من شرفة منزله المتربع على كتف منطقة الفياضية في ضواحي العاصمة، قرب القصر الجمهوري وبمحاذاة وزارة الدفاع، يطل الرئيس السابق للجمهورية اللبنانية ميشال سليمان على مدينة بيروت بكل تضاريسها، وكذلك على المشهد السياسي العام الذي تتداخل فيه التعقيدات.
لا يخفي سليمان أمام زواره، انزعاجه من الاتهامات التي لا تزال تلاحقه في شأن انقلابه على سوريا والمقاومة، وانحيازه إلى فريق على حساب آخر، في النصف الثاني من عهده. لكنه يؤكد في المقابل أنه مرتاح إلى ما انجزه خلال ولايته الرئاسية انطلاقا من قناعاته وثوابته.
وضعنا جيد
ويقول سليمان لـ«صدى الوطن» إن المطلوب من السياسيين عدم تهميش مكانة لبنان، مشيراً إلى أن وضعنا الحالي جيد قياساً إلى ما يجري حولنا وبالتالي أنا لست قلقاً على المستقبل لأننا تجاوزنا العديد من الاختبارات الصعبة بنجاح. ويلاحظ أنه برغم الحرب التي اندلعت في سوريا بقي لبنان قوياً ومتوازناً خلافا لكل التوقعات، ودخل أكثر من مليون لاجئ سوري، ولم تحصل ضربة كف على خلفيات طائفية ومذهبية، الأمر الذي يدل على وجود مناعة وحصانة داخليتين.
ويلفت الانتباه إلى أنه كانت لدى البعض نظرية مفادها أنه إذا خرج السوريون من لبنان سينقسم الجيش، وتتجدد الحرب الاهلية، لكن الجيش لم ينقسم ولم تقع الحرب، مشدداً على أن الشعب اللبناني متمسك بالعقد الاجتماعي ومشاركة الطوائف في الحكم، على اساس وقف العد ومرتكزات الطائف.
ويعتبر أن بعض مظاهر التراجع والوهن في الدولة تعود إلى الادارة السياسية السيئة، مشدداً على ضرورة أن ترتقي الطبقة الحاكمة إلى مستوى المسؤولية الوطنية.
عون وتياره
وعن العلاقة مع الرئيس ميشال عون، يؤكد سليمان أنه ليس مع عون في السياسة، لكن علينا أن نعترف أن الوضع صعب جداً، والعالم كله ملتهب، ونحن نتوقع من رئيس الجمهورية الكثير، فهو كان قائداً للجيش، ومعه تيار سياسي ومتحالف مع «حزب الله»، وعلينا أن ننتظر، معتبراً أن الاستراتيجية الدفاعية يجب أن تكون من بين الأولويات الأساسية لعون.
ويشير إلى أن عون يتصرف كرئيس للجمهورية ولكن تياره يحاول إغراقه، واصفاً كلمته في الأمم المتحدة بـ«العادية»، وهو «كان يجب أن يتكلم حول الاستراتيجية الدفاعية».
شوهوا النسبية
وبالنسبة إلى موقفه من القانون الانتخابي الجديد، يؤكد سليمان أنه أول من طرح النسبية، وغيري طرح القانون الأرثوذكسي الذي هو «خراب للمسيحيين».
ويرى سليمان أن قانون الانتخابات الحالي شوه النسبية نتيجة اعتماد الصوت التفضيلي على مستوى القضاء رافضاً مقولة الوزير جبران باسيل بأن هذا القانون يحمي المسيحيين حتى 2053، ومؤكدا أن حماية المسيحيين لا تتحقق بقانون انتخابي بل بالعقد الاجتماعي، ونظرية باسيل «تجليطة» إذ أن العقد الاجتماعي وحده يحمي كل اللبنانيين.
ويجزم بانه ليس مرشحاً إلى الانتخابات النيابية المقبلة، وهو مع أي مرشح يتبنى إعلان بعبدا والاستراتيجية الدفاعية.
باسيل أخطأ
وعن لقاء باسيل مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في نيويورك، يقول سليمان: مبدئياً لست ضد العلاقة بين سوريا ولبنان، وتحديداً على صعيد المؤسسات، لكن باسيل وزير خارجية لبنان، وليس وزيراً للزراعة أو ما شابه وهو يمثل لبنان خارجياً، وكان عليه أن يتشاور ويتفاهم مع رئيس الحكومة مسبقا ولذلك فهو اخطأ، متمنياً ألا تؤدي الخلافات إلى نسف التسوية السياسية القائمة.
هروب العبسي
وفي ما خص اتهامه بعدم التعاطي بجدية خلال توليه رئاسة الجمهورية مع ما كان قد أعلنه وزير الدفاع آنذاك فايز غصن عن وجود شبكات لتنظيم «القاعدة» في لبنان، يجيب سليمان بحدة: بعد كلام غصن طلبت اجتماع مجلس الدفاع الأعلى، ونفى المعنيون فيه وجود «قاعدة» في لبنان، ولكنني ركزت على ضرورة أخذ كلام وزير الدفاع بجدية ومتابعة الموضوع، وصدر بيان عن مجلس الدفاع الأعلى بهذا الخصوص وكل الاتهامات في هذا الموضوع هي «للتمريك» سياسياً على ميشال سليمان، لكن ما بيطلعلهم خبز معي.
وعن أحداث مخيم نهر البارد واتهامه بتسهيل هروب الإرهابي شاكر العبسي الذي كان يقود تنظيم «فتح الإسلام»، يقول: لقد علّمت الجيش كيف يقاتل الإرهابيين، وانا من صمد في الضنية، وانا من حرر مخيم نهر البارد من شاكر العبسي ومسلحيه.
ويضيف: كل الضباط الذين قادوا العمليات في نهر البارد مقربون إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي الاتهامات لا يجب أن توجه إلي إذا كان هذا الأمر صحيحاً.
ويشرح كيف فرّ بعض الإرهابيين من المخيم تسللاً عبر مجموعات صغيرة قبل أن يتم افتضاح امرهم واعتقال عدد منهم لاحقاً خارج المخيم، لكن العبسي تمكن من الإفلات، مشيراً إلى أن «الرئيس بشار الاسد أخبرني فيما بعد أن العبسي قتل على حاجز للجيش السوري». ويتابع: من المعيب أن يقال أن ميشال سليمان ساهم في تهريب شاكر العبسي ليصل إلى رئاسة الجمهورية.
وحول موقفه من التحقيق في ملابسات أحداث عرسال عام 2014، يلفت الانتباه إلى أنه كان أول من طالب بالتحقيق في حوادث عرسال، وقبل أن يكتشفوا مكان جثث الشهداء العسكريين، معرباً عن عدم ارتياحه لخروج المسلحين بالطريقة التي تمت.
ويدعو إلى الاعتراف بأن الإرهابيين لم يتمكنوا من إقامة «إمارات» في لبنان، كل ذلك بفضل الجيش اللبناني والقوى الأمنية.
ويؤكد سليمان عدم وجود أية علاقة مع «حزب الله»، «ونحن نلتقي في المناسبات فقط، وحزب الله هو الذي ترك المعادلة الثلاثية عندما ذهب إلى سوريا، وأخشى أن تكون هذه المعادلة قد سقطت».
Leave a Reply