مريم شهاب
زهر اللوز
فـي القرى قديماً، لم تكن هناك فضائيات ولا خدمات أرصاد جوية. كان الفلاحون يتعاملون مع الأحوال الجوية بالفطرة، نتيجة قربهم من الطبيعة الجبلية التي علمتهم كيف يحرثون ويزرعون ويطوعون الصخر. وتدل الأمثال التي كنا نسمعها منهم على عبقرية الفلاح الأمِّي وسخريته من الطبيعة القاسية التي كانت فـي أحيان كثيرة تسخر من الفلاح، وكان يصيبها الجنون عندما تخلط الصيف بالشتاء والخريف بالربيع.
مثلما يحدث الآن فـي طقس ديربورن، كانت تجتاح كانون الثاني القارس، موجة دافئة من حرارة الشمس، بعد موجة صقيع وزمهرير وبرد وليال حالكة. الفلاح -فـي تلك القرى التي جئنا منها- كان يتشاءم من «دفء كانون» الذي كان يوقظ أشجار اللوز باكرا فتزهر براعمها بسذاجة وكأن الربيع قد أتى، فـيعاتب الفلاحون تلك الأشجار بحسرة، فـي قول مشهور:«يا لوز يا مجنون بتزهِّر بكانون» لمعرفتهم أن الصقيع سوف يغافل براعم أشجارهم الجميلة ويجمدها حتى الموت.
بعض الرؤوس هنا فـي ديربورن أزهرت باكراً. وعدتنا نحن عباد الله الفقراء بشخص رائد يجمعنا ويوجهنا نحو التنافس والتفاني من أجل الجميع. لا نرى منهم إلّا حفلاتهم وولائمهم ووجوههم المتجمِّدة، المطلة علينا على صفحات «الفـيسبوك». جعجعة بلا طحين.
جبروت أبو ليلى
ليلى فـي خيمتها وقيس بعيد عنها أكثر من مئة متر والدنيا برد. رأى النار فاقترب، رآه أبو ليلى فهرول من بعيد والشرر يتطاير من عينيه قائلاً لقيس: إمضِّ قيس، إمضِّ من هنا.
قيس إبن حلال ومسكين. إنه شاعر أراد إلهاماً لشعره فاتّخذ من ليلى ملهمة له. ترى ما الذي كان سيحدث لو لم يمضِ قيس؟ ما الذي كان سيفعله أبو ليلى؟ هل كان سيقتل قيساً من أجل عيون ابنته المدلّلة؟ وهل كان يعتقد أن ابنته هي هيفاء وهبي أو أنجلينا جولي مثلاً؟
ترى لو كان قيس فارساً مغواراً مثل عنترة مثلاً، هل كان أبو ليلى ليتجرأ أن يأمر قيس ليمضي؟ لا بل كان سيزوجه بها بكل سرور. للأسف.. قيس المسكين مجرد عاشق رقيق الحال، لا له لا فـي العير ولا فـي النفـير، ولا يشكل خطراً على ليلى وعلى أبيها وعلى قبيلتها سواء مضى قيس أو لم يمضِ.
حال قيس مع أبي ليلى يشبه حال لبنان الجميل مع المملكة العربية السعودية. قيس يتعذب حتى ينال الرضى وأبوها يزجره ويقول له: إمضِ. إسرائيل وأميركا تأمران السعودية بأن تمنع الهبة المالية عن لبنان وتأمره بدورها ليمضي على وثيقة قطع صلته وتنكره لما هو عربي وإسلامي.
أيُّ خطر يشكله لبنان على إسرائيل وأميركا والسعودية سواء لبنان مضى مقهوراً صاغراً على ما تطلبه المملكة وحلفاؤها؟ تبغى «اليونايتد ستايتس أوف سعودي» من لبنان أن يصالح جارته الصغيرة البريئة الودودة التي تطمح إلى السلام وتتمناه، وتأمره أن يعطيها السلام لترد له الطفولة التي نشأ محروماً منها. وسيأكلان المنّ والسلوى معاً.
ذاكرة السعودية نست أن البعض من العرب تعاون وتهاون وركضوا نحو السلام مع إسرائيل، وفتحوا الصدور وحنوا الظهور ومدُّوا الجسور قبل أن تقدِّم إسرائيل أي شيء. هل توقف جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون عن قتل وتعذيب وتهجير أهلنا فـي فلسطين، صباحا ومساء، وعلى مزاجهم.
أتمنى أن لا يمضي لبنان كما مضى قيس. هذا زمن الذل والقهر العربي يا ليلى بفضل المال السعودي والسلاح الأميركي والتخطيط الإسرائيلي زائداً التخلف العربي.
Leave a Reply