لم يتطرق البحث في اللقاءات الباريسية التي عقدت بين الجنرال عون والنائب سعد الحريري الى اسم الرئيس المقبل، لذا فإن الاجواء كانت ايجابية جداً، وجدية وودية الى حد ما. فقد خاض الرجلان عملية اكتشاف متبادلة لشخصية كل منهما، ذلك ان الاصطفافات السياسية والانقسامات الحادة حالت دون اللقاءات المباشرة المتكررة سوى اللقاء الذي حصل في قريطم ابان تشكيل الحكومة الحالية في اواخر صيف 2005.ولكن ذلك ليس بيت القصيد، فالانقسام السياسي الحاد لم يزل قائماً كما الاصطفافات العامودية والافقية، إلا ان الاستحقاق الرئاسي فرض نفسه على الانقاسامات والاصطفافات التي اصطدمت بالسقفين الدولي والاقليمي، في ظل تراجع مؤشرات الحرب في المنطقة وهو ما لمسته القيادات «الآذارية» التي زارت واشنطن مؤخراً ووجدت عدم استعداد اميركي مبدئي بالسير الى حدود التفجير، ما شكل ايعازاً لهذه القوى بضرورة اللجوء الى اللعبة السياسية مجدداً، والوقوف على اراء الاطراف الاخرى، خاصة المسيحية منها وتحديداً العماد ميشال عون كونه العقدة الحقيقية الكامنة في وجه الاستحقاق الرئاسي، اضافة الى المصلحة الاستراتيجية الايرانية في عدم حصول مواجهة سنية – شيعية تبدأ من لبنان وتمر بالاقطار العربية لتلاقي المستنقع العراقي، ما يقوض المشروع الايراني الاستنهاضي المواجه للمشروع الأميركي في المنطقة، ويضيف حصاراً عربياً الى جانب الحصار الذي تفرضه واشنطن.ينطلق عون في حواره مع سعد الحريري من مسلّمة اساسية عنده وهي ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، وهو ما عمل على تسويقه في الجلستين الاوليتين من خلال اظهار مرونة معتبرة في كيفية معالجة الموضوعات الشائكة واهمها سلاح حزب الله وضمان المحكمة الدولية. وفسرتها بعض الاوساط المقربة من حزب الله على انها «ليونة مفرطة» من جانب عون كما ابدت استياءاً ضمنياً من طرح موضوع السلاح في الحوار وتصويره على انه مشكلة قائمة وعلى رئيس الجمهورية حلها.اما من جهة سعد الحريري، فهو يصف اجتماعاته وعون بانها ليست «حرتقة» سياسية، بل جدية وراقية ويمكن التعويل عليها. بل يصل الى ذروة تفاؤله بالقول بانه وقف على رأي جزء كبير من المسيحيين باجتماعه بعون وهو حسب قوله ينتظر ان يلتقي السيد حسن نصرالله للوقوف على رأي غالبية الشيعة! مع ان لقاءا كهذا يلقى معارضة شعبية شيعية كما معارضة من قيادة حزب الله، ما يجعل اقصى ما يمكن الوصول اليه اذا لم يرض النائب الحريري بالتخويل المعطى للرئيس نبيه بري هو الاجتماع بنائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم، هذا اذا اقتنع حزب الله بجدوى الاجتماع مع النائب الحريري، وذلك على ضوء الاسماء المطروحة والبرامج الملحقة بهذه الاسماء وهو ما زال يشكل خلافاً جوهرياً حاداً يعتبره حزب الله اساسياً ومحدداً لمسار المرحلة المقبلة لان البرامج تبدل ويبقى الرئيس هو حسب تفسير الحزب.