دمشق – طغت التطورات الأمنية والتظاهرات الضخمة المؤيدة للنظام السوري على الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الاحتجاجات في سوريا وسط انشقاقات في صفوف المعارضة السورية وكبح للجموح الغربي-العربي لإسقاط نظام دمشق.
فبعد ثلاث سنوات وسقوط آلاف القتلى من مدنيين وعسكريين ومسلحين، استعرض النظام السوري قوته الشعبية في سلسلة من التظاهرات الضخمة في المدن الكبرى، في دمشق وحلب والسويداء واللاذقية والحسكة ودرعا ودير الزور، فيما يقدم مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي انان تقييما أوليا لمجلس الأمن الدولي حول وساطته لحل الأزمة، مشددا على أن “باب الحوار” ما زال مفتوحا مع دمشق التي ردت بالتأكيد على “انخراطها الايجابي” مع مهمته، و”مصلحتها في إنجاحها”.
وكشفت الأمم المتحدة عن أن عددا من خبرائها سينضمون إلى المهمة الإنسانية التي تقودها الحكومة السورية في عدد من المدن التي تشهد احتجاجات، ابتداء من عطلة نهاية الأسبوع. وكانت دول غربية وعربية عدة تحاول الضغط على النظام السوري واستدعاء تدخل عسكري عبر مجلس الأمن بحجة إقامة “ممرات إنسانية آمنة” داخل سوريا.
وفي الذكرى الأولى لانطلاق “الثورة السورية” أثارت تركيا مجددا احتمال إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، بعد “ارتفاع عدد السوريين الذين فروا إليها”، وتعبير انقرة عن مخاوف من لجوء حوالي 500 ألف شخص إلى تركيا بسبب اشتداد الحملة الأمنية في محافظة إدلب المتاخمة للحدود، وذلك رغم أن عدد اللاجئين حاليا لا يتخطى السبعة آلاف.
عربياً، وبعد موقف روسي قوي رافض لدعوات خليجية بتسليح المعارضة، قررت البحرين والكويت إغلاق سفارتيها في دمشق وسحب الدبلوماسيين “نظرا لتردي الأوضاع في سوريا”. كما قال مصدر مسؤول في الاتحاد الأوروبي إن وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين اشتون تسعى الى دفع جميع دول الاتحاد الى سحب سفرائها من سوريا قبل بدء محادثات وزراء خارجية الاتحاد الأسبوع المقبل.
وفي سياق آخر أكد مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) لشبكة “سي أن أن” الإخبارية، عدم وجود بوادر انشقاق عن النظام السوري من الشخصيات الرفيعة والمقربة من الرئاسة.
كما نقلت وكالة “أسوشيتد برس” يوم السبت الماضي، عن مسؤولين كبار في الاستخبارات الأميركية قولهم إن الرئيس الأسد مازال يقود جيشا قويا على الرغم من الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده. واستبعد هؤلاء المسؤولون حدوث انشقاقات في قيادة الجيش والنظام السياسي في سورية قريبا.
وامتنع المسؤولون الذين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، عن إعطاء أية توقعات بشأن المواعيد المحتملة لسقوط النظام السوري، مرجحين أن إراقة الدماء ستستمر في سوريا لعدة أشهر أخرى. وأشاروا إلى أن تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع اسعار المواد الغذائية وازدياد عدد العاطلين عن العمل قد تؤدي في نهاية المطاف الى فقدان نظام الأسد للسلطة في البلاد. وأكدوا أن النخبة السورية مازالت صامتة إلى حد الآن.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت في وقت سابق ان لديها معلومات تشير الى ان المسؤولين الكبار في سوريا يعملون على إخراج أموالهم وأسرهم خارج البلاد.
