بلال شرارة
الرئاسة الأميركية التي ستنتقل اليها السلطة في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل ستجد على طاولة التدارس المتصلة بالأمن القومي الأميركي في البيت الأبيض استحقاقين كبيرين للسياسة الأميركية: الأول، تحرير الموصل. والثاني، تحرير الرقة.
كما سيجد الرئيس العقدتين مربوطتين برعاية روسية دون أن يتيح ذلك التوصل الى اتفاق سياسي في سوريا يتضمن إقصاء الرئيس الأسد او انتزاع ضمانات من موسكو بإقصائه مستقبلاً (مع الاشارة الى وجود رسائل أميركية الى طهران أشارت ضمناً إلى قبول بقائه بكامل صلاحياته حتى نهاية فترته الرئاسية مقابل إعلانه عدم الترشح في الانتخابات المقبلة).
المعارك الدائرة الآن هي في الواقع لتقرير هزيمة «داعش» ولكنها ستؤدي الى تموضع كل القوى الدولية والاقليمية والمحلية العراقية والسورية، وبالتالي ستؤدي الى ترسيم وقائع متداخلة تحتاج الى معجزة لتفكيكها.
ففور استبدال أسلوب رئاسة البيت الأبيض في التعاطي مع الأزمات سيكون أمام واشنطن التعاطي مع رئيس جديد للجمهورية في لبنان وربما حكومة جديدة. وعلى خرائط العمليات سيكون الجيش العراقي والبشمركة والحشد الشعبي قد شارفوا على تحرير الموصل، وواشنطن التي لا تريد نصراً سريعاً في الموصل من المحتمل أن تجد أن الخلاف العراقي-التركي الجاد والخطير حول تواجد القوات التركية داخل الأراضي العراقية قد انفجر أو يكاد.
كما ستجد الرئاسة الجديدة على طاولتها اليمن بكل ضجيج الحروب بالواسطة بين إيران والسعودية، وبين كل المكونات اليمنية، وبين الشمال والجنوب، وستجد أن حليفتها السعودية لم تضيّع فرصتها في تحقيق نصر على الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح فحسب، بل إن القوات السعودية تحولت الى الدفاع داخل أرضها ازاء الهجمات التي يشنها تحالف الحوثيين مع علي عبدالله صالح، اضافة الى أنها (الرئاسة) ستجد نفسها أمام الأنماط الهشة لمختلف أنواع السلطات في مجلس التعاون الخليجي الذي صرفت أنظمته ثروات لا تقدر في محاولة يائسة للدفاع عن نفسها بمواجهة الحاضر والمستقبل، ورغم ذلك أضحى بطناً رخواً أمام اللكمات وأنه بات يستدعي من واشنطن ان تتورط في الدفاع عنه.
كذلك على واشنطن أن تتعامل مع الحرائق المشتعلة على امتداد ليبيا والتوترات والقلق في الجوار الليبي والوقائع السودانية المضطربة والمشهد المصري القلق انطلاقاً من حرب سيناء ضد الاٍرهاب والضغوط المرافقة للتقشف الاقتصادي.
وبالاضافة الى الوقائع الافغانية والأحداث الباكستانية والحرب الباكستانية الهندية حول كشمير والنظام المتوجس في تركيا الذي يعيش هاجس المؤامرة والخوف من أخصامه وحلفائه، ويجد نفسه مضطراً لاتخاذ سياسات هجومية في الداخل والخارج غير آبه بردود الفعل الدولية على ممارساته، وستجد الرئاسة نفسها أمام الوقائع الفلسطينية بين الاستيطان والانقسام وقد امتدت مسافة أبعد من إمكانية توقيع خطة «ميتشل».
وستجد أن النظام في إيران لا يزال يقدم مشروع الثورة على مشروع الدولة وأن ايران تشعر بفائض القوة الذي يتيح لها ادواراً في نظام منطقتها، وان الحرس الثوري يزيد من سطوته وأن الاتفاق النووي لم يعزز سلطة الاعتدال إزاء ذلك.
إذن البيت الأبيض سيكون مشغولاً منذ أول عهده بمشروع تفسيرنا وترسيم حدودٍ جديدة لكياناتنا المعبرة عن طوائفنا ومذاهبنا وكياناتنا (الشرق الأوسط بعد مرور مئة عام على سايكس بيكو و99 عاماً على وعد بلفور) وهكذا سيكون على الولايات المتحدة الأميركية أن تجد لكل واحد بقي حيّاً منا وطناً مناسباً لانتماءاته. ثم إنه ازاء الدمار الذي تسببنا به لأنفسنا ولبعضنا فإن شركات الإعمار العالمية ستجد فرصة لإعادة بناء أقطارنا الكثيرة بما يناسب عالم المستقبل وبذلك تكون احتكارات السلاح واحتكارات البناء قد عوضت الركود الذي كان قد أصاب الاسواق العالمية وأدى الى انهيارات البورصة غير مرة وتكون احتكارات النفط قد أمنت افتتاح مصادر جديدة للطاقة في البحر الأبيض المتوسط ربما هي أكثر ثراء من موارد الخليج الطبيعية.
هل آن الأوان لدبلوماسية دولية ناعمة أم انها ستكون مضطرة الى استخدام القوة لترسيم حدود الدويلات القادمة التي تأخر أصحابها بالاقتناع بمساحات أوطانهم الجغرافية؟ وعلى طاولة صناع السياسات في واشنطن أسئلة ضاغطة أخرى من جملتها: موقع أوروبا العجوز في العالم الجديد، وهل أن تجربة يوغوسلافيا السابقة وأوكرانيا ودرس الاستفتاء البريطاني كاف لفرط الاتحاد الاوروبي وإعادة تقسيم القارة؟
Leave a Reply