عماد مرمل – «صدى الوطن»
يحاول الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميل ان يجد لنفسه ولحزب «الكتائب» مساحة من الخصوصية فـي العمل السياسي، تسمح له بالتمايز عن القوى الاخرى على الساحة اللبنانية، بما فـيها تلك المصنفة بانها حليفة له فـي فريق «14 آذار».
وقد اختار الجميل مؤخرا ان يتخلى عن رئاسة «الكتائب»، مفسحاً فـي المجال امام ابنه سامي ليتولى هذه المسؤولية بعد انتخابات حزبية، كانت مضمونة النتائج سلفا. لكن الرئيس السابق لا يزال حاضرا فـي الحياة السياسية، وهو يفترض ان اسمه صامد حتى إشعار آخر بين الاسماء المرشحة الى رئاسة الجمهورية وإن كان لا يحتل موقعاً متقدماً فـي التراتبية.
وفـي حوار مع «صدى الوطن»، الجميل اعتبر ان ما يحدث فـي المنطقة من صراعات دموية ومعقدة أكبر من لبنان وأبعد منه، لافتا الانتباه الى ان البعض اعتبر ان «الربيع العربي» فرصة للتخلص من بعض الانظمة العربية، وقد وُظفت إمكانيات هائلة لاسقاط النظام السوري وتداخل ذلك مع بعض الحساسيات العربية حياله ومع استخدام شعارات مذهبية، ما أدى الى تفاقم الصراع.
ويضيف: لقد سبق لي، وتحديدا منذ مطلع الازمة السورية، ان حذرت من انه إذا لم نحصن لبنان فانه سيصبح الضحية الاولى، وكان موقفـي يتعارض فـي حينه مع عدد من حلفائي الذين كانوا يعتبرون ان الفرصة سانحة للتخلص من الاسد، فـي حين كنت أعتبر ان القصة أكبر منا وسندفع الثمن إذا أخطأنا فـي الحسابات، علما اننا كعائلة أكثر من لديه حسابات مع النظام السوري، إلا اننا لا نورط لبنان فـيها ونعرف اين المصلحة الوطنية.
ويضيف: لاحقا عادوا الى سياسة النأي بالنفس وتحييد لبنان، ولحسن الحظ وبسحر ساحر ضُبط الصراع المذهبي فـي لبنان من الناحية الأمنية وتحقق الحد الأدنى من الاستقرار الهش، برغم تورط البعض فـي سوريا، وهذا بحد ذاته نوع من الابداع اللبناني، مع الاشارة الى انه لا يمكن تجاهل التأثير الايجابي فـي هذ المجال للحوار بين «حزب الله» والمستقبل والذي يعكس حساً بالمسؤولية.
ويشير الى أن هذا العامل الداخلي يمكن ان يؤسس لحلول مستقبلية، إذا عرفنا ان نطوره ونبني عليه، وصولا الى تحييد لبنان عن الصراعات الخارجية وتغليب مصلحته على أي مصلحة أخرى.
ويشدد على ان يد حزب «الكتائب» ممدودة للحوار، وأنا كنت مسرورا جدا عندما زرت مؤخراً منطقة بعلبك فـي البقاع حيث وجدت صورا لي معلقة الى جانب صور الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله.
ويلفت الانتباه الى انه فـي عز الحرب اللبنانية كنا فـي الكتائب نترك خطوطا مفتوحة للتواصل مع خصومنا، كمنظمة التحرير الفلسطينية التي لا أزال أحتفظ برسالة من احد قيادييها أبو أياد، وكذلك الامر بالنسبة الى سوريا، حيث التقيت رئيسها حافظ الاسد فـي آخر يوم من ولايتي، برغم الخلافات بيننا.
ويعتبر الجميل أن الاتفاق النووي لا يقدم ولا يؤخر على المستوى الداخلي، وأستغرب ان فـي لبنان هناك من يقبله وهناك من يرفضه.. من نحن؟ ومن طلب رأينا؟ نحن فـي لبنان لا نمثل شيئاً قياساً الى قدرات الدول الموقعة على الاتفاق، ولذلك يجب أن يكون همّنا أن نعرف كيف نتعاطى مع نتائج الاتفاق النووي حتى نحصن ساحتنا، لا أكثر ولا أقل.
