بقلم خليل اسماعيل رمّال
رغم الحرب الكونية المستمرَّة على سوريا الأبيَّة منذ ثلاث سنوات وسقوط ١٦٤ ألف قتيل وخسارة ٢٠٠ مليار دولار، زحف الشعب السوري الوفي بأمه وأبيه في ٣٩ دولة خارج سوريا لكي ينتخب رئيسه الذي سيقود البلاد الى النصر وإعادة البناء والعمران. هذا الزحف الشعبي الحقيقي، وهو غير الزحف الأخضر المزيَّف للسيِّء الذكر الطاغية مدمَّر القذافي، لم يكن إلا تأكيداً على اختيار الجماهير والبيعة للرئيس بشَّار حافظ الأسد الذي لم يعانِ قائد مثله في التاريخ المعاصر فكان مثالاً في التحمُّل والصمود والصبر مع شعبه، بحيث لم يوجد بديل عنه في هذه الوجوه المعارِضة الكالحة من علمانية متخاذلة متواطئة وخوارجية إرهابية مجرمة.
فقد تدفَّق المواطنون السوريون في الخارج من أجل إبداء رأيهم وإسماع العالم لصوتهم المدوِّي وولائهم للرئيس الأسد، خصوصاً في البلدان التي تتواجد فيها قوى هي من الأشدِّ عداءً وتآمراً على الحكومة السورية مثل لبنان والأردن حيث في البلد الأول يتواجد عباقرة «١٤ آذار» وفي البلد الثاني يتربص «الإخوان المجرمون»! لكن في المقابل توجد في كلا البلدين حركتان وطنيتان شريفتان تقفان قلباً وقالباً مع سوريا ودولتها الوطنية.
هذا الفيض العارم لعواطف الشعب السوري الذي هبَّ لنصرة جيشه ورئيسه فاجأ رعاة الإرهاب والرجعية والتآمر وأثار حفيظة مرتزقتهم من الإعلاميين في لبنان حيث انتهى بسرعة مفعول محبَّة «١٤ عبيد زغار» للسوريين بعد أنْ شاهدوا أنَّ الأكثرية منهم تؤيِّد رئيسها المقاوم، ولم يجدوا أمامهم إلاَّ التذمُّر من زحمة السير الخانقة في اليرزة أمام السفارة السورية. فقد غرَّدت الإعلامية مي الشدياق، الشهيدة «الحيَّة»، على «تويتر»، معبِّرةً عن ضيق صدر أسيادها من العملية الديمقراطية وتصويت الشعب السوري النازح بالدم لرئيسه، بكلام «ينقِّط» سُمَّاً زعافاً حيث قالت «ما داموا يريدون أنْ يفدوا بشَّار الأسد بالروح والدم فليعودوا إلى سوريا ويقوموا بالواجب ويريحوا لبنان من هذا الإكتظاظ الديمغرافي». إكتظاظ ديمغرافي؟! لقد ذرَّتْ العنصرية ضد السوريين بقرنها مجدَّداً من قبل ثوار «حراس الأرز» والتي أدت في السابق إلى قتل عمال سوريين بعد اغتيال الحريري بسبب التحريض مما يعني أن «١٤ عبيد زغار» لم يكن يهمُّهم الشعب السوري منذ البداية ولكنهم ظنوا أنَّ كل اللاجئين للبنان هم معادون للنظام وهم لو كانوا حريصين، كما يدَّعون، على «الثورة» السورية لاحترموا خيار الشعب السوري في عرس ديمقراطيته رغم محاولة «الإتلاف» السوري ورعيانه مقاطعة الإنتخاب الرئاسي. ولو افترضنا أنَّ هذه الجموع الهائلة جاءت لانتخاب الجربا مثلاً، معاذ الله، هل كان فريق الصداقة الفينيقية الإسرائيلية أظهر هذا الإمتعاض من الزحمة والاكتظاظ الديموغرافي؟! مي شدياق وجماعتها هم الفائض الجغرافي الذي يحبس الهواء النظيف! لقد جن جنون قرطة حنيكر على قيام أكثر من مئتي الف بالتصويت لرئيسهم المفدَّى وأرادوا طردهم. وكل هذا دليل على إحباط وفشل «صغار ١٤ آٓذار» وانتصار الشعب السوري وقيادته. لا ادري كيف يطيقون بعضهم بعد اليوم؟!
