امتدحت الأوساط الليبرالية في أميركا اعتصام المشرعين الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي الذي دام لمدة 25 ساعة، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، في محاولة لإجبار الأغلبية الجمهورية على التصويت لصالح مشاريع قوانين تقيّد انتشار السلاح في الولايات المتحدة، في أعقاب مجزرة أورلاندو.
وكانت صور الـ«سيلفي» (للنواب الديمقراطيين وهم يفترشون أرض الكابيتول) التي أغرقت مواقع التواصل الاجتماعي، قد نجحت في لفت الانتباه إلى الاعتصام الذي نال تعاطف الكثير من الأميركيين الذين سئموا أخبار المجازر وحوادث إطلاق النار الدامية ويؤيدون جهود الرئيس باراك أوباما للحد من انتشار الأسلحة عبر فرض قوانين تقيّد أحقية شرائها.
لا شك أن جميع الأميركيين يرغبون في ألا تصل الأسلحة الى أيدي المجانين والمجرمين والإرهابيين، ولكن ما يطرحه الديمقراطيون في سلة المشاريع التي تقدموا بها عقب مجزرة أورلاندو، يقوم على منع الأميركيين الواردة أسماؤهم في قائمتي «الممنوعين من السفر» و«مراقبة الإرهاب» اللتين يشرف عليهما مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) من شراء السلاح وحمله.
وهذا المفترح هو بلا شك أسوأ آلية يمكن أن تطبق لمعالجة موضوع انتشار الأسلحة، ليس فقط لأن هؤلاء الأشخاص سيحرمون من حقهم الدستوري في حمل السلاح من دون مبرر قانوني، حيث لا قواعد واضحة تضبط هاتين اللائحتين، بل أيضاً لأن مكتب التحقيقات الفدرالي يمكنه أن يدرج أي اسم على اللائحة من دون الحاجة الى إعطاء مسوغ قانوني لذلك. والقضايا الموثقة في هذا الشأن تثبت ذلك تماماً.
إذ لطالما عانى العديد من العرب والمسلمين في منطقة ديترويت من إدراج أسمائهم على إحدى اللائحتين دون الاستناد على أي منطق أو دليل في ذلك، ومن بين هؤلاء متعهد حفلات تمكن لاحقاً من إزالة اسمه من اللائحة بعد مسار قضائي عسير خاضه بمساندة «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية»، كما تفاجأ عربي آخر من سكان ديربورن هايتس بوجود اسمه على اللائحة نفسها مع أنه طاعن في السن ومقعد.
كما تبين أن السلطات الفدرالية تستغل لائحة «الممنوعين من السفر» لابتزاز بعض الأشخاص الواردة أسماؤهم فيها ودفعهم إلى التعامل معها، ففي العام 2014 رفع أربعة مسلمين من نيويورك قضايا قانونية ضد الحكومة الفدرالية لأن «مكتب التحقيقات الفدرالي» (أف بي آي) حاول مساومتهم على إزالة أسمائهم من اللوائح بشرط العمل لصالحه كمخبرين.
بدورها، لائحة «مراقبة الإرهاب» لا تخلو من أخطاء كارثية، فبحسب الوثائق الحكومية التي نشرها موقع «إنترسبت» الإخباري، فإن حوالي نصف الأسماء الواردة على اللائحة ليست لديها أية انتماءات واضحة لأية مجموعات إرهابية.
كما أن تقريرا فدراليا، تم تسريبه في العام 2014، اعتبر أن مدينة ديربورن، تضم ثاني أكبر نسبة من المشتبهين بكونهم إرهابيين بعد مدينة نيويورك، كبرى المدن الأميركية.
وهذا دليل على أن التقرير الفدرالي زائف ومبني على تنميطات عرقية ودينية، كما أن المسؤولين الفدراليين الذي يعرفون ديربورن على حقيقتها قد فعلوا كل ما بوسعهم لدحض تلك المعلومات التي تضمنها التقرير.
وفي هذا السياق، ساندت المدعي العام الفدرالية في شرق ميشيغن، باربرا ماكويد، أبناء الجالية العربية والمسلمة في المدينة، حين قالت من على درج مبنى البلدية: أستطيع أن أؤكد للجميع أن ديربورن تحتضن أميركيين وطنيين عظماء، بينهم أطباء ومحامون ومعلمون ورجال شرطة ورجال أعمال وغيرهم من المواطنين الصالحين» فيما كان يقف الى جانبها حشد من قيادات الجالية بينهم من وردت أسماؤهم على لائحة الممنوعين من السفر.
ومن المفارقات اللافتة للانتباه، أن عمر متين الذي ارتكب مجرزة أورلاندو وقتل 49 شخصا في ملهى «بالس» للمثليين الجنسيين، كان قد أزيل اسمه من لوائح المراقبة قبل تنفيذه هجومه الإرهابي، بحسب ما نشرت صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، في حين أن مطلق النار في حادث سان برناردينو سيد فاروق لم يكن على أي من لوائح المراقبة، وكذلك لم يكن منفذا الهجوميَن الإرهابيين، ديلان روف (كنيسة السود في تشارلستون) وروبرت دير (عيادة الإجهاض في كولورادو)، على تلك اللوائح أيضاً.
إن عنف السلاح في الولايات المتحدة هي مسألة حساسة بحاجة إلى حلول حقيقية، والحلول الصحيحة لا تكون بترسيخ التنميط العنصري والدولة البوليسية، ومن ثم انتقاد مواقف دونالد ترامب في صباح اليوم التالي.
ليس سرا أن لدى الديمقراطيين أجندة أيديولوجية ضد السلاح، وأن المحافظين متمسكون بلوبي السلاح والدستور، لكن علينا -كعرب ومسلمين أميركيين- ألا نكون مجرد ورقة يرميها من يشاء ساعة يشاء بغرض الاستغلال السياسي.
نحن لا نؤيد مشاريع الديمقراطيين المجحفة التي تشجع -من حيث يدركون أو لا يدركون- على التنميط العنصري ضد العرب والمسلمين واستخدامهم مطية لتشديد القبضة الأمنية على سائر الأميركيين.
في هذا العالم الذي تصنع صورته شبكات التواصل الاجتماعي، علينا النظر أعمق وأبعد من الشعارات الرنانة والاستقطابات الشعبوية.
Leave a Reply