العالمي للقيم الإنسانية» الذي يقترحه الكاتب منطلقاً لمشروع الدولة العربية المنتظرة، وهو يجمع بين المبادئ الرئيسة للوثائق الإنسانية المؤسسة للتفاهم بين البشر والأمم من «صحيفة المدينة» (أيام الرسول محمد) وصولاً إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن عناوينه؛ الحرية، المساواة، حرية التعبير، حرية المعتقد، حرية الهوية الجنسية، الحكم الديمقراطي والجدارة، النظام البرلماني، الفصل بين الدين والسياسة، حق العمل والتجارة، قانون العقوبات، الأمان والخصوصية، الإجراءات القانونية، الإعدام، السلطة العامة والضرائب، التعليم، الفنون والعلوم والثقافة، التدفق البشري، حقوق الحيوان والبيئة، العقد الاجتماعي، والحق في مقاومة الظلم.
*الكتاب يقع في 112 صفحة
وهو صادر عن مؤسسة تاريخ وثقافة.
Leave a Reply