والمفارقة أن الشعب السوري كان ينتخب رئيسه مباشرة في اليرزة على بُعد أمتار من القصر المهجور في بعبدا الذي يتباهى «شبه الوطن» أنه رمز الديمقراطية. وبينما يتهكَّم اللبنانيون «الكلاس» على السوريين الذين يقترعون بإرادتهم وتقوم تظاهرة مشينة في طرابلس بسبب المبايعة الشعبية للرئيس الأسد، يجب أنْ يضحكوا على أنفسهم أولاً وعلى نوائبهم الذين ينتظرون كلمة السر من أولياء نعمتهم وقرارهم ليس بيدهم. ويجب أنْ يسخروا من هذا المجلس الفاسد الذي ينقسم حول انتخاب الرئيس لكنه يتفق بالإجماع على إلغاء جلسة إقرار سلسلة الرتب والرواتب للموظفين والمعلِّمين والمتعاقدين الذين يُراد تدفيعم ثمن عجز وجُبن وتواطؤ أسوأ نوائب في العالم والتاريخ الحديث والقديم بدليل تحديد الجلسة في ٢٨ أيار أي بعد التأكد من الفراغ الرئاسي والجدل حول دور المجلس تشريعياً أم ناخباً فقط!
وسبق هذا الإنتصار الإنتخابي، قرار الأردن بطرد السفير السوري بهجت سليمان. والحمد لله لا شيء يجمع السفير مع الرئيس اللبناني السابق إلاَّ الإسم الأخير. فالأول ثابت وصلب في الدفاع عن وطنه وصامد أمام المغربات الهائلة أمَّا الثاني… فأترك الحكم عليه لخيال القرَّاء الواسع.
بالمناسبة، قال الراعي المطبِّع مع الإحتلال الاسرائيلي أنه حصل على إذن بزيارة العدو من رئيس الجمهورية ومن رئيس الحكومة ولم يصدر منهما تكذيب لذلك حتى الآن. إذن التطبيع جاء من فوق، لكن مَنْ يحاسب في بؤرة الفساد واللصوصية ووحوش المال وإطلاق العملاء؟! وتكتسي خطوة «طرد» السفير السوري اهميَّتها الرمزيَّة للتدليل على إنتصار سوريا الأكيد بعد مشاهدتنا لانشقاق عددٍ محدودٍ من المسؤولين الحكوميين الفاسدين الذين باعوا وطنهم في فترةٍ ما من أجل حفنة من دولارات ممالك النفط والغاز. بهجت سليمان لم تلوِّثه «جاهلية» الأنظمة الرجعية ولا أموالها وشتَّان ما بينه وبين ميشال سليمان أو مثلاً بين الأخير والإعلامي المناضل إبراهيم محمَّد الأمين البطل الذي يقارع المحكمة الإسرائيلية الحقيرة.
..وهكذا خرج ميشال سليمان من برج بعبدا المائل مهزوماً ومكسوراً يرفضه أكثر من نصف الشعب اللبناني، وذلك برغم الإخراج المسرحي الذي أضفاه على هذا الخروج والإحتفالية التي أعقبت انتقاله إلى بلدته عمشيت مع موكب من ٩٠ عسكرياً بينما قلَّص عدد حرَّاس سلفه العماد المقاوم أميل لحُّود إلى ٩ عناصر حماية!
رئيس «الفراغ» لا يمون على شخص في «سقطة» رأسه في عمشيت حيث أنَّه لم يخدم أحداً في بلدته إلا إبنه وصهريه ولم يتمكن من الفوز حتى برئاسة البلدية فيها وبالتالي فإنَّ خير من يمثِّلها هو نائب جبيل العماد ميشال عون لا ميشال سليمان. لكن استغربنا عندما رأينا أنَّ أبناء البلدة أقاموا له احتفالاً «أخو محلوشة» وحملوه على الأعناق! كيف؟ ولماذا؟ ومن أجل ماذا؟ هل سيجلب لهم العمران والخير بعد أنْ أصبح رئيساً سابقاً، وهو لم يكن فيه خير لبلدته يوم الرئاسة؟؟!! أفهِمونا ًآجركم الله. البعض أكد أنَّ هذه الوفود أتت من الشمال ومن عكَّار تحديداً وجبل وليد جنبلاط حسب اتفاق سابق لحشد أكبر عدد ممكن من الهتَّافين بدليل حضور مكثَّف لتيار «المستقبل» و«الاشتراكي» وجماعة «١٤ عبيد زغار». وقد نصب «تيار المستقبل» رايته في حديقة منزل سليمان سرعان ما سُحبَتْ بعد ربع ساعة من أجل عدم كشف الأمر! آخرون من الخبثاء شكَّكوا أصلاً بوجود أبناء عمشيت بهذه الكثافة لكن «الهبة السعودية» قد تكون أقنعَتْ الكثيرين بالحضور على حدِّ زعمهم. أما سليمان فكان مسروراً وضحكته «رطلاً» لما سألتْه قناة «الجديد» عن رأيه بالحشود فطلب منها أنْ تحكم بنفسها مزهوَّاً بالاحتفال المدفوع الثمن. كل هذه الهمروجة لا تخفي أن الرجل خرج ذليلاً بعد انحيازه ضد أغلبية الشعب اللبناني ولم يحضر لوداعه أحد من «٨ آٓذار» ما عدا زيارة ياسين جابر له في منزله والتي لا نفقه الغرض منها.