كما ان نفس المسلمة التي يحملها الجنرال عون يحملها النائب الحريري ولكن معكوسة. فالاخير ينطلق من مسلمة اساسية محسومة اميركياً وفرنسياً وسعودياً وهي رفض ترشيح عون للرئاسة مع لحظ تأثيره المهم على المعادلة المسيحية الداخلية، ما يحتم الوقوف على رأيه وسؤاله عن الثمن البديل الذي يقبله للتخلي عن الرئاسة الأولى. لانه على فرضية التسوية او الصفقة بين الجهات الدولية والاقليمية والتي لها مونة على الاطراف الداخلية المتصارعة، يبقى العماد عون خارج الدائرة اذا لم يتم الاتفاق معه، فلا المعارضة، وتحديداً حزب الله، بوارد التخلي عنه والسير في تسوية لا يكون هو شريك اساسي فيها، ولا الموالاة قادرة على الموافقة على مطالبه التي تعيده الى قصر بعبدا. لذلك فإن حزب الله يفضل ان يخوض عون مباشرة عملية التفاوض مع سعد الحريري عوضاً عن الرئيس نبيه بري، حتى الوصول الى النقطة التي يقتنع فيها عون بانعدام حظوظه الرئاسية، ويقتنع سعد الحريري باستحالة تخطي عون في الموضوع الرئاسي. فيبدأ البحث وقتها عن الثمن البديل لعون واسم الرئيس، فتعود الخطوط الدائرية للعمل ويعود حزب الله الى صلب المفاوضات الجدية لاحراز التسوية بعد ان يكون جَانَبَ صداماً مع حليفه الاستراتيجي الجنرال عون من غير ان يحنث يمينه او ينكث بوعده معه.ولكن السؤال الاهم ما هو الثمن الذي يقبله العماد عون ويكون بديلاً عن الرئاسة الاولى؟هذا ما بدأت تتداوله الأوساط السياسية الداخلية ومن جملة السيناريوهات المطروحة أن يُعطى عون كل التمثيل المسيحي في الحكومة الجديدة مع حفظ مقعد وزاري واحد للقوات اللبنانية، ما يمكّن المعارضة من حيازة أكثر من الثلث المعطل، إضافة إلى مشاركة عون في تسمية الرئيس ما يشطب من اللائحة الرئاسية أسماء كل من نسيب لحود، لإعتبارات تتعلق بالزعامة المسيحية وهو ما يدين به عون لحليفه ميشال المر الزعيم المتني وهنا يتقاطع عون والمر مع الرئيس الجميل، وبطرس حرب إرضاءاً للنائب السابق سليمان فرنجية على خلفية الزعامة التاريخية لآل فرنجية في الشمال. وهذا يحصر المرشحين بشخصين إثنين النائب روبير غانم وجان عبيد، وأياً منهما لن يستطيع الحكم وسط معارضة مسيحية ما يحتم على أي منهما إذا تم إنتخابه رئيساً أن يحاذر الصدام مع الكتلة الوازنة التي يمثلها العماد عون وسليمان فرنجية، إضافة إلى ثلث معطل في الحكومة ما يجعل قوى «14 آذار» بين مطرقة عون وسندان حزب الله بشهادة رئيس الجمهورية المتفرج.والسيناريو الثاني الذي يدور الكلام عنه هو أن يتم إنتخاب رئيس مرحلي لمدة سنتين الى حين الإنتخابات النيابية عام 2009 حيث يتم إنتخاب الرئيس الجديد بناءاً على نتائج الإنتخابات النيابية، مع تعيين قائد للجيش محسوب على الجنرال عون في مرحلة السنتين. السيناريو الأول والثاني يؤديان لنفس النتيجة إستحالة أو صعوبة الحكم بدون الكتلة العونية فكيف إذا كانت الكتلة العونية والكتلة الشيعية في دائرة التحالف. هذه إحتمالات التسوية أقلها خسارة حادة وتقهقر لقوى «14 آذار» وخسارة أكثر حدية لظهيري «14 آذار» وليد جنبلاط وسمير جعجع وثمن باهظ يجعل عون في موقع أقوى من رئيس الجمهورية.
Leave a Reply