واشنطن – رغم معارضة شبه شاملة من الجمهوريين، يمضي المشرعون الديمقراطيون قدماً في مساعيهم لعزل الرئيس دونالد ترامب، بعد تبني اللجان الفرعية في مجلس النواب –الأسبوع الماضي– لائحتي اتهام بـ«استغلال السلطة» و«عرقلة عمل الكونغرس»، استعداداً لطرحمها على التصويت في جلسة عامة لمجلس النواب يُرجح أن تعقد الأسبوع المقبل.
وفي حال تصويت أغلبية النواب على اتهام الرئيس بعد إقراره من قبل اللجنة القضائية (مع صدور هذا العدد)، سيكون ترامب ثالث رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يوجه إليه الكونغرس تهمة. وستحال محاكمة العزل حينها إلى مجلس الشيوخ حيث يتمتع الجمهوريون بالأغلبية التي تمنح ترامب الطمأنينة التي يحتاجها، لاسيما وأن قرار العزل يتطلب أغلبية الثلثين فيما يسيطر الجمهوريون على 53 مقعداً من أصل 100.
وفي مؤتمر صحفي حضرته رئيس مجلس النواب نانسي بيلوسي، قال رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي جيري نادلر –الثلاثاء الماضي– إن «ترامب خان الأمانة وعرض أمننا القومي للخطر».
وأضاف في مؤتمر صحفي لرؤساء اللجان المعنية بالتحقيق في عزل ترامب في مجلس النواب أن الرئيس الأميركي «أساء استخدام السلطة» و«عرقل عمل الكونغرس».
وأوضح النائب اليهودي الأميركي عن نيويورك أن ترامب طلب من دولة أجنبية التدخل بالانتخابات الرئاسية الأميركية. وأشار إلى أن تصرفات «الرئيس توحي وكأنه أعلن نفسه فوق المساءلة ويجب أن نكون واضحين بالرسالة في هذا الأمر، إنه حتى الرئيس الأميركي ليس فوق القانون».
وزاد نادلر «واجبنا حماية الدستور ومصالح الشعب الأميركي، وترامب وضع نفسه فوق مصالح البلاد».
من جانبه، قال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي آدم شيف «إنه يجب التحرك سريعاً تجاه ما فعله الرئيس ترامب»، مشيراً إلى أنه «لم يترك لنا خياراً». وأوضح النائب اليهودي الأميركي عن كاليفورنيا أن التحقيقات تظهر أنه «طلب من دولة خارجية أوكرانيا بالتدخل للتأثير على غريمه في الانتخابات، وكان هناك حجز لملايين الدولارات عن أوكرانيا، ما قوض الأمن القومي الأميركي ووضع الانتخابات الرئاسية في خطر».
وأكد شيف أنه «لا حصانة للرئيس. وهو لا يقدم الأجوبة ويعتقد أنه لديه امتياز بذلك».
وشدد كل من نادلر وشيف على أنهم «يتخذون الخطوة لحماية الانتخابات المقبلة»، منوهين إلى «التدخل الروسي في 2016 وأنهم يؤدون ذلك وفاء للدستور الأميركي».
وفي حال موافقة مجلس النواب على اتهام الرئيس، يتعين عليه تشكيل لجنة من أعضائه تكون بمثابة لجنة ادعاء، ويكون أعضاء مجلس الشيوخ هيئة محلفين. فيما يشرف رئيس المحكمة العليا جون روبرت على المحاكمة.
جنون سياسي
من جانبه، كان ترامب قد استبق المؤتمر الصحفي بنشر تغريدة عبر «تويتر» وصف فيها محاولة عزله بـ«الجنون السياسي» مشدداً على أنه من أكثر رؤساء أميركا إنتاجية وأنه لم يرتكب أي خطأ يستدعي عزله.
وندد ترامب مراراً بـ«مهزلة» يشنها الديمقراطيون بسبب عجزهم عن إلحاق الهزيمة به في صناديق الاقتراع.