المبخِّر الأكبر لقب جديد حصل عليه وليد جنبلاط الذي كاد أنْ يذرف الدموع على رجل دولة لم تنجب الأمة مثله في تاريخها. لكن سليمان المسكين لا يعلم أنه إذا جاءته المدائح من بيضة القبان كم سمَّاه، فهي الشهادة له بأنه.. ناقص!
وقبل أن يبارح بعبدا تاركاً مقاليد الرئاسة بيد الموظف غير الشرعي المنتهية صلاحيته، سهيل البوجي، ألقى سليمان كلمة ضحلة لغوياً وسياسياً ولفظياً كعادته، لم يذكر فيها سوريا والمقاومة اللتين فضلُهُما في عنقه ولولاهما لما حلم بالرئاسة وتنعَّم بالأسفار فكان أكبر ناكر جميل في التاريخ إضافة إلى أحبائه في جمعية «قرطة حنيكر» حيث كان إنجازه الوحيد المميَّز هو تقديم شكوى للأمم المتحدة ضد سوريا والطعن في المقاومة والتنكُّر لها وإصراره على رفض دخولها سوريا رغم النتائج الباهرة التي تحقَّقتْ بهذا الدخول والتي تمثَّلتْ بوقف سيارات الموت والإرهاب التكفيري الانتحاري المجرم.
وفي نفس يوم إبعاد سليمان حلَّ صباح ٢٥ أيار حيث أشرقتْ شمس التحرير على لبنان وعلى قصر بعبدا الفارغ منذ ٦ سنوات. لقد تحرَّر القصر من أسوأ رئيس سكنه منذ أمين الجميِّل الذي يبقى في المرتبة الأولى بتخريب العملة والبلد واتفاق ١٧ أيار وسوء الإدارة. سليمان لم يحقِّق شيئاً البتة إلاَّ هواية الأسفار وشم الهواء وبالتالي فالفراغ من ٦ سنوات ووجوده سيان.
وغير صحيح البتة أنَّ ميشال سليمان كان متعفِّفاً عن البقاء في قصر بعبدا لأن لعابه كان يسيل من أجل السلطة بدليل أن جماعته كانوا يفاوضون للتمديد له لا إنتخاب رئيسٍ جديد، وهو كان ينتظر آخر لحظة نتائج المساعي الاربعتعشية لضمان بقائه سنةً أو سنتين. فالتعفف عن الحكم ليست من شيمه وهو المولَّع بالأسفار الناجمة عن السلطة. لكنه اضطر للمغادرة بعد ان سُدَّتْ أبواب التمديد في وجهه فكان الرئيس الوحيد الذي تسلَّم من الفراغ وسلَّم فراغاً مماثلاً لعهده الفارغ من أية إنجازات ومن دون موازنة ولا تعيينات في المواقع الإدارية الحساسة في الدولة ومن دون تأمين مطالب العمال والمدرسين والموظفين.
سوريا بلدٌ حي يموت لكن ذلك لا يمنع سير العملية الديمقراطية الانتخابية لإختيار رئيس بإرادة شعبية ذاتية مباشرة تُصنع في سوريا، أما «شبه الوطن» فمخلوق وُلد جهيضاً لا يستميت رغم الاستقرار الأمني في سد الفراغ بالدولة الفارغة منذ بدعة الإستقلال! لكن لحسن الحظ يتم ملء الفراغ بالمعادلة الذهبية المناسبة: المقاومة والشعب والجيش.
Leave a Reply