مر خبر ترؤس لبنان لمجلس الأمن الدولي لشهر أيار (مايو) الحالي دون أن يستحوذ على الكثير من التعليقات والتحليلات التي تتناول “الحدث” الذي وضع الدولة الصغيرة والمبتلية بالأزمات على مدار السنة على رأس أكبر منظمة عالمية تهتم بشؤون الأمن والسلام الدوليين، فضلا عن التنمية البشرية والاقتصادية في مختلف أنحاء المعمورة.
في لبنان ذاته كانت المفاوضات الماراتونية لإرساء تحالفات بلدية بين خصوم الأمس تحتل المساحات الرئيسية للصحف اللبنانية، ويسهب المعلقون والمحللون في شرح خرائط المعارك البلدية في بعض المناطق والتوافقات التي أنجبت مجالس بلدية بالتزكية في مناطق أخرى.
مفارقة غريبة، أن يرأس مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام أول جلسة لمجلس الأمن، لهذا الشهر الذي يتربع لبنان خلاله على سدة الرئاسة، ويندرج في جدول أعمالها بند العلاقة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فيما أركان الحكومة اللبنانية والقوى السياسية الفاعلة منهمكون في طبخة بلدية بيروت ومقاديرها، هذا يهدد بالمقاطعة وذاك ينسحب، وآخر يؤكد على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين!
ربما لم يعد اللبنانيون معنيين بهذا النوع من “الاعتزاز” الوطني في زمن تشكل أوطان الطوائف على حساب الوطن الواحد. وقد لا يكونون معنيين أيضا في ادراج هذا الحدث في تاريخهم الحديث، الا من باب الشطارة اللبنانية في اقناع أمم العالم بتأجيل طرح بند العقوبات ضد ايران الى الشهر القادم، دفعا للحرج من التصويت أو حتى الامتناع عن التصويت.
صحيح أن لبنان اعتلى سدة الرئاسة الدولية بعدما فقدت مؤسسة الأمم المتحدة ومجلس أمنها معظم بريق شبابها وبعد عقود مضت على التأسيس، الا أن قدر الأبجدية الذي وضعه على لائحة الرؤساء لإحدى الدورات الشهرية لهذا العام وفر فرصة تاريخية للبلد الصغير لكي يثبت فحولته العالمية قبل أن تبلغ المؤسسة الدولية سن اليأس.
فلعل أيام الشهر الواحدة والثلاثين تفسح المجال أمام انجاب مخلوق دولي ذي أبوة لبنانية، تبقي اسم البلد العربي المبتلى بصراعات وانقسامات متواصلة، مرفوعا في سماء الأمم أو تدفع عنه خطرا من الأخطار المحدقة به في كل لحظة.
“لبنان رئيسا لمجلس الأمن الدولي خلال شهر أيار”.
مَن من اللبنانيين سيتذكر هذا الخبر مطلع الشهر المقبل؟
الأرجح لا أحد. وأغلب الظن أن حديث المخاتير والتمحيص في انتماءاتهم “السياسية” بحثا عن “نصر” ما سيهيمن على الصالونات السياسية والجلسات الشعبية، قبل أن يحل موعد بدء مسابقة كأس العالم لكرة القدم التي ينتظر أن ينقسم اللبنانيون حولها ويحولون شوارعهم ومبانيهم الى غابات من أعلام الدول المشاركة فيها. وقد لا يخلو الأمر من اطلاق رصاص ابتهاج وضحايا.
يشيد اللبنانيون بانجازات كل الدول ولا يتحرجون من جعل بلدهم مهرجانا للألعاب النارية احتفاء بها.
هل شاهدنا سهما ناريا واحدا في العاصمة اللبنانية احتفاء بتولي “دولة لبنان” رئاسة أكبر منظمة عالمية؟
شخصيا على الاقل، أشعر بنوع من الاعتزاز الوطني لتسلم بلدي رئاسة مجلس الأمن.
شخصيا أيضا أتسلح ولو لفترة شهر واحد باجابة مفحمة على تساؤل بعض أصدقائي في جلساتنا الصاخبة: وين هيي الدولة؟
حتى آخر أيار سأرد عليهم بكل ثقة: إنها على رأس مجلس الأمن!
أما في حزيران فلكل حادث حديث!
Leave a Reply