أنان
وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إن “كوفي أنان تحدث في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية سيرغي لافروف حول عمله مع كل الأطراف المعنية من أجل إيجاد حل سياسي مقبول للوضع في سوريا”. وأضافت “جدد لافروف دعمه مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية، وقال إن الطرف الروسي سيستمر في مساعدته”.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي لوكالة “انباء الشرق الاوسط”، ان “سوريا رحبت بزيارة انان حيث أجرى لقاءين مع الرئيس السوري بشار الأسد”، مشيرا إلى أن “زيارة انان طابعها استطلاعي ليستكشف كيفية إيجاد حل للازمة التي تعيشها سوريا”. وأضاف إن “أجواء الزيارة كانت ايجابية، لكن بما أن الأزمة السورية مركبة فالموضوع ليس فقط بيد الحكومة السورية، فهناك جانب دولي يجب أن يحشد لإنجاح مهمة انان، فالموضوع ليس بيد شخص انان بل بالتفويض الذي يحمله”.
وتابع “إذا كان المجتمع الدولي متمثلا في انان يود مساعدة سوريا على تخطي هذه الأزمة فيجب أن يكون هناك تعاون جماعي، فالدول التي تسلح، وأشهرت الآن أنها تسلح، والدول التي تحرض إعلاميا، والدول التي تكرس عناد المعارضة الخارجية في رفض الحوار، كل هذه الأطراف يجب أن تتجاوب مع مبادرة انان لإنجاحها. إننا منخرطون إيجابا ومن مصلحة سوريا إنجاح مهمة انان”.
ومن ناحيته، أعرب الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون، في بيان، عن “تضامنه مع الشعب السوري وتطلعاته المشروعة نحو الكرامة والحرية والعدالة”. واعتبر انه “من الملح وقف دورة العنف ووضع حد للعمليات العسكرية ضد المدنيين وتجنب عسكرة اكبر للنزاع في سوريا” في ضربة جديدة لدعوات بعض دول الخليج لتسليح المعارضة.
واذ ذكر أن “أكثر من ثمانية آلاف شخص قتلوا”، دعا الى “انهاء العنف وايجاد حل للأزمة من خلال الوسائل السلمية”، وحض “الحكومة السورية والمعارضة على التعاون مع أنان”.
تظاهرات
وفي إطار آخر، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) “في مشهد وطني يحمل رسالة للعالم أجمع أن الشعب السوري اختار وحدته الوطنية واستقراره بعيدا عن التدخلات والاملاءات الخارجية، توافد ملايين المواطنين السوريين إلى ساحات وشوارع الوطن في المحافظات للمشاركة في المسيرة العالمية من اجل سوريا”.
وأوضحت أن المشاركين خرجوا “رفضا للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للشعب السوري ودعما لبرنامج الإصلاح الشامل الذي يقوده الرئيس بشار الأسد لبناء سوريا المتجددة واستنكارا للحملة العدائية والمؤامرة التي تستهدف سوريا وتقودها بعض الأطراف العربية”. ورددت الحشود في دمشق هتافات “بالروح بالدم نفديك يا بشار” وحلقت ثلاث مروحيات في ما يبدو انها تحية عسكرية للحشود.
وبث التلفزيون السوري لقطات ظهرت فيها حشود مليونية في عدد من الساحات السورية منها ساحة الأمويين وسط دمشق ترفع الأعلام السورية. كما بث لقطات لعشرات الآلاف المشاركين في حلب والسويداء واللاذقية والحسكة ودرعا ودير الزور. وبقيت التجمعات قائمة لساعات، وسط اجواء من الرقص والموسيقى والغناء والتلويح بالاعلام السورية والروسية.
وفي الذكرى السنوية لاندلاع الحركة الاحتجاجية، شهد عدد من المناطق السورية تظاهرات محدودة تطالب بسقوط النظام.
أما ميدانياً، فقالت وكالة الانباء السورية “استعادت مدينة إدلب الأمن والطمأنينة بعد أن قامت الجهات المختصة بتطهير أحيائها من المجموعات الإرهابية المسلحة التي روعت المواطنين واعتدت عليهم وألحقت الأضرار بالممتلكات العامة والخاصة”.
Leave a Reply