من جانبها، اعتبرت ستيفاني غريشام المتحدثة باسم البيت الأبيض أن اتهامات الديمقراطيين ليست سوى، محاولة حزبية لا مبرر لها لتقويض الرئيس.
وقالت إن الاتهامات جاءت كنتيجة محددة سلفاً في إطار مساعي الديمقراطيين لعزل ترامب منذ لحظة تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة.
وأضافت أن الديمقراطيين في مجلس النواب يحاولون الانقلاب على أصوات 63 مليون أميركي.. و«قرروا أنه يتعين عليهم عزل الرئيس ترامب لأنه لا يمكنهم هزيمته بطريقة مشروعة عبر صندوق الاقتراع».
وأكدت المتحدثة أن «استخدام الديمقراطيين مكالمة هاتفية مع رئيس أوكرانيا –في وجود نسخة أصدرها الرئيس نفسه– كان بمثابة حجة لهذه المحاولة الحزبية والمثيرة للشفقة للإطاحة بإدارة ترامب بعد انتخابات عام 2016».
ورأت المتحدثة أن الإعلان عن «اتهامين لا أساس لهما، لا يؤذي الرئيس، بل يضر بالشعب الأميركي، الذي يتوقع من مسؤوليه المنتخبين العمل نيابة عنهم لتقوية أمتنا».
وشددت أن ترامب سيواجه «هذه الاتهامات الكاذبة في مجلس الشيوخ ويتوقع تبرئته بالكامل، لأنه لم يرتكب أي خطأ».
وكان الديمقراطيون قد أطلقوا إجراءات العزل بناء على تسريب سري أفاد بأنّ ترامب طلب من نظيره الأوكراني إعادة التحقيق بشبهات فساد طالت نجل منافسه الانتخابي جو بايدن، وهو ما اعتبره الديمقراطيون استغلالاً للسلطة، خصوصاً عبر ربطه تجميد مساعدة عسكرية لأوكرانيا.
وكان البيت الأبيض قد أمر عدداً من مستشاري الرئيس بعدم الاستجابة لطلبات المثول وعدم عرض مستندات أمام مجلس النواب، وهو ما جعله عرضه لتهمة عرقلة عمل الكونغرس.
ونظراً إلى موازين القوى داخل مجلس النواب، فإنّ ترامب شبه متأكد بأنّ المجلس سيصوّت على توجيه الاتهام إليه قبل عيد الميلاد.
وفي تاريخ الولايات المتحدة، فإنّ الرئيسين آندرو جونسون وبيل كلينتون فقط وجّهت إليهما اتهامات في سياق إجراءات العزل في عامي 1868 و1998. أما الجمهوري ريتشارد نيكسون فقد استقال قبل التصويت. وتمّت تبرئة جونسون وكلينتون في ما بعد في مجلس الشيوخ، المخوّل دستورياً محاكمة الرؤساء، بغالبية الثلثين. ومن المتوقع أن ينجو ترامب من العزل على غرار الرئيسين المذكورين، إذ للجمهوريين غالبية في مجلس الشيوخ ويبدو من الصعب جداً أن ينضم عشرون من بينهم إلى الديمقراطيين ويصوتوا ضدّ الرئيس.
وقال السناتور ميتش مكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي –الأربعاء الماضي– إن المجلس قد يبدأ مساءلة الرئيس، الشهر المقبل.
وأضاف أنه إذا أقر مجلس النواب، الذي يهيمن عليه الديمقراطيون، بنود المساءلة التي جرى كشف النقاب عنها يوم الثلاثاء فإنها ستكون «أول بند على جدول الأعمال في يناير» بمجلس الشيوخ.
وتوقّع السناتور ليندسي غراهام، وهو رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ وحليف بارز لترامب، أن تنتهي محاكمة العزل بسرعة لأن عزل الرئيس يتطلب تصويتاً بأغلبية الثلثين. وقال: «فور أن (يقول) 51 عضواً من بيننا إننا سمعنا ما فيه الكفاية، فإن هذا الإجراء سينتهي. الرئيس سيبرّأ».
Leave a Reply