عماد مرمل – «صدى الوطن»
ما إن غيّمت فوق الرياض وطهران حتى أمطرت.. فـي بيروت.
ليس خافـياً أن لبنان هو، منذ تأسيسه، من أكثر دول المنطقة العربية تأثراً بما يجري خلف حدوده، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بصدام حاد بين قوتين اقليميتين أساسيتين هما السعودية وإيران، اللتين يرتبط كل منهما بتحالف استراتيجي مع جهة لبنانية وازنة، ما يجعلهما الأوسع نفوذاً على الساحة الداخلية.
وهكذا كان يكفـي أن يحتدم الاشتباك السعودي-الإيراني، على خلفـية إعدام السلطات السعودية الشيخ نمر باقر النمر، حتى يندلع سجال عنيف بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، أستعملت فـيه قاذفات الصواريخ الكلامية، برغم أن الطرفـين يخوضان منذ أشهر حواراً ثنائياً فـي مقر الرئاسة الثانية فـي عين التينة بحضور «حركة أمل».
والمفارقة، أن الوظيفة الأولى التي أنيطت بهذا الحوار عند انطلاقه هي تخفـيف الاحتقان المذهبي عبر نزع الصور والشعارات والأعلام الحزبية من الشوارع، ليتبين بعد أشهر أن الاحتقان المذهبي ازداد، برغم إزالة المظاهر الاستفزازية، وذلك تحت تأثير الخطاب السياسي التعبوي المتبادل، ثم أتى اعدام النمر ليفجّر براكين من الغضب على امتداد المنطقة.. حتى لبنان.
وبمعزل عن الظروف المحيطة بالهجوم على السفارة السعودية فـي طهران، يبدو واضحاً أن الرياض استفادت من هذه الواقعة للدفع فـي اتجاه حرف الأنظار عن القضية الأصلية المتمثلة فـي قتل النمر، وذلك عبر تسليط كل الأضواء الكاشفة على حادثة اقتحام السفارة، واستثمارها سياسياً واعلامياً حتى الحد الأقصى الممكن، وصولاً الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، سعيا الى تقديم السعودية بصورة الضحية المعتدى عليها، فـي حين أن هناك من يقول إنه كان يتوجب على إيران أن تبادر هي الى قطع العلاقات بعد مجزرة منى والتي قضى خلالها مئات من الحجاج الإيرانيين من بينهم السفـير السابق فـي بيروت غضنفر ركن آبادي، او حتى بعد تنفـيذ حكم إعدام النمر والذي تجاهل كل المساعي التي بذلتها القيادة الإيرانية للحؤول دون تنفـيذه.
كيف يمكن أن ينعكس التوتر الإقليمي على مسار الحوار بين «حزب الله» و«المستقبل» و«أمل»؟
يؤكد راعي الحوار الرئيس نبيه بري لـ«صدى الوطن» أنه سيبذل قصارى جهده لصون هذا الحوار ومنع وقفه، أيا كانت الظروف والضغوط التي تواجهه، لافتا الانتباه الى أن المطلوب من الأطراف المعنية به أن تتحمل مسؤولياتها وتصبر على ما يحدث حتى لو اضطرت الى كتم غيظها.
وينبه بري الى أن ارتفاع حرارة التوتر بين طهران والرياض هو تطور خطير، ستكون له تداعيات على المنطقة، مشدداً على ضرورة حماية لبنان منها.
ويتوقف بري عند بعض مظاهر الفتنة المذهبية الآخذة فـي التفاقم فـي العديد من الدول العربية بعد إعدام النمر، مشيراً الى انه ينبغي أن يظل لبنان خارج هذه الفتنة، وبقاء الحوار بين «حزب الله» و«المستقبل» و«حركة أمل» هو صمام أمان على هذا الصعيد، محذراً من أن تعطيله سينطوي على رسالة سيئة جداً.
فـي المقابل، لا يخفـي أحد المشاركين فـي الحوار عدم حماسته لمواصلته، مؤكداً لـ«صدى الوطن» أنه -شخصياً- فقد كل شهية للاستمرار فـيه ربطا بالمناخ الذي أنتجه إعدام النمر.
لكنه لا يلبث ان يستدرك قائلاً: أيا تكن عواطفنا وانفعالاتنا، المطلوب السعي الى فصل الحوار عنها وعن المؤثرات الخارجية الداهمة، وهذا ما نجحنا فـيه حتى الأمس القريب، إذ ان اللقاءات الدورية استمرت بين «حزب الله» و«المستقبل» و«حركة أمل» برغم الحرب السعودية على اليمن، ومجزرة الحجاج فـي منى، والهجمات العنيفة التي شنها السيد حسن نصرالله على القيادة السعودية، وبالتالي فمن المفترض مبدئياً أن يتواصل الحوار بعد إعدام النمر، لأن هناك ضرروة لبنانية للمحافظة عليه، من دون تجاهل إمكانية ان تكون الحاجة الإقليمية له قد تراجعت، مع ما يعنيه ذلك من احتمال أن يلجأ البعض الى مراجعة حساباته حيال جدواه، تحت وطاة انقطاع العلاقات السعودية-الايرانية وبالتالي انسداد أفق المعالجات.
وتشير شخصية سياسية متحمسة للحوار الى أن الإبقاء عليه، أصبح هدفاً بحد ذاته، حتى لو لم يكن قادراً على تحقيق أي نتائج ملموسة، لافتة الانتباه الى أن مجرد صموده فـي هذه المرحلة المزدحمة بالمخاطر والتحديات هو إنجاز يجب عدم التفريط به، فـي انتظار أن يأتي الوقت المناسب لتفعيله وتسييله الى إيجابيات عملية.
وتعتبر هذه الشخصية أنه ليس أمراً بسيطاً أن يثبت «حزب الله» و«المستقبل» قدرتهما على حماية خيوط التواصل بينهما مهما كانت رفـيعة، فـي حين أن رياح الفتنة المذهبية تضرب العديد من الساحات العربية المجاورة، معربة عن اعتقادها بأنه ليس سهلاً على أي من منهما أن يتحمل تبعات الانسحاب من الحوار فـي هذا التوقيت.
وتعتبر تلك الشخصية ان الواقعية تقتضي الاقرار بان الحوار لن يكون منتجا فـي ظل الاشتباك الاقليمي العنيف، وما لم يتحقق عندما كانت الاجواء أقل توتراً لن يتحقق وهي محمومة، سواء فـي ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي الذي لا يمكن إتمامه من دون توافق سعودي-إيراني، أو فـي ما يتصل بترتيب العلاقة بين «الحزب» و«المستقبل»، ومع ذلك لا خيار سوى المضي فـي هذا الحوار ولو على قاعدة الفن للفن.
Leave a Reply