ويرجح الجميل أن ترتاح إيران استراتيجيا بعد هذا الاتفاق، وهناك من لا يستبعد زيارة الرئيس باراك أوباما الى طهران قبل انتهاء ولايته، وبالتالي يجب علينا فـي لبنان ان نجيد التعاطي مع مفاعيل الاتفاق، وان نستثمره إيجاباً بدل أن نكون ضحيته كما يتخوف البعض. ويضيف: أنا أريد ان أحصّن لبنان حتى يؤدي دوراً توفـيقيا فـي المنطقة، ولا أريده ان يكون جزءاً من أي مواجهة إقليمية.
وعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي المؤجل، يلفت الجميل الانتباه الى ان موقف العماد ميشال عون المعطل للانتخابات الرئاسية يوحي بأن العامل المسيحي هو الذي يعرقل انتخاب الرئيس، لكنني لا أوافق على هذه النظرية، إذ لا يجوز تحميل طائفة بأكملها تبعات طموح خاص لشخص، وأنا أعتقد أن الاستمرار فـي الشغور الرئاسي طيلة هذا الوقت هو نتاج تداخل بين الغنج السياسي للبعض وبين مصالح استراتيجية فـي مكان ما، وإلا فان عون لا يستطيع وحده ان يعطل الاستحقاق الرئاسي لأنه لا يملك الثلث المعطل فـي مجلس النواب، وبالتالي فلو لم يكن «حزب الله» يلاقي عون فـي موقفه، ما كان الجنرال ليتمكن من التعطيل.
ورداً على سؤال حول موقفه من استمرار ميشال عون وسمير جعجع فـي الترشح الى رئاسة الجمهورية، يجيب الجميل: لا أعرف كم يوجد اقتناع بهذين الترشيحين اللذين أعتبرهما ترشيحين تكتيكيين وينمان عن تصرف أناني أكثر منه وطنياً، بينما المطلوب إنتخاب رئيس لديه مصداقية ويستطيع أن يولّد الثقة والطمأنينة، وتوجد خيارات عدة على هذا الصعيد.
ويعترض الجميل على إجراء استطلاع راي لمعرفة من هي الشخصية التي تريد الأكثرية المسيحية انتخابها للرئاسة، لافتاً الانتباه الى أن مثل هذا الاستطلاع لا يصح فـي مجتمع مركب كالمجتمع اللبناني، ومشدداً على أن رئيس الجمهورية هو لكل لبنان وليس لطائفة.
ويوضح انه كان قد طرح مشروعا لانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب، على قاعدة نيله أكثرية وطنية عموما، ونسبة مقبولة فـي كل منطقة، ثم يستدرك قائلا: لكن الأولوية الملحة حالياً تبقى لانتخاب رئيس الجمهورية وفق الدستور الحالي، وبعد ذلك نبحث فـي إمكانية تعديل النظام وتغيير طريقة الانتخاب، رافضاً ان يُفصل الدستور على قياس هذا الفرد أو ذاك.
ويشدد على التمسك بحكومة الرئيس تمام سلام فـي الوقت الحاضر لانها حكومة الضرورة والظروف الاستثنائية التي تبقي شعرة معاوية ممتدة، فـي غياب رئيس الجمهورية.
لكن الجميل يرفض استئناف التشريع فـي مجلس النواب، معتبراً أن المجلس منذ شغور موقع الرئاسة هو هيئة انتخابية لا تشريعية، ومشيراً الى أن تشريع الضرورة المقترح ليس سوى بدعة. ويتساءل: أيهما أهم فـي هذا الظرف، إقرار القوانين أم انتخاب الرئيس، محذراً من خطورة التعايش مع الشغور الرئاسي والافتراض أن بإمكان الدولة ومؤسساتها إن تستمر فـي العمل بشكل طبيعي من دون وجود رئيس للجمهورية.a
Leave a Reply