عماد مرمل – «صدى الوطن»
تتخبط حكومة الرئيس تمام سلام منذ تشكيلها فـي مستنقع من الخلافات المستشرية التي تقتات من تداعيات الشغور فـي رئاسة الجمهورية، ما أدى عملياً الى شل مجلس الوزراء، إما بتعطيل اجتماعاته من حين الى آخر، وإما بإضعاف انتاجيته حتى حدود «الجفاف».
ويحاول سلام منذ وصوله الى السرايا الحكومية التعايش مع هذا الأمر الواقع، والتخفـيف من أضراره، وهي مهمة لا تخلو من الصعوبة بالنسبة الى رئيس الحكومة الذي يشعر بأنه يخوض مباراة أسبوعية فـي «رفع الأثقال»، مع كل جلسة لمجلس الوزراء.
والمفارقة ان سلام غالباً ما يشكو كالمواطن، بعدما ضاق هامش المبادرة أمامه الى الحد الأدنى، نتيجة تعذر تحقيق التوافق بين مكونات حكومته حول الكثير من الملفات الخلافـية، من دون أن يكون قادراً فـي الوقت ذاته على الاستقالة اعتراضاً واحتجاجاً، لأن أي قرار كهذا، سيعني تعميم الفراغ وحالة انعدام الوزن، فـي ظل الشغور الرئاسي والشلل فـي المؤسسة التشريعية.
وفـي انعكاس لواقع الانقسام المستفحل، يؤكد سلام لـ«صدى الوطن» أن ترويج بعض القوى السياسية بأن هناك مخططاً لتوطين النازحين السوريين فـي لبنان يندرج فـي إطار المزايدة الداخلية التي تهدف الى تعبئة الشارع المسيحي وتحريضه ضد أوهام هي فـي الحقيقة مجرد زوبعة فـي فنجان.
ويلفت سلام الانتباه الى أن البعض يريد ان يوحي لقواعده الشعبية بانه يحميها من خطر التوطين الذي اخترعوه من فراغ، فـي حين أن الحقيقة هي أن هذا البعض يحاول أن يغطي من خلال هذه المعارك المفتعلة على مسؤوليته عن تعطيل الاستحقاق الرئاسي ومنع انتخاب رئيس الجمهورية حتى الآن.
ويشدد سلام على أن المساعدات الدولية المقدمة للبنان أو المقترحة عليه ليست مشروطة بأي تنازلات سياسية، متسائلاً: هل يجوز أن ندور فـي العالم طلباً للمساعدات فـي مواجهة أعباء أزمة النازحين السوريين، ثم عندما تتم الاستجابة لنا، نرفضها أو نحاصرها بالشبهات؟
ويشير الى ان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون لم يطرح علينا خلال زيارته الى بيروت أي شروط فـي مقابل تقديم دعم مالي، بل أن ما عرضه يصب كليا فـي خانة المصلحة اللبنانية، مشيراً الى أن الأمم المتحدة ليست قوة استعمارية حتى نخشى من نياتها، مضيفاً: ربما لو أن دولة كبرى لها أطماع، هي التي تريد مساعدتنا، لكانت هواجس البعض مشروعة، لكنها بالتأكيد تصبح غير مبررة عندما يتعلق الأمر بالمنظمة الدولية.
ويتوجه سلام الى الأطراف السياسية التي تتكون منها حكومته، قائلاً: «يا جماعة.. دعونا نعمل. وكفوا عن إلحاق الأذى بالمصلحة الوطنية.. ما يحصل ليس مقبولاً».
ويضيف: خلال احدى الجلسات الاخيرة للحكومة، خاطبت الوزراء بقسوة، ولكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي، لأن كل طرف له أجندته السياسية، ويستخدمها للمزايدة والنقار.
ويستهجن سلام كيف أن هناك قوى سياسية تعمد الى تطييف الملفات الخلافـية ومذهبتها، كما جرى فـي ملف الخلاف حول جهاز أمن الدولة الذي صوروه بانه يتعلق بحقوق الطائفة الكاثوليكية فـي لبنان، متسائلاً: هل ان رئيس الجهاز موظف فـي الدولة ام لدى طائفته؟
ويحذر سلام من مخاطر الاستمرار فـي نحر جسم الدولة، عبر الشغور الرئاسي المتمادي وتعطيل مجلس النواب وعمل الحكومة، بسبب تغليب الحسابات الفئوية على الاعتبارات الوطنية، مشدداً على ضرورة مقاربة المسائل العالقة بنية إيجاد حلول واقعية لها، وبالتالي تحريرها من الاستثمار الطائفـي والمذهبي.
وينبه رئيس الحكومة الى أن قدرته على الاحتمال والصبر آخذة فـي التراجع، تحت وطأة السلبية التي تتعامل بها الأطراف الداخلية مع تحديات هذه المرحلة التي تتطلب ترفّعاً عن الصغائر والمصالح الضيقة، محذراً من انهم إذا واصلوا سياسة المزايدات فلن نحصد جميعاً سوى المزيد من الاضرار والخسائر التي ستصيب الجميع.
ويلاحظ أن البعض يروّج لاحتمال سقوط الهيكل، منبهاً الى انه إذا تهدم، فسيسقط على رؤوس الكل، وبالتالي لن يكون هناك رابح ومهزوم، وإنما الخسارة ستكون شاملة، داعياً الى أن نكف عن اطلاق النار على أقدامنا.
ويلفت الانتباه الى أن لبنان كان محيّداً فـي السابق عن الصراعات الاقليمية الحادة، لكنه بات حالياً يتأثر أكثر فأكثر بتلك الصراعات، ما يستدعي من قواه السياسية التحلي بأعلى درجات التحسس بالمسؤولية، لتقليص حجم المخاطر الداهمة، مؤكداً أن أحداً لن يهتم بما يمكن أن يؤول اليه وضعنا، فـي ظل الظروف السائدة فـي المنطقة، ما يستدعي منا انتاج صمامات الأمان المحلية، بقدراتنا الذاتية، لحماية لبنان قدر الامكان، والمحافظة على الحد الأدنى من استقراره، فـي انتظار مرور العاصفة.
Leave